https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

«قصر الباشا».. عودة أفلام السراديب والدهاليز!

36

كنت أظن أن السينما المصرية قد تجاوزت مرحلة أفلام الخمسينيات، حيث يمكنك أن تضغط بيديك على الحائط فيدور وينفتح، وتظهر دهاليز وسراديب وممرات غامضة، ولكن فيلم “قصر الباشا”، الذي كتبه محمد ناير وأخرجه محمد بكير، ذكّرني تلك السنوات البعيدة، بحيث يمكن القول إنه الفيلم الذي أعاد عصر السراديب وألغاز المغامرين الخمسة !

ورغم وجود عناصر مميزة فى الفيلم مثل تصوير أحمد زيتون ومونتاج رامز عاطف، إلا أن مشكلات السيناريو مزعجة للغاية، وهذه النوعية من الأفلام التى تندرج تحت لافتة ” ابحث عن القاتل واتصل بهذا الرقم”، تعتمد بشكل كامل على السيناريو المحكم، يضاف الى ذلك أن محمد بكير مخرج الفيلم لجأ إلى الاستعراض البصري، الذى لم يستطع أن ينقذ الفيلم على الإطلاق.

يبدأ فيلمنا بداية عجيبة، حيث نشاهد شابا ( أمير صلاح الدين) يهرب من مطارديه، فيخرج له شاب آخر ( أحمد حاتم) مذكرا إياه بأنه ارتكب جريمة قتل، ويحاول الشاب الهارب قتل من يهدده، ولكننا نكتشف أن المسدس فارغ، وأن صاحب التهديد احتفظ بالرصاص فى جيبه، ونكتشف أخيرا أننا نشاهد مشهدا من رواية كتبها مؤلف الروايات البوليسية ( أحمد حاتم)، والذى يقيم فى قصر حوّله صاحبه (حسين فهمي) إلى فندق، وبعد حوار بين المؤلف وصاحب القصر عن أولاد الرجل الذين يريدون بيع القصر، ننتقل فورا فى المشهد التالى إلى موت صاحب القصر، وحضور الأولاد لاقتسام الميراث.

تظهر منذ البداية مشكلات الكتابة، وأولها فى رأيى الطريقة الساذجة التى رسمت بها شخصية المؤلف، والذى يبدو أقرب الى المريض الذى تطارده أشباح رواياته، يستمع الى الموسيقى الكلاسيك، ولا يثق فى أحد، ولا يمتلك جهاز محمول، وما زال يكتب على الآلة الكاتبة، بل وتظهر له شخصية صاحب القصر بعد وفاته، حيث يتبادل مع بعض الحوارات!

ستكون هذه السطحية، وتلك الكليشيهات الساذجة هى عنوان رسم كل الشخصيات تقريبا، وهنا تظهر مشكلة الفيلم الثانية، حيث بدا السيناريو مثل لعبة رياضية مجردة تدور حول استغلال أحد أبناء صاحب القصر للسراديب السرية، لقتل عبده ( أحمد فهيم)، مدير الفندق الذى أشركه صاحب القصر فى الوصية، وبينما تتكدس معلومات غرائبية فيما بعد حول هذا الرجل وماضيه وأولاده، تظل شخصيات أولاد صاحب القصر، الذين لعب أدوارهم : الممثلة السعودية سمية رضا، ومحمد القسّ، ونبيل عيسى، وكذلك شخصية زوج الابنة التى لعبها صدقى صخر، تظل هذه الشخصيات نمطية تماما، وكلها يفترض أن تثير الشكوك، لطمعها فى عائد بيع القصر، وهناك خط باهت للغاية لعلاقة قديمة بين ابنة صاحب القصر والمؤلف الذى يقيم فى سويت محجوز باسمه فى القصر.

