https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

ثقافة العنف الوافدة.. وعودة العقل للحوار

1890

لم تكن مرجعية البحث فى أسباب تغير طبائع المصريين وأخلاقياتهم فقط محاولات محمد أفندى عمر(سر تأخر المصريين)، أو جلال أمين (ماذا حدث للمصريين؟)، بل الأهم هو (فجر الضمير) لجميس بريستيد والأخير يؤكد بالدراسة العلمية أن المصريين هم أول من أسسوا النسق الأخلاقى للبشرية وليس (غيرهم) الذين جاءوا فقط من ثلاثة آلاف عام، وبما إننا نسعى لاستعادة الريادة، وللبقاء فى الوجود فعلينا اعتماد مقولة «أنا أفكر إذا أنا موجود»، ولنتبع المنهج العقلى الديكارتى فى الوصل إلى الحقيقة المعرفية لأسباب التغير السلبى، ولنعتمد على التفكير العلمى المنظم الذى ينبغى أن نتخذه فى شئون حياتنا العادية كما أشار فؤاد زكريا، ويستوجب البحث عن علة العلل والسبب الحقيقى لتجرؤ المصريين على الشذوذ عن طبائعهم المستقرة، وأخلاقياتهم المتحضرة المتوارثة منذ آلاف السنين، والانحراف إلى تطبيق قانون الغاب، والردة إلى العصر الحجرى وما قبل الثورة الزراعية، ولنتبع المبادئ الأربع فى البحث عن سبب التشوه الحادث فى الشخصية المصرية وهى: ألا نصدر أحكاما نهائية إلا بعد البحث فى أسبابها، ونقوم بتجزأة التشوهات واحدة تلو الأخرى ليسهل توصيفها وحلها، وأن نبدأ فى تسلسل البحث بتراتبية تتفق وإعمال العقل والمنطق، وعلينا مراجعة أنفسنا جيدًا فيما وصلنا إليه قبل إطلاق الحكم النهائى، حتى نصل إلى حقيقة النتوءات وكيفية علاجها والعودة إلى جماليات الشخصية المصرية.

وكان اللافت للأمر تكدس أخبار القتل على مسامعنا فى الآونة الأخيرة، وتزاحم مشاهد الدم فى وسائل الإعلام الرقمية والكلاسيكية وربما هذا ما فرض البدء بهذا الملمح الأكثر تطرفا وغرابة على المشهد المصرى..

الأب المدمن يقتل طفليه، الزوجة الخائنة تحرق وليدها وزوجها، نصاب يذبح خطيب ابنته ويدفنه بالحمام، الابن العاق يقتل والديه، شك فى سلوك أخته فقتلها، تلقى بنفسها تحت عجلات المترو.. لم تكن تلك أفيشات أفلام العيد على الرغم من التصاقها زمنيا بإجازة عيد الأضحى، وعلى الرغم (أيضا) من كونها انعكاسا واقعيا لدراما تجار اللحم الآدمى، ونتاجًا طبيعيًا لمحاولات تشويه الشخصية المصرية، فقد أشارت الورقات الأخيرات التى عادة ما تذيل دراسات المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، وهكذا تشى الأرقام التى تتصدر نتائج الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء بأن نسبة الجريمة تضاعفت منذ 2011، وجرائم القتل العمد ارتفعت بنسبة 130%، وبارتفاع معدلات جرائم القتل والتى يقوم بها غير معتادى الإجرام، بمعنى آخر أن القاتل قام بالجريمة الأولى فى حياته، ولكن ما الذى دفعه للتخلص من الآخرين حتى وإن كانوا ذوى قربى؟ هذا هو الملمح الأكثر تغيرًا فى الشخصية المصرية، والذى أحدث تشوهًا حقيقيا فى النسق الأخلاقى، ويرجع علماء الاجتماع والمتخصصين الأمنيين انتشار ظاهرة القتل إلى أسباب كلاسيكية توازى معارك الجيل الثالث وهى الإحباط للشباب من تدنى المستويات الاقتصادية، وفقدان الأمل فى الغد، وانتشار البطالة، واللجوء للإدمان كوسيلة للشعور بالسعادة الخيالية والمفتقدة واقعيًا، وتضخم الكثافة السكانية وضعف الإمكانات والقصور فى استغلالها كعنصر من عناصر قوة الدولة وليس سبب إضعافها، وتلك الأسباب مجتمعة والتى أعتقد فى عدم وفائها بالرد على السبب الرئيسى للتحول لسلوكيات العنف، والتى تم استحداث آليات مبتكرة تعد من أدوات حروب الجيل الرابع لهدم الشعوب دون تدخل عسكرى، بل تمادى وزير دفاع كيان مستحدث عندما يقول: « ليس من المتعة فى شىء أن تقتل عدوك بيدك فعندما يقتل عدوك نفسه بيده أو بيد أخيه فإن المتعة أكبر»، ومن هنا تحول العدو من الاعتماد فى سياسته على المسكوت عنه لضمان بقائه إلى سياسة الإفصاح والإعلان عن نواياه مباشرة، وقد يكون هذا التجرؤ عندما توهم أن الخريف العربى قد أتى ثماره الغضة بعد أن مهد الأرض والفكر والوجدان لتكون ميدانا لمعاركه الجديدة، من خلال انهيار منظومة التعليم لانتشار الجهل، ومحاربة روح التجدد فى المعتقد الدينى والترويج للاجتراء على ثوابته، وتجريد العقل، ووأد الإبداع بآليات تسطيح الثقافة بأفرعها الأدبية والفنية، وتضليل الرأى بانشغال الإعلام بالخرافات واللجوء للجان والشعوذة وتفسير الأحلام، وهدم النموذج بتخوين قادة الرأى، ويأتى سلاح الدراما هو الأهم فى تنفيذ الأهداف على الأرض وإحداث تشويه فى الشخصية المصرية باستخدام العنف والقتل.  

