رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

يأتي كجزء من استراتيجية زيادة الصادرات.. تحرير سعر الصرف.. تعزيز لتنافسية المنتجات المحلية

273

عندما تلجأ الحكومات إلى تحرير سعر صرف عملاتها، لا يكون ذلك نوعا من الترف، بل رغبة فى زيادة تنافسية الاقتصاد الوطنى، لما يترتب على ذلك من زيادة قدرة المنتج المحلى محليا وخارجيا، بما يسهم فى زيادة الإنتاج المحلي، لأنه كلما كانت العملة الوطنية مقيمة بأعلى من قيمتها الحقيقية كلما صعب ذلك مهمة المنتج المحلى فى منافسته مع المنتجات غير الوطنية، ومن ثم فإن الدراسات الاقتصادية تذهب إلى أن تحرير سعر الصرف يعد بمثابة دفعة قوية لقطاع التجارة الخارجية لأى دولة، لأنه يؤدى – بالتأكيد – إلى زيادة الصادرات وتراجع الواردات.

رمضان أبو إسماعيل

يعد مصطلح تحرير سعر الصرف، فى رأى غادة البياع أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، من المصطلحات الاقتصادية، التى حظيت بقدر من الاهتمام والجدل لما وقع من ربط بينه وبين ارتفاع الأسعار، وبالتالى لم يعرف المصريون من تحرير سعر الصرف غير ما يرتبط به من حالات الغلاء التى تسود الأسواق، دونما إدراك كامل لانعكاساته الإيجابية التى قد تدفع الحكومات للمضى فى إجراءات تنفيذه.

آلية العرض والطلب

تحرير سعر الصرف يعنى ببساطة ترك قيمة العملة الوطنية لقوى السوق «العرض- الطلب»، بحيث لا تتدخل الحكومة أو البنك المركزى للدولة فى تحديده بشكل مباشر، وإنما يتم إفرازه تلقائيا فى سوق العملات من خلال آلية العرض والطلب، التى تسمح بتحديد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وتجنح الدول فى الغالب، لما يرتبط به من انعكاسات اقتصادية إيجابية على التجارة الخارجية.

وتفوق هذه الانعكاسات الإيجابية، كما ترى د. البياع، فى أثرها ما يترتب على تحرير سعر الصرف من انعكاسات سلبية على الأسواق، وتتجلى هذه الانعكاسات الإيجابية فيما تتركه سياسات التحرير – حال إدارتها بشكل جيد – على القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية محليا وخارجيا، لأنه مع انخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية وبالأخص الدولار، ستزداد القدرة التنافسية للمنتج المحلى فى الأسواق الخارجية.

ويدفع تحرير الجنيه، بحسب النظرية الاقتصادية، فى اتجاه تحسين الميزان التجارى بضوابط، نتيجة زيادة الطلب على المنتجات الوطنية سواء الموجهة للتصدير أو للإحلال محل الواردات، نتيجة زيادة عائدات المنتج من التصدير وزيادة تكلفة استيراد السلع، مما يوفر بيئة مشجعة على زيادة الإنتاج المحلى، بما يعنيه ذلك من تحقيق زيادات تدريجية فى الصادرات فى مقابل تراجع تدريجى فى الواردات، ينتج عنها – بالتأكيد – زيادة فى الناتج المحلى وتحسن فى الميزان التجارى والفجوة التمويلية، التى ترتبط – فى الأساس – بزيادة الطلب على الدولار لتمويل الاحتياجات مقابل تراجع الإيرادات الدولارية.

استراتيجية زيادة الصادرات

عكفت الدولة على اتخاذ إجراءات تحرير سعر الصرف بالتزامن مع البدء فى تنفيذ استراتيجية لزيادة حجم الصادرات بنسبة من 15 إلى 20% كل عام، بما يحقق وفرة دولارية للقطاع الاقتصادي، وضبط الميزان التجاري، وذلك وفق جدول زمنى مُحدد وبمساعى جادة لزيادة الإنتاج الموجه لقطاع التصدير فى عدد من القطاعات الإنتاجية، والعمل على تعميق الصناعات المحلية، التى تُسهم بدورها فى زيادة نسب الصادرات، ما يُعزز بالتبعية من الحصيلة الدولارية من التصدير.

