رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

الحكومة تنقذ الحديد وتضحى بالأسمنت!

3308

خلال مسيرة 60 عامًا شهدت صروح صناعة الحديد والصلب والأسمنت بحلوان تطورات عديدة إيجابًا وسلبًا، فالقلاع الصناعية التى تأسست فى حلوان منتصف الخمسينات تعرضت للتقادم وأصابتها الشيخوخة، بل وضربها الفساد أحيانًا.. ولم يكن مقبولاً أن تسكت الحكومة على سقوط مجمع الحديد والصلب أو الشركة القومية للأسمنت، فتدخلت من واقع المسئولية الملقاة على عاتق وزارة قطاع الأعمال العام المتمثل فى إدارة ملف الأصول والشركات المملوكة للدولة، سارعت إلى وضع خطة لإنقاذ مجمع الحديد والصلب، وكلفت لجنة من كلية الهندسة جامعة القاهرة بدراسة حالة الشركة القومية للأسمنت لاتخاذ قرار الإبقاء على الشركة أو غلقها.
فإلى حلوان لنعرف التفاصيل..
بدأت صناعة الحديد والصلب فى مصر فى الأربعينيات بشركات خاصة بهدف استغلال الخردة من مخلفات الحرب العالمية الثانية بصهرها فى أفران ثم صبها يدويًا فى قوالب ودرفلتها إلى حديد تسليح.
ثم تأسست شركة الحديد والصلب شركة مساهمة مصرية بقرار من الرئيس جمال عبدالناصر عام 1954، وفى 23 يوليو 1955 تم وضع حجر الأساس للمشروع على مساحة تزيد على 2500 فدان بحلوان، شاملة المصانع والمدينة السكنية التابعة لها، بعد توقيع العقد مع شركة ديماج ديسبرج الألمانية لإنشاء المصانع وتقديم الخبرات الفنية اللازمة.
وقد شهدت الشركة مراحل تطوير أهمها إنشاء مجمع الصلب الذى بدأ إنتاجه عام 1972 باستخدام نفس تكنولوجيا الأفران العالية بمعدات روسية وبلغت الطاقة الإنتاجية مليون طن سنويًا، وواصلت الشركة نشاطها ونموها حتى بدأت بالتدهور تدريجيًا بداية من عام 2005 حتى بلغت خسائرها المرحلة نحو 5 مليارات جنيه، منها 750 مليونًا خسائر العام 2017.
وترجع الأسباب المباشرة للخسارة إلى تقادم المصانع وتوقف أكثر من فرن عن العمل، مما خفض الإنتاج لأكثر من 70% تزامنًا مع ضعف القدرة التصديرية وزيادة العمالة التى تخطت وقتها 12 ألف عامل، إضافة إلى وجود مشكلات فى خام المناجم، وتوقف ضخ الاستثمارات وتوقفت عمليات التطوير.
ورغم ذلك بلغت المبيعات المحلية 167.4 ألف طن بقيمة 1.1 مليار جنيه عام 2016 – 2017، وبلغت إيرادات النشاط 1.6 مليار جنيه.
وبلغت الخسائر 750 مليون جنيه، وبلغت الأجور 752 مليون جنيه لـ 8666 عاملا.

وكانت الحكومة قد طرحت مناقصة عالمية للتطوير تم فتح مظاريفها الفنية والمالية عامى 2016 و2017، وتبلغ تكلفة تطوير المصنع القديم وبناء مصنع جديد لإنتاج 750 ألف طن حديد تسليح سنويًا تتراوح من 250 إلى 300 مليون دولار.
وزارة قطاع الأعمال ألغت المناقصة، وأرجعت سبب الإلغاء إلى أن حالة المصنع اختلفت عن الدراسة التى أجريت عام 2014، والتى على أساسها كانت المناقصة.
فالإصلاحات الموجودة حاليًا، بزيادة الطاقة الإنتاجية للأفران، وبيع الخردة المتراكمة بالشركة لتمويل رأس مال، وضبط الشركة وتشغيلها بطاقة 420 ألف طن فى فرنى 3 و4 والتى تستوعب ضعف هذا الرقم فى حالة الطاقة القصوى للتشغيل.
وسيتم بحث حالة المصنع فى نهاية العام، وسيتم تجديد الدراسة مرة أخرى، ولن يتم اتخاذ قرار قبل نهاية العام.
وقد بدأت الشركة فى تعظيم الاستفادة من أصولها غير المستغلة وفى مقدمتها الأراضى والعنابر والخطوط المتوقفة وأطنان الخردة التى تزيد على 300 ألف طن بخلاف خردة الزهر وتقدر قيمتها بحوالى 3 مليارات جنيه، سيتم الاستفادة منها فى سداد مستحقات الكهرباء والغاز ومستحقات شركة الكوك، وبالفعل وصلت الموانئ شحنة فحم حجمها 33 ألف طن تكفى للتشغيل المستقر مدة 3 أشهر وتم الاتفاق مع شركة الكوك على شحنة تالية.

