تتوالى التنبؤات على غير العادة مع أنه مازال هناك أكثر من شهر على نهاية العام حيث صدرت عدة تقارير ودراسات فى الفترة الأخيرة تتوقع سقوط الولايات المتحدة الأمريكية، وتكشف عن احتمالية تعرض بريطانيا العظمى سابقًا إلى مجاعة وهذا مالا نتمناه للشعب البريطانى، وثالثًا أن ماكرون رئيس فرنسا يتمنى زعامة الاتحاد الأوربى خلال المرحلة القادمة، ويخطو حاليًا بخطى سريعة نحو التحالف مع التنين الصينى، وهى تعد سابقة فريدة من نوعها، أن تتخلى أكبر دولة فى أوروبا عن حليفتها الأولى الولايات المتحدة أو بمعنى أخر أن تسعى تدريجيًا للابتعاد عنها، وهذا ما أثار قلق ترامب وحاول التقارب والتودد إلى ماكرون.
والظاهر لكل ذى عينين قفزات الصين المتسارعة اتجاه فرض هيمنتها الاقتصادية على العالم، وقد بدأت بإحكام قبضتها الاستثمارية على العديد من الدول الإفريقية وعلى بعض الدول الآسيوية وذلك فى ظل التراجع النسبى للولايات المتحدة فى كثير من الملفات على مستوى أنحاء العالم، وتجلى ذلك الأمر بعد حربها على العراق وأفغانستان، والتى أنهكت اقتصادها وأثارت انتقادات حادة من داخل أمريكا أكثر من خارجها، ولذا تقود روسيا الحرب فى سوريا بالوكالة عن أمريكا،بشرط أن يستحوذ بوتن على نصيب كبير من الكعكة السورية وتقوم الصين بدور المراقب فقط للصراعات المشتعلة فى المنطقة العربية ومن قبل بدأت تتسرب إلى دول إفريقية وتقيم قواعد عسكرية وتنشأ مشروعاتها الاقتصادية على أراضيها بحجة تنمية تلك الدول الإفريقية كى يحصد مواطنوها ثمار التنمية بدلاً من معاناته من الجهل والفقر، وبذلك رحبت حكوماتها وفتحت أبوابها لها على مصراعيها ويتزامن مع انصراف الاتحاد الأوروبى نحو مشاكلها الداخلية فى معالجة أوضاعها الاقتصادية وفى تهدءات الخلافات الحادة داخل أروقتها الحسبية.
وينتهز الرئيس الصينى جين بنج الفرصة التاريخية ويصرح أنه مستعد لملء الفراغ فى القيادة العالمية الناتج عن تحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى الداخل وذلك فى يناير العام الماضي، ويلتقط ماكرون الخيط كى يحقق أحلامه فى وقتٍ يتنافس فيه مع ميركل على لقب قائد «العالم الحر»، وهو لقب يطلق على الأكثر نفوذًا فى الاتحاد الأوروبي، ويرى المراقبون أن ماكرون هو الأجدر بهذا اللقب لما يمثله من مستقبل للاتحاد الأوروبي، وفى نفس الوقت تعتبره الصين الممثل الفعلى للغرب، ويأمل ماكرون من التحالف الصينى الفرنسى إلى عودة الإمبراطورية الفرنسية القديمة، وقد وعد فى زيارته الأخيرة للصين بتكرارها كل عام، وقام بتوقيع عدة اتفاقيات وصفقات بمليارات الدولارات، وانضمت فرنسا أيضًا إلى المبادرة الصينية «الحزام والطريق»، وتعنى الشراكة الاقتصادية من خلال طريقين رئيسيين حزام طريق الحرير الاقتصادى البرى وطريق الحرير البحري، ووقعت عليها 68 دولة آسيوية وأوربية، وفى نفس الوقت ترفض الصين التدخل الأمريكى فى آسيا.