واستجابت – بالفعل – الصادرات، بحسب اللواء عصام النجار رئيس الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، لتحرير سعر الصرف واستفادت منه، مؤكدًا أن استقرار سعر الدولار وتوافره فى السوق على خلفية قرارات البنك المركزى، التى كانت آخرها قرارات 6 مارس 2024، أسهمت فى زيادة الصادرات خلال الشهور التالية على القرار، حيث استمرت الصادرات فى التحسن خلال الربع الأول من عام 2024، ما يدل على نجاح سياسات الدولة فى تحفيز الصناعة.

وتدلل مطالعة الأرقام، والكلام لـ «رئيس هيئة الرقابة على الصادرات والواردات»، على أن الصادرات تشهد مؤخرًا زيادة بمعدل ثابت، دون أن تتأثر بها الأسواق المحلية خاصة فى قطاع المحاصيل الزراعية والموالح، التى تعد أكبر السلع المصدرة بسبب جودتها العالية، وأن مساعى الحكومة لزيادة الصادرات من 15 إلى 20% سنويا يحدها المنافسة الخارجية، التى تعمل الحكومة على مواجهتها بالعمل على زيادة تنافسية المنتج المصرى بزيادة جودته وتحرير سعر الصرف وإقرار المزيد من برامج تحفيز الصادرات.

وتشير الأرقام أيضًا إلى أن قرارات تحرير سعر الصرف تسببت فى زيادة الصادرات بقرابة 50%، حيث زادت من 26.7 مليار دولار عام 2016 مقارنة بنحو 35.6 مليار دولار عام 2023، فيما تذهب التوقعات إلى أن قطاع الصادرات تنتظره طفرة ملحوظة خلال السنوات المقبلة، خصوصا أن التحرير جعل المنتجات الوطنية ذات سعر منافس للمنتجات الأخرى، وإن كان ذلك مرهونا بقدرة الحكومة على اتخاذ كافة ما يلزم من إجراءات لتعزيز الاستفادة من هذا التحسن فى الوضع التنافسى للمنتج الوطنى فى الخارج.

قرارات نوفمبر 2016

وتعد قرارات نوفمبر 2016 الخاصة بتحرير سعر الصرف، فى رأى الخبير الاقتصادي، خالد الشافعي، هى الأهم فى منظومة الإصلاح الاقتصادي، التى تنتهجها مصر منذ منتصف 2016، لأن هذا القرارات أسهمت فى التخلص من وجود سوقين للعملة والقضاء وبصورة نهائية على السوق السوداء للدولار، وإعطاء ميزة تنافسية للمنتجات المصرية المصدرة للخارج، إلا أن هذه القرارات ترتب عليها ارتفاع معدلات التضخم.

وحتى الآن، لم تحقق الصادرات المصرية، الاستفادة المطلوبة من خطوة تحرير سعر الصرف نوفمبر 2016، وذلك لأن أول اختبار حقيقى للصادرات كان خلال 2017، حيث حققت الصادرات 22 مليار دولار فقط وهو رقم ضعيف جدا، قياسا على الميزة السعرية التنافسية للمنتجات المصرية بعد تحرير سعر الصرف وخفض قيمة الجنيه لأكثر من 70%، وأن رقم الصادرات المصرية – عموما – ضعيف للغاية، وأن تعزيز استفادة قطاع الصادرات من هذه القرارات تستلزم مزيد من الجهد للتواجد المصرى فى الأسواق غير التقليدية مثل الأسواق الإفريقية.