ويبلغ عدد مصانع إنتاج حديد التسليح حوالى 27 مصنعًا تنتج كافة أنواع ومقاسات حديد التسليح بطاقة إنتاجية تبلغ 8 ملايين طن سنويًا، تغطى الاستهلاك المحلى وهو ما يؤكد أن عمليات استيراد الحديد غير مبررة.
وتعمل مصانع الحديد حاليًا بحوالى 80% من طاقتها الإنتاجية، وتبلغ تكاليف إنشاء مصنع دورة متكاملة حاليًا تصل إلى 12 مليار جنيه بما يعادل 700 مليون دولار.

عودة الحياة لمجمع الحديد والصلب

ويصل حجم استثمارات مصانع الحديد والصلب ما بين 70 إلى 100 مليار جنيه.
ويشهد قطاع الصلب نموًا ملحوظًا يتناسب مع التطورات الاقتصادية وخطط التنمية وزيادة حركة التعمير والبنية الأساسية التى تعتمد على حديد التسليح، لذلك دعمت الدولة ممثلة فى وزارة قطاع الأعمال إنقاذ مجمع الحديد والصلب بحلوان وتطويره ليعود قلعة من قلاع الصناعة المصرية.

من الغريب أن تخسر شركة تنتج الأسمنت خاصة أن هناك فارقًا كبيرًا بين تكلفة إنتاج الطن وسعر بيعه فى السوق، ما يجعل شركات الأسمنت من الشركات الرابحة دائمًا، ولكن ما حدث فى الشركة القومية للأسمنت التابعة للشركة القابضة للصناعات الكيماوية عكس ذلك، فقد حققت الشركة خسائر على مدى السنوات الأربع الماضية، وبلغت 971.3 مليون جنيه عام 2017.

سيناريو إغلاق القومية لاسمنت هو الأقرب

وبهذا الرقم تكون القومية للأسمنت الأعلى تحقيقًا للخسائر بين شركات قطاع الأعمال العام.
وبلغت الأجور عام 2017 نحو 355 مليون جنيه بمتوسط 12 ألف جنيه للعامل شهريًا، وهو ضعف متوسط الأجور فى شركات قطاع الأعمال العام.
كما بلغت الديون المستحقة على الشركة لصالح قطاعى البترول والكهرباء 3.7 مليار جنيه، وصافى الخسائر المتراكمة 2.5 مليار جنيه.
وتآكلت حقوق المساهمين فى الشركة بالكامل وتحولت لقيمة سالبة وبلغة 769 مليون جنيه فى 30/6/2017.
كما أن القومية للأسمنت ليست متوافقة مع الشروط البيئية الأمر الذى يشكل خطورة على العاملين والمواطنين بالمناطق السكنية المحيطة.

ولكن لماذا خسرت القومية للأسمنت؟
الشركة القومية للأسمنت أنشئت بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 7969 الصادر 14 مارس 1956، ومقرها الرئيسى ومصنعها فى حلوان على مساحة 3 ملايين متر، ويتكون المصنع من 6 أفران، طاقتها الإنتاجية القصوى 3.5 مليون طن أسمنت سنويًا.
وحتى عام 2012 كانت الشركة تحقق أرباحًا بلغت مليار جنيه، عندما كانت تعمل بالمازوت حيث لديها خط مباشر من مسطرد للشركة.
ولكن حدثت بعض المخالفات الجسيمة من الإدارات السابقة للشركة أبرزها إسناد التشغيل والصيانة لشركة أجنبية رغم توافر الخبرة المحلية، ما كلّف الشركة نحو 360 مليون جنيه سنويًا.
بالإضافة إلى القصور الواضح فى عقد تطوير خطوط الإنتاج، والذى لم يحدد معايير واشتراطات والتزامات الاستشارى والمقاول، مما أدى إلى عدم تنفيذ التطوير بالشكل المطلوب، بل وأدى لارتفاع استهلاك الغاز بصورة كبيرة.
مشروع التطوير تكلف 1.1 مليار جنيه وكان كارثة على الشركة.
وقد أحالت الشركة تلك المخالفات للنيابة العامة للتحقيق فى مارس من العام الحالى.
والآن أصبح السبب الرئيسى للخسائر يرجع لاستمرار العملية الإنتاجية – بعد كارثة التطوير – إذ تزيد تكلفة إنتاج طن الأسمنت فى الشركة بنسبة تتجاوز 60% على متوسط تكلفته فى الشركات المنافسة.

