رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

خطة تصفية قادة حركات المقاومة تفشل في تحقيق الردع

411

صفاء مصطفى

ما مصير حزب الله بعد مقتل زعيمه حسن نصر، وما مصير حماس بعد مقتل زعيمها يحيى السنوار وإلى أين تتجه حركات المقاومة في لبنان والأراضي الفلسطينية بعد تصفية القيادات؟! وهل تستطيع إسرائيل القضاء على حركات المقاومة باستمرار تنفيذ خطة قطع الرءوس بعد ثلاثة عقود من الفشل؟! وما تداعيات هذه المستجدات على حركات المقاومة في منطقة الشرق الأوسط؟!

هذه التساؤلات تصدرت كليات العلوم السياسية بالجامعات العالمية والمراكز البحثية الدولية المعنية بدراسة قضايا الأمن الدولي وصفحات الرأي داخل كبريات الصحف العالمية ويجيب عنها خبراء مختصين في مختلف هذه المجالات.

وأجمعت كل التحليلات على أن خطة إسرائيل لتصفية قادة حركات المقاومة من شبه المستحيل أن تقضي على حركات المقاومة، وهو ما يتأكد مع استمرار الفشل الإسرائيلي في تحقيق الردع مع استمرار المقاومة في إحداث خسائر بالغة في الجيش الإسرائيلي.

وكشفت التحليلات أنه من المتوقع تولي زمام قيادة حركات المقاومة عناصر أكثر تشددًا قادرة على تنفيذ سياسات أكثر عنفًا ضد دولة الكيان خلال المرحلة المقبلة وفقا للمعطيات في ساحة الصراع، السطور التالية تسلط الضوء على كل التفاصيل.

أكدت رؤية تحليلية نشرتها مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية أعدها عدد من أستاذة العلوم السياسية وكبار محللي الشئون الجيوسياسية والعسكرية منهم “دانييل سي كورتزر”، أستاذ الدبلوماسية وحل النزاعات في كلية الشئون العامة والدولية بجامعة “برينستون”، والسفير الأمريكي السابق لدى مصر وإسرائيل، و”آرون ديفيد ميلر”، زميل بارز في مؤسسة “كارنيجي للسلام الدولي”، أن وفاة السنوار تمنح نتنياهو دفعة سياسية قصيرة الأمد، بينما في المقابل تمثل أكبر محفز لاستمرار حركة حماس وتزايد قوتها، وذلك مرجعه أن حماس لا تزال على قيد الحياة وتقاتل وتطلق الصواريخ التي تصل العمق الإسرائيلي وتحدث خسائر كبيرة في قوات وعتاد الجيش الإسرائيلي.

وبحسب هذه التحليلات، إسرائيل ليست قريبة من إعلان نصر حاسم من شأنه أن يعيد الرهائن إلى ديارهم ويوفر الأمن للسكان الإسرائيليين في غلاف غزة للعودة إلى ديارهم بأمان، لقد اتخذ القتال في غزة طابع التمرد المطول أو التمرد المضاد الذي سيستمر في تقليص قدرات حماس، لكن على حساب أرواح الإسرائيليين والفلسطينيين.

ووفقا لهذه الرؤية، مما لا شك فيه أن السنوار يمثل أكثر وجهات النظر تطرفا داخل الحركة، وإذا كان هناك تغيير في الاتجاه، فلن يكون تكتيكيًا إلا في محاولة لإعادة التجمع وإعادة البناء، لافتة إلى أن حماس قد تُضعف كقوة عسكرية منظمة، لكنها ستظل اللاعب الأكثر قوة في المشهد السياسي في غزة، والقادر على التأثير على الأحداث هناك من خلال الاستقطاب والترهيب.

وفي ذات السياق أكدت تحليلات أساتذة العلوم السياسية وكبار محللي الشئون السياسية أنه على خطط الاغتيالات الإسرائيلية، فشلت في القضاء على حماس منذ نشأتها، لقد تراجعت شعبيتها في غزة، لكنها على مدى السنوات الأربعين الماضية، غرست جذورًا دينية واجتماعية واقتصادية عميقة هناك، لافتة إلى أن غياب خطة للحكم والأمن بعد الصراع يضمن نفوذ حماس.

وكشف تقرير أعده “المجلس الأطلسي” وهو مؤسسة بحثية أمريكية في مجال الشئون الدولية، الأمن الدولي، استطلع تحليلات خبراء ومختصين، لرصد تداعيات تنفيذ خطة الاغتيالات الإسرائيلية.