وشهدت الأسواق الإفريقية، وفقا لـ «الشافعي»، تغيرات جوهرية فى الآونة الأخيرة، وذلك فى ظل وجود منافسة قوية للمنتج المصرى من قبل المنتج الصينى أو الهندى أو حتى التركي، إضافة إلى المنتجات المغربية، بما يتطلب من المصدريين المصريين التواجد هناك عن طريق ما يسمى «البضاعة الحاضرة»، لأنها السبيل الوحيد لتوسيع نطاق صادراتنا إلى إفريقيا، وكذلك زيادة بعثات استكشاف الأسواق القائمة وإعداد خريطة بالأسواق، التى يضعف أو ينعدم تواجد الصادرات المصرية بها.

جهود زيادة الصادرات

وتعمل الدولة، بحسب دراسة للدكتورة جيهان عبد السلام، أستاذ الاقتصاد المساعد بكلية الدراسات الإفريقية العليا جامعة القاهرة بعنوان «هل تحقق الدولة استراتيجيتها لزيادة عائدات النقد الأجنبي؟»، على اتخاذ كل ما يلزم فى سبيل دعم الصادرات، وخاصة خدمات التعهيد والتكنولوجيا، لتصل معدلات نموها إلى 20% خلال 6 سنوات، مقارنة بنحو 16% كمتوسط للفترة ( 2017 – 2022)، وذلك من خلال التحول إلى اقتصاد إنتاجى قائم على الإنتاج والتصدير لتجنب أية تأثيرات خارجية أو تقليل أثرها، وهو ما يتطلب سرعة تكليف إدارة المناطق الحرة والصناعية المخصصة لشركات القطاع الخاص بصياغة أساليب جديدة لتقديم الخدمات، والاستمرار فى مبادرة رد الأعباء التصديرية.

وينبغى ألا تتوقف جهود الدولة لزيادة الصادرات، عند قرارات تحرير سعر الصرف، بل يتطلب الأمر المزيد من التركيز على جهود زيادة الصادرات، التى تتميز فيها مصر بميزات تنافسية، على رأسها، القطاع الزراعي، وقطاع الطاقة المتجددة، كذلك الصادرات الرقمية وخدمات التعهيد، التى تستهدف الدولة دفعها بنسب نمو كبيرة، وسرعة العمل على زيادة تصدير العقارات من خلال المبادرة المزمع إطلاقها للترويج لتصدير العقار المصرى إلى الخارج، التى يمكن الاستفادة منها فى التطبيق الفعلى على البورصة العقارية المصرية، بما يسهم فى إعادة الاستقرار إلى الميزان التجاري.

وتتطلب إعادة الاستقرار إلى الميزان التجاري، وفقا لـ د. جيهان عبد السلام، العمل على سرعة تكثيف الصادرات المصرية إلى أسواق التكتلات، التى تتمتع مصر بعضويتها، مثل تكتل الكوميسا وتجمع البريكس، خصوصا أن هذه التكتلات الاقتصادية توفر ميزات نسبية للمنتجات المصرية، بما يزيد من قدرتها التنافسية فى أسواق هذه الدول، وأنه فى خضم هذه الجهود يجب ألا تتجاهل الدولة الجهود الرامية إلى زيادة جودة المنتجات المصرية فى مختلف القطاعات.

تأثير سعر الصرف

يترك نظام سعر الصرف تأثيرا فى حجم الصادرات والواردات، كما يرى د. منصور على منصور شطا، مدرس الاقتصاد بمعهد الدلتا العالى للحاسبات، لأن تقلبات سعر الصرف تشير إلى بيئة غير مواتية للتجارة والاقتصاد بصفة عامة، فسعر الصرف له أهمية كبيرة خاصة فى الدول، التى لها علاقات مع الخارج سواء تم ذلك فى صورة استيراد سلع أساسية أو كمالية، وفى مجتمع يخضع لقواعد واتفاقيات دولية، حيث يرى كثير من الاقتصاديين أن انخفاض سعر الصرف يؤدى إلى تحفيز النشاط الاقتصادي، ذلك من خلال ارتفاع أسعار السلع الأجنبية «الواردات» بالنسبة للسلع المحلية.