ولذلك اتخذ مجلس إدارة الشركة القومية قرارًا فى نوفمبر 2017 بوقف تشغيل الأفران لمنع المزيد من نزيف الخسائر، كما وافقت الجمعية العامة للشركة القابضة للصناعات الكيماوية المالكة للشركة فى فبراير الماضى على استمرار إيقاف النشاط، حيث إن عودة التشغيل تؤدى إلى زيادة الخسائر.
وفى أول يوليو الماضى وجّه هشام توفيق وزير قطاع الأعمال العام إدارة الشركة القابضة للصناعات الكيماوية بالاستعانة بأحد المكاتب الاستشارية المتخصصة لإعداد دراسة تفصيلية لتقييم كافة البدائل المطروحة بشأن الشركة القومية للأسمنت من جميع النواحى الفنية التسويقية والمالية والتوافق مع المعايير البيئية وذلك خلال مدة 3 أشهر.
وأكد الوزير اهتمام الدولة والقيادة السياسية بملف الشركة القومية للأسمنت.
وكان مجلس إدارة الشركة قد قرر استمرار دفع كامل أجور العاملين لمدة 4 أشهر رغم إيقاف الأفران إلى حين الاستقرار على حل نهائى للمشكلة يحفظ حقوق الجهات الدائنة ويوقف نزيف الخسائر.
وكان وزير قطاع الأعمال قد أكد أن الوزارة ستبيع أراضى الشركة فى حالة الإغلاق فورًا، نظرًا لأن الحالة الصعبة التى تمر بها الشركة لا يمكن معها الانتظار سنوات أخرى لجنى ثمار استثمار الأرض عقاريًا.
وأشار الوزير إلى أن الحصيلة ستذهب بالكامل لسداد المديونيات والمستحقات على الشركة لصالح التأمينات والضرائب والكهرباء والغاز، ومستحقات بنك الاستثمار القومى، بالإضافة إلى تعويض العمال ماديًا.
وقال محمد رضوان رئيس القومية للأسمنت إن الدراسة يجريها فريق من كلية الهندسة جامعة القاهرة، وتحدد جدوى الاستمرار أو الغلق.
وفى حالة الغلق سيتم صرف تعويضات أو معاش مبكر للعاملين وفقًا لكل حالة على حدة.
وسيتم عرض أصول الشركة على جهات التقييم، وتحديد الأسعار لإمكانية بيع الأرض وسداد الديون، موضحًا أن الأرض مساحتها 3 ملايين متر ولا يمكن تسييلها إلا لسداد الديون التى تؤول لجهات حكومية.
وكانت الشركة قد تقدمت بطلب للبورصة لشطب أسهمها المتداولة، من خلال تقديم عرض شراء اختيارى، تشترى بموجبه الشركة القابضة المالكة للقومية للأسمنت أسهم المساهمين البالغة 5% من حصة الشركة.
وتشير التوقعات إلى أن سيناريو إغلاق الشركة القومية هو الأقرب، وأن الوزارة تعتزم تعويض العمال وسداد المديونيات من حصيلة بيع أراضى الشركة بحلوان.

وبنظرة سريعة إلى سوق الأسمنت فى مصر، سنجد أن مصر فى المركز 12 على العالم ضمن أكبر الدول المنتجة للأسمنت.
وبلغت صادرات مصر من الأسمنت خلال عام 2017 (27 مليون طن) طبقًا لبيانات المجلس التصديرى لمواد البناء.
ويشير تقرير هيئة الرقابة على الصادرات والواردات إلى ارتفاع صادرات مصر من الأسمنت بنسبة 13% من يناير إلى يونيو 2018 لتسجل 57 مليون دولار.
وتستهدف الشركات المنتجة الوصول بإنتاجها السنوى إلى 86 ألف طن بحلول 2020.
وطرحت الحكومة من مطلع 2016 (14) رخصة أسمنت فازت منها 3 شركات فى المزايدة التى أقامتها هيئة التنمية الصناعية، وهى شركة أسمنت المصريين فى سوهاج، والسويدى فى العين السخنة، وجنوب الوادى فى بنى سويف.
وهو ما يؤكد اتجاه الدولة بأن يصبح الأسمنت من القطاعات المصدرة، وقد ساهم تحرير سعر الصرف فى رفع تنافسية المنتج المحلى فى الأسواق الخارجية، وتسعى مصر لتحتل المركز الثالث فى صادرات الأسمنت بعد الصين والهند.