بداية أوضح التقرير أن مقتل “نصر الله” في غارة جوية إسرائيلية على مقره يوجه ضربة قوية لمعنويات حزب الله، خاصة في وقت تشن فيه إسرائيل، التي ألحقت الضرر بالبنية التحتية العسكرية للمجموعة وأسفرت عن مقتل بعض كبار قادتها، هجومًا قويًا ضد المنظمة المدعومة من إيران، إلا أنه من الناحية الفنية، كما حدث في أعقاب اغتيال سلف نصر الله عباس الموسوي في عام 1992، حزب الله قادر على الاستمرار واستعادة قوته وتنظيم صفوفه.

وشدد التقرير على أنه وعلى الرغم من هذه الخسائر إلا أن حزب الله مؤسسة قوية تتمتع بسلسلة قيادية قوية من شأنها أن تضمن الاستمرارية على مستوى القيادة، لافتا إلى أنه وإذا قُتِل قادة آخرون مهمون، فقد يؤدي ذلك إلى تعقيد ــ وربما تأخير ــ عملية إعادة إرساء القيادة والسيطرة على المنظمة بأكملها، الأمر الذي قد يجعل الحزب عُرضة للخطوات التالية التي قد تتخذها إسرائيل.

وفقا للتقرير طرح “نيكولاس بلانفورد” زميل أول غير مقيم في برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي أطروحة مفادها، أن أي قرار يتخذه خامنئي سوف يكون له تأثير عميق على تداعيات الأحداث وتطورات الصراع، لافتًا إلى أنه في أي سيناريو، سوف تسعى طهران إلى إعادة استقرار حزب الله وإعادة بناء قوته، رغم شدة تعقيد هذا بدون  نصر الله.

نسخة جديدة

وأشار “نيكولاس بلانفورد”  إلى أن وفاة نصر الله تدفع الديناميكية اللبنانية نشأة وأصول حزب الله تشير إلى ما قد يحدث بعد ذلك، فقد نشأت أسلافه وسط الاضطرابات والصدمة التي أحدثها غزو إسرائيل للبنان في عام 1982، وكما هي الحال مع العديد من الجماعات والجهات الفاعلة التي دمرت المنطقة، فإن شريان الحياة السياسي للحزب هو الصراع مع إسرائيل، وما دام هذا الصراع مستمرًا ــ خاصة مع الخسائر الفادحة التي تكبدتها النساء والأطفال نتيجة القصف الذي تشنه قوات الدفاع الإسرائيلية ــ فهناك مساحة لنسخة من حزب الله للمضي قدمًا.

وأضاف أنه وبطبيعة الحال، ومع مقتل العديد من كبار قادته، فإن المنظمة سوف تعيد تشكيل نفسها وإصلاح نفسها بصورة أكثر قوة وأقل عقلانية، لافتا إلى أنه على الرغم من كل عيوبه، كان نصر الله ممثلاً عقلانياً منخرطاً بعمق في لعبة الجغرافيا السياسية، وعلى الرغم من الخطاب الناري حول الانتقام للهجوم على المدنيين في غزة، إلا أنه لم يشن هجومًا كبيرًا ضد إسرائيل أو حتى استخدام الصواريخ الأكثر تطوراً في ترسانة حزب الله التي تضم 130 ألف جندي.

الجماعات المسلحة

وفقا للتحليلات التي استعرضها تقرير المجلس الأطلسي حذرت “علياء الإبراهيمي” زميلة أولى غير مقيمة في برامج الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي من استمرار خطة إسرائيل في اغتيال القيادات، مؤكدة ضرورة إنهاء الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين كخطوة مبدئية لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

وفي سياق متصل حذرت من تداعيات عملية اغتيال حسن نصر الله والتي وصفتها بأنها تشكل ضربة لحزب الله وإيران، لافتا إلى أن أخطر هذه التداعيات هو أنه على مر التاريخ، كثيراً ما جاءت الجماعات المسلحة المتشددة بقادة جدد محل القادة السابقين خاصة في حالات الاغتيالات بآخرين أكثر تطرفاً من سابقيهم، خاصة عندما يتضخم الغضب والعوامل التي تسمح بتجنيد المقاتلين بسبب الموت والظلم.

وأكد ضرورة العمل على إنهاء الممارسات العدائية الإسرائيلية في الشرق الأوسط، قائلة “إن إسرائيل وحلفاءها لابد وأن يدركوا أن الظلم المستمر الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني والافتقار إلى دولة فلسطينية تسمح للفلسطينيين بالعيش بكرامة يشكلان السبب الرئيسي لعدم الاستقرار في المنطقة منذ عقود من الزمان، ولابد أن يتغير هذا الوضع حتى يتسنى لنا أن ننعم بأي قدر من الاستقرار.