ويترتب على ارتفاع أسعار السلع المستوردة عزوف المستهلكين المحليين عن شراء السلع الأجنبية، بل يؤدى إلى اتجاه المستوردين إلى التصنيع المحلى للاستفادة بفارق السعر، وهذا يعمل على تشجيع الصناعات المحلية من الاستراتيجية العامة لرفع الصادرات, ومن هنا تصبح سياسة سعر الصرف جزءا من الاستراتيجية العامة لزيادة الصادرات. ومن هذا المنطق، قامت الدولة بالتحول إلى نظام سعر صرف مرن من أجل تعزيز الثقة وجذب تدفقات رأس المال، وتحفيز الصادرات وتوفير الأموال اللازمة، وبالتالى يكون فى وضع يسمح له بتوجيه الاقتصاد للنمو اللازم.

وفى بداية عام 2016، انخفضت قيمة الصادرات بنسبة 15 و16%، حيث وصلت إلى أدنى مستوى لها عند 5.6% من الناتج المحلى الإجمالي، ولهذا لجأت مصر إلى تحرير سعر الصرف لتحسين القدرة التنافسية وزيادة الصادرات وتقليل الواردات، مما أسهم فى زيادة حجم الصادرات من 18.7 مليار دولار (5.6% من الناتج المحلى الإجمالي) عام 2015/ 2016 إلى 26.63 مليار دولار (7.3% من الناتج المحلى الإجمالي) عام 2019/ 2020، فيما تراجعت الواردات من 60.8 مليار دولار عام 2015/ 2016 (17.1% من الناتج المحلى الإجمالي) إلى 59.8 مليار دولار (16.4% من الناتج المحلى الإجمالي) عام 2019/ 2020.

وقد لا ينتج عن تخفيض قيمة العملة المحلية، فى رأى د. شطا، زيادة فى الصادرات والحد من الواردات إذا رافق تخفيض قيمة العملة المحلية زيادة فى أسعار السلع المحلية بمقدار أكبر من أو مساٍو لمعدل التخفيض، وينتج ذلك بسبب استعمال مواد أولية مستوردة بعد عملية التخفيض فى الإنتاج المحلى لأن المنتج المحلى يعتمد فى صناعته على منتج مستورد كمادة أولية أو غيرها وبالتالى تزداد أسعارها، ومن ثم يجب على الحكومة أن تشجع الإنتاج المعتمد على المواد المحلية حتى يترتب الأثر المأمول للتعويم على هيكل التجارة الخارجية.

ونجاح التحرير مرهون بمدى قابلية المنتج المحلى للتصدير، والبيئة التجارية والتنظيمية، التى تعمل فيها الشركات المصدرة، وأيضا السياسة التجارية للدولة وعلاقاتها مع الدول الأخرى وتلبية الذوق العام الدولي، حيث إن تحرير سعر الصرف يؤدى إلى تحفيز النشاط الاقتصادي، لأن ارتفاع أسعار السلع المستوردة يؤدى إلى تحول الإنفاق من السلع المستوردة إلى السلع المحلية، وزيادة حجم الصادرات وتحسين الميزان التجاري.

ويمكن أن يكون لمثل هذا النوع من القرارات، وفقا لـ «د. شطا»، انعكاسات سلبية على الأسواق، ويتوقف ذلك على مدى تنوع صادرات الدولة، وبالتالى فإنه على الدولة زيادة التصنيع خاصة فى المجالات، التى لا تستلزم وجود مكون أجنبى والعمل تدريجيا على الاستغناء عن المكون الأجنبي، مع تخفيض السعر المحلى للمنافسة داخليا وخارجيا مع العودة للصناعات كثيفة العمالة للاستفادة من الزيادة السكانية والحد من البطالة والاستفادة من تحرير سعر صرف عملتها فى مجال التنافسية التصديرية.




503 Service Unavailable

Service Unavailable

The server is temporarily unable to service your request due to maintenance downtime or capacity problems. Please try again later.

Additionally, a 503 Service Unavailable error was encountered while trying to use an ErrorDocument to handle the request.