لا مشكلة فى أن تصنع شبكة العلاقات والمفاجآت، ولكن ضعف بناء الشخصيات ونمطيتها جعل الشخصيات مثل قطع الشطرنج التى أهداها صاحب القصر إلى صديقه المؤلف، وقد اضحكنى المؤلف كثيرا وهو يسرح فى محاولة لحل لغز جرائم القصر، متفوقا على الضابط (حمزة العيلي) ، ومتحدثا أحيانا مع شبح صاحب القصر، ومستعينا فى النهاية بعاملة تنظيف حجرات القصر (مايان السيد)، فى اكتشاف السراديب، والعاملة لحسن الحظ قارئة مغرمة بروايات المؤلف البوليسية، وهى أيضا تمارس الكتابة أحيانا، وتحب المؤلف حبا دفينا وعميقا.

يأخذ الفيلم بالتدريج إلى شكل مغامرات الجيب لليافعين، ويفتقد، وتلك مشكلته الثالثة، أى مظهر من مظاهر التوتر، يكفى أنه كلما أردنا أن ندخل هذا العالم، الذى يفترض أنه غامض ومشدود الإيقاع، ظهر المؤلف وهو يحرك يديه فى الهواء، وكأنه يقوم بتحضير ألأرواح، ثم نرى قطعات متتالية على ضربات أصابعه على الآلة الكاتبة، ثم يخرج باستنتاج ساذج للغاية، بعد أن أوهمنا أنه “جاب التايهة”، ونجخ فى حل لغز جرائم قصر الباشا.

يسير أداء الممثلين على وتيرة واحدة بسبب أدوارهم النمطية، وتبدو المفاجات مفتعلة، وتظهر للسيد عبده العجيب ابنة تلعب دورها نانسى صلاح، ويظهر له أيضا ابن كان يعمل فى القصر، وتضاف الى تلك الشخصية التى قُتلت تفاصيل لا تصدق لحل عقدة الفيلم، حتى ظننت أننا أمام “قصر عبده” وليس “قصر الباشا”.

ولأن التشويق يبدأ من الكتابة، فإن الجهد الكبير فى تصوير الشخصيات وسط الظلام، وفى هيئة سلويت، وهذا الجهد الكبير فى توليف مشاهد كثيرة بقطعات متتالية قصيرة، كل ذلك لم يحقق توترا يذكر، وخصوصا أن الموسيقى التصويرية الصاخبة ، على طريقة أفلام الخمسينيات  أيضا، كانت مزعجة للغاية.

من الجميل أننا رأينا أسوان ونيلها ومعابدها وقصورها، ومن الجميل أن المخرج محمد بكير، الذى أحببت له كثيرا مسلسل “المواطن إكس”، يمتلك عينا قادرة على اختيار الأماكن، وعمل تكوينات متميزة، ولكن ذلك وحده لا يصنع عملا جيدا، خاصة إذا كانت الحبكة كلها قائمة على ماضى السيد عبده، وإذا كانت التفاصيل على هذا النحو من السذاجة .

لا تكفى أيضا نوايا محمد ناير وحدها لصنع دراما بوليسية جيدة، هو يكتب أعمالا كوميدية معقولة، ولكن كل نوع له متطلبات وأدوات، وما شاهدته فى هذا الفيلم يقول إنه توقف تقريبا عند مرحلة روايات الناشئة، وربما حاول أيضا استلهام حبكات أجاثا كريستي، وطريقتها فى لعبة التوافيق والتباديل، ولكن الفارق شاسع فى بنائها للشخصيات، وبين ما شاهدناه من شخصيات “قصر الباشا” الورقية.

ربما كانت هناك بذرة طرافة فى أن يعيش كاتب روايات بوليسية جريمة كاملة، ويتخيل حلها، ولكن طريقة المؤلف فى الحل، وهذا المظهر المضحك فى التخيل والاستنتاج، لم يفسد الفيلم فحسب، ولكنه جعلنا نتخيل مستوى حبكات روايات هذا المؤلف بطل الفيلم، والتى يقال فى الفيلم أنها  روايات تحقق أعلى المبيعات، وأكبر الجوائز، ولو كانت رواياته بمثل مشهد البداية الظريف، حيث المطاردة، والظهور والاختفاء على طريقة “عليك واحد”، لكانت حقا روايات ساذجة، يمكن تأليفها على المقهى، وليس فى سويت فاخر فى “قصر الباشا”، ووسط التحف والسراديب، بحثا عن سر جرائم، يتم ارتكابها باستخدام خنجر محمد على باشا شخصيا !