وتذكر أدبيات علم الاجتماع أن ظاهر القتل بوجه عام ليست من طبيعة المجتمعات المستقرة الزراعية، وربما إنها الأكثر التصاقا بالرُحل والمُهاجرين، نظرًا لتغلب فكرة البقاء للأقوى، وهذا ما حدث عندما اكتشف الرحالة كريستوف كولومبوس الذى استعان بخرائط الإيطالى باولو توسكانيلى ومارتن بيكهام الألمانى، فى ١٤٩٢ وأبحر بالسفينة سانتا ماريا بعد رفض هنرى السابع ملك إنجلترا وخواو ملك البرتغال رعاية رحلة الاكتشاف للعالم الجديد ودعمها ملك إسبانيا وكان على الامبراطوريات والممالك الأوروبية حينها اكتساب مساحات واسعة من هذا العالم، مع التحفظ من المجهول فى عدم إرسال الجيش والأعيان والمثقفين مغبة فقدانهم، وللتخلص من السكان الأصليين وهم ما أُطلق عليهم الهنود الحمر، ووصفهم الرحالة بالوحشية والدموية فى التعامل مع الأغراب – ولا أرى فى ذلك عيبًا فى مقاومة غريب مُستعمر – وكان التفكير الأنسب هو تخلص أوروبا المتحضرة من المدمنين والمخرفين والمشعوذين والمجرمين والخارجين على القانون والعرف العام والنسق الأخلاقى، وإرسالهم فى موجات متلاحقة عبر الأطلنطى إلى العالم الجديد والذى كان ينظر إليه فى كثير من أدبياتهم على أن الشط الآخر من الأطلنطى هو بداية الجحيم! واستلزم الأمر تطعيم المهاجرين بالعبيد الأسرى من آسيا وأفريقيا، وربما هذا هو السبب فى التكوين غير الموحد واللا متجانس بين الشتات من القوميات والأعراق، وليس ذلك ببعيد من وصف كيانات نشأت منذ عدة عشرات من الأعوام من أقليات شتات وتجمعت من أطراف العالم حيث كانت تعيش حيوات متتالية يملأها الشعور بالدونية والنبذ والاضطهاد، نظرًا لعاداتهم السلبية، والتى يُطالعنا بها أفضل من كتب عنهم رحمه الله العلامة عبد الوهاب المسيرى.

لذا نجد أن ثقافة العنف ترتبط بهؤلاء المهاجرين وأصولهم الخارجة على القانون، أو نفوسهم المشوهة إنسانيا، أو أخلاقهم الشاذة عن السياق الإنسانى، ومن هنا كان من المحتم إنتاج أمرين: الأول الحقد والكراهية تجاه الشعوب ذات الأصول الإنسانية السوية وخاصة التى تتميز بخاصيتين: الخاصية الأولى: وجود المقدرات الهائلة من معطيات الطبيعة من مصادر مياه وتربة خصبة ومعادن ومصادر طاقة متعددة ومناخ مستقر و..، والخاصية الثانية: موقع حاكم بين نواصى العالم القديم يمكنه التحكم فى العالم إذا ملك أمره تماما، كما أشار جون ماكندر فى كتابه (نظرية قلب الأرض) والتى تجعل العالم الجديد مهما بلغ من قوة على أطراف العالم ولا يتحكم فى قلبه إلا بالوصول إلى قلب الأرض وليس الحواش والأطراف!

والأمر الثانى لهؤلاء المشوهين إنسانيا هو: إنتاج ثقافات تتناسب مع سلوكياتهم الحيوانية، وتشكل وجدانا حقيقيا للشيطان الذى يسكنهم، لتُلبى احتياجاتهم، وتروى تعطشهم المتوارث للدماء، فكانت دراما هوليود الحاكمة لشعوب الأرض تقدم حكايات هى خلاصة الدراسات السياسية، والبحوث الاجتماعية، والعمليات النفسية فى هدم الشعوب، على أن تكون مبهرة تكنولوجيا، ومتقنة فنياً، ومسلسلة متتابعة، للإنسان الذئب (المستأذب)، وللجريمة العالمية المنظمة، وللمافيا العابرة للقارات، والأهم للبطل الأسطورى الذى لا يتحقق وجوده إلا عندما يأخذ حقه بيده ولو استسهل فى ذلك قتل الآخر أو كل الآخرين، وكان هذا النموذج هو الأنجح لترويجه للشعوب المستهدف احتلالها من خلال تشويه هويتها وهدم أخلاقها، فكانت دراما العنف استغلالا للأسباب الكلاسيكية التى يُشير إليها المتخصصون الأمنيون والاجتماعيون، وللأسباب المُستحدثة، والمُفتعلة، والمُمهد لها مسبقا وتدريجيا، وسنوالى فى القادم إن شاء الله ارتباط التشوهات الأخلاقية بالدراما.