والنبوءة الثانية قد تصيب أى شخص بعدم التوازن حين يعلم أن دولة عظمى تعد من الدول الخمس الكبار بمجلس الأمن مهددة بالمجاعة بحلول العام القادم 2019، وهى بريطانيا أحد الحلفاء البارزين للولايات المتحدة، وجاء خروجها من الاتحاد الأوروبى بمثابة كارثة تكاد تعرضها إلى أزمة غذائية حادة، ويردد تلك التحذيرات عددٌ من المفكرين والخبراء من داخل بريطانيا، فقد ذكرت الكاتبة «ليزا أوكارول»
بتقريرها الصحفى أن الغذاء سينفد من بريطانيا خلال العام القادم، وذلك فى حالة إذا لم تتمكن من استيراد احتياجاتها الغذائية من الاتحاد الأوروبي، ونقل تحذيرها من رئيس الاتحاد الوطنى للمزارعين الذى أشار فيه إلى أن قطاع الزراعة أحد أكثر القطاعات تأثرًا من خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وترجع أزمة نقص الغذاء فى بريطانيا إلى التدهور الكبير فى قطاع الزراعة، فإن حجم القطاع الزراعى وصل إلى 60% من حجم الاكتفاء الغذائي، وتتمثل معاناة بريطانيا فى الانخفاض المستمر فى محاصيل الفاكهة والخضراوات، ويأمل المراقبون من إمكانية تخطى الأزمة فى حالة نجاح مباحثات البركست والخاصة بالاتفاق التجارى بين دول الاتحاد الأوروبي، وبعد كل ما سبق نستبعد تمامًا حدوث أزمة غذائية فى بريطانيا سواء العام القادم أو ما بعده، فالعالم الغربى لن يتخلى عن أحد أعضائه وخاصة كدولة فى حجم بريطانيا.
وأخيرًا النبوءة الثالثة التى تتردد من حين إلى آخر عن سقوط عرش الولايات المتحدة الأمريكية، وفقد هيمنتها الاقتصادية والعسكرية تدريجيًا على عدة مناطق فى العالم، وتتأكد هذه النبوءة بعد الإجراءات والردود العنيفة الصادرة من الصين وإيران عقب سلسلة القرارات التى أقرها ترامب ضدهما، ولن تفلت منها أيضًا دول الاتحاد الأوروبى كرفع الجمارك على الواردات الأمريكية، وانسحاب ترامب من اتفاقية المناخ، وأضف إلى أسباب نبوءة اقتراب سقوط أمريكا زيادة نسبة الكراهية والغضب فى نفوس الشعوب التى شملها قرار الحذر للهجرة إلى أمريكا وطرد بعض مهاجريها وخاصةً من الشعب المكسيكى، وقد تبدو قرارات ترامب تصب فى صالح الاقتصاد الأمريكي، مثل توفير فرص عمل للأمريكيين وعدم ارتفاع نسبة أعداد المسلمين من خلال قرار حذر الهجرة، وقانون الحماية الجمركية يهدف به ترامب إلى زيادة ترويج الصناعة الأمريكية، والتى فى حقيقة الأمر لا تقوى حاليًا على منافسة المنتجات الصناعية لدول آسيوية وأوروبية، ومن جانب آخر يمارس ترامب ضغوطا على حلفائه مثل أوروبا واليابان لزيادة حصتها فى ميزانية الدفاع المشترك، وعادت هذه الإجراءات بالضرر على مصالح الشركات الأمريكية الكبرى التى تعتمد على تسويق منتجاتها فى الخارج، ويعد المستفيد الوحيد من هذه القرارات الشركات الأمريكية التى تستهدف السوق المحلى فقط.
ولذا يتوقع كثير من المحللين فشل فوز ترامب فى دورة رئاسية جديدة، بل ذهبوا إلى أكثر من ذلك فى أنه لن يستمر فى دورته الحالية، وفى المقابل تواجه أمريكا كذلك صعود محورين اقتصاديين غايةً فى الخطورة على اقتصادها وبالتالى على هيمنتها الدولية، وهما محور شنغهاى المتمثل فى روسيا والصين ومحور البريكس، والأخير استطاع فى جذب عدة أعضاء دولية، وأخيرًا تكشف هذه التنبؤات جانبًا كبيرًا من حقيقة التغيرات السريعة التى سنشهد نتائجها قريبًا، وتؤكد على أن الصراع وصل إلى حد تكسير العظام.