وأضافت أن الحرب على غزة لابد وأن تنتهي، والحرب على لبنان لابد وأن تنتهي، وعلى الرغم من كل ما تقوله إسرائيل، فإن هذه ليست حروباً على حماس وحزب الله، بل هي حروب على كل جوانب الحياة، وهي حروب من شأنها أن تضمن ظهور حماس وحزب الله من جديد”.

دور الحوثيين

وقدمت “أروى دامون” زميلة في مركز رفيق الحريري وبرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي؛ ورئيسة ومؤسسة الشبكة الدولية للمساعدات والإغاثة والمساعدة (INARA)؛ ومراسلة سابقة لشبكة CNN، رؤية مفادها أن وفاة نصر الله لن تؤدي إلى تدهور عمليات الحوثيين، على الرغم من العلاقة الوثيقة التي يتمتع بها حزب الله والحوثيون، وأنه على النقيض من ذلك، من المرجح أن يستمر الحوثيون في شن هجمات كبرى على إسرائيل والشحن في البحر الأحمر، بدعوى أنهم ينتقمون لمقتل نصر الله.

وأوضحت أن استمرار العمليات واسعة النطاق، فضلاً عن تراجع نفوذ حزب الله بعد وفاة زعيمه الأقدم، من شأنه أيضًا أن يضع الحوثيون وزعيمهم عبد الملك الحوثي في موقف يسمح لهم بدور أكثر بروزًا داخل شبكة إيران من الوكلاء والحلفاء.

ولفتت إلى أن ذلك قد يتحقق مع بدء الحوثيين في العمل وإعلان مسئوليتهم عن الهجمات خارج الحدود اليمنية وتولي دور أكثر مركزية في استراتيجية فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي، وأنه بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تعطي إيران الأولوية للجهود الرامية إلى تسليح الحوثيين بالتقنيات التي يمكن أن تزيد من تأثير عمليات الحوثيين، بما في ذلك الأسلحة المتقدمة مثل الصواريخ التي تم الحصول عليها من دول أخرى مثل روسيا.

كشف تقرير مجلس الأطلسي أنه مع تفاقم الخلاف الطائفي بسبب تورط جهات إقليمية مثل ميليشيات وحدات الحشد الشعبي العراقية، التي تم تسجيلها وهي تنتظر فتوى الجهاد من آية الله العظمى علي السيستاني للانخراط في الصراع، في حين أشارت تقارير أخرى إلى أن أكثر من أربعين ألف مقاتل بالوكالة من إيران موجودون على الحدود السورية اللبنانية وعلى استعداد للهجوم.

وفي الوقت نفسه، لافتا إلى أن هذه التطورات تنذر بقدوم صراعات طائفية مسلحة تتجاوز لبنان لتمتد إلى سوريا والعراق.

نصر الله

وفقا لتحليلات أوردتها مجلة “ذا نيو يوركر” الأمريكية، اغتيال نصر الله بمثابة زلزال سياسي لحزب الله، الحركة الشيعية التي بناها نصر الله منذ اثنين وثلاثين عامًا وتحولت إلى حزب سياسي قوي، وشبكة من الخدمات الاجتماعية، والميليشيا غير الحكومية الأكثر تسليحًا في العالم اليوم، ويمكن أن يكون لها تأثير ممتد عبر الشرق الأوسط المتقلب، مع عواقب على الولايات المتحدة أيضًا، ولذا تحركت إدارة بايدن، التي أرسلت بالفعل المزيد من القوات ردًا على العنف المتزايد بين إسرائيل وحزب الله، بسرعة لتقييم سلامة العسكريين والدبلوماسيين الأمريكيين في المنطقة.

ووفقا لما أوردته المجلة الأمريكية في تحليلاتها مقتل نصر الله سوف يضعف الحركة لكنه لن يقضي عليها، لافتة إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية قدرت في وقت سابق من هذا العام أن حزب الله لديه ما يصل إلى خمسين ألف مقاتل مسلح، بدوام كامل أو جزئي، وكثيرون منهم لديهم خبرة في ساحة المعركة نتيجة لمشاركتهم في القتال خلال الحرب الأهلية في سوريا.

وأضافت أن حزب الله لا يزال لديه ترسانة هائلة من الصواريخ والقذائف، كما أنه يعد “منظمة عسكرية أكثر قدرة بشكل كبير” مما كانت عليه عندما قتلت إسرائيل سلف نصر الله، عباس الموسوي، في عام 1992، ولذا من الممكن أن تواصل ميليشيا حزب الله عمليات القتال للرد على إسرائيل.

وحذرت المجلة من استمرار الحرب بين إسرائيل وحزب الله على منطقة الشرق الأوسط وعلى المصالح الأمريكية في المنطقة، قائلة: “كما لو أن هذه الحرب ليس لها حدود ولا سقف ولا خطوط حمراء”.

وقدمت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية رؤية تحليلية طرحها “دانييل بايمان” زميل بارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية وأستاذ في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون، تتفق مع تحليلات مجلة “ذا نيو يوركر” في أن اغتيال قيادات حزب الله تضعف الحركة لكنها لا تستطيع القضاء عليها، مشددة على أنها لا تزال قادرة على إلحاق أضرار جسيمة.

وأوضح “دانييل بايمان” أن اغتيال إسرائيل لزعيم حزب الله حسن نصر الله، وقائد حركة حماس يحيى السنوار وغيرهم من كبار القادة في الأسابيع الأخيرة هو جزء من تحول دراماتيكي في نهج البلاد تجاه حركات المقاومة، حيث أفسحت استراتيجيتها الطويلة الأمد في محاولة ردع حزب الله وحركة حماس المجال لشيء آخر: حملات قصف لا هوادة فيها تهدف إلى إضعاف حركات المقاومة وإجبارها على طلب السلام بشروط إسرائيل، مشيرا إلى أنه بذلك، ربما تأمل إسرائيل أن يوافق حزب الله على إبعاد مقاتليه عن منطقة الحدود الإسرائيلية ثم قبول وقف إطلاق نار أوسع نطاقاً، مما يمكن إسرائيل من إعادة 60 ألف مواطن نازح إلى ديارهم في شمال البلاد، وبالمثل إرغام حماس على الرضوخ للواقع الذي تفرضه إسرائيل.

وأضاف أن ذلك يعد تحولا محفوفا بالمخاطر، مؤكدا أنه من الصعب إقناع الجماعات المسلحة بالخضوع، وحتى الجماعات الأضعف قد تظل قادرة على شن هجوم عنيف، وذلك ما تعلمته إسرائيل نفسها من التجربة، وخاصة التجارب الماضية مع حزب الله، الذي أظهر قوته وحزمه، سواء في محاربة إسرائيل بشكل مباشر أو في استخدام الإرهاب الدولي للرد خارج المسرح ــ وكلا الأمرين تم بدعم إيراني.

وأكد أنه من النادر أن تُهزم مثل هذه الجماعات بمجرد إزالة زعيم رئيسي، حتى لو كان هائلاً مثل السنوار ونصر الله، وأنه على مدى ثلاثة عقود، قتلت إسرائيل قادة مجموعة واسعة من الجماعات الفلسطينية، بما في ذلك حماس، والجهاد الإسلامي الفلسطيني، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والعديد من الجماعات الأخرى، وفي الغالب استمرت هذه الجماعات في القتال.

وأوضح أن مثل هذه الجماعات تتمتع بمؤسسات جيدة غالبًا ما يكون لديها مقاعد عميقة وخطط خلافة واضحة، مما يجعل تدميرها من خلال قطع رأس القيادة أكثر أمرًا غاية في الصعوبة، لافتا إلى أنه  على الرغم من أن الإسرائيليين قتلوا شخصيات بارزة في حماس مرارًا وتكرارًا، إلا أن المنظمة أعادت تجميع صفوفها تحت زعامات جديدة واستمرت في القتال.

حرب الاغتيالات

وكشفت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية عبر عدد من الرؤى التحليلية أن سلاح حزب الله الأكثر خطورة على إسرائيل هو الفرقة “121” المخصصة للاغتيالات، لافتة إلى أنه من المتوقع أن يخوض حزب الله حرب اغتيالات ضد إسرائيل بتنفيذ سلسلة من الاغتيالات ضد شخصيات إسرائيلية مهمة وذلك خارج مسرح الأحداث في مواقع مختلفة من دول العالم.

وفي سياق متصل كشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، أن مسئولين أمنيين رصدوا تفاصيل جديدة حول فرقة حزب الله للاغتيالات 121 تؤكد أنها لا تزال نشطة وقادرة على تنفيذ سلسلة من الاغتيالات.