صالون الرأي
ضريبة.. سيئة الحظ
By mkamalأكتوبر 15, 2018, 15:46 م
2391
الضريبة العقارية.. والتى تواجه بهجوم شرس حاليًا من أصحاب المصالح، ليست جديدة على مصر، كما أنها مطبقة فى جميع دول العالم مع اختلاف النسبة وطريقة الحساب.. طبقا لظروف كل دولة.
ومشكلة هذه الضريبة أن سوء الحظ لازمها منذ تطبيقها فى مصر عام 1882، فقد اعترض عليها الأجانب عند تطبيقها فاضطرت الدولة وقتها لإدخالهم فى لجان الحصر والتقييم، ولكنهم لم يشاركوا فتعطلت إلى حين.
وعندما قررت الدولة تفعيلها فى منتصف القرن الماضى، عرفتها الأجيال السابقة باسم «العوائد» حيث كان مُلاّك العقارات يدفعونها كنسبة من القيمة الإيجارية السنوية، ومؤخرًا حمَّلها المُلاّك على السكان!
وفى السنوات القليل ة الماضية دخلت مصر فى العديد من برامج الإصلاح الاقتصادى، ومن ثم كان الاهتمام بإصلاح منظومة الضرائب والجمارك، وقاد العبقرى د.يوسف بطرس وزير الاقتصاد الأسبق عمليات الإصلاح بإصدار ضريبة المبيعات التى تحولت إلى ضريبة القيمة المضافة، ثم صدرت تعديلات ضريبة الدخل، والجمارك، وفى عام 2008 صدر القانون الجديد للضريبة العقارية ولازمه أيضا سوء الحظ حيث تمت مواجهته باعتراضات شديدة بداية من بعض أعضاء مجلس الوزراء ثم أعضاء البرلمان وانتهاء بأصحاب الثروات العقارية الذين توحشت ممتلكاتهم بحُكم مناصبهم السياسية والتنفيذية.. للأسف الشديد!
ولم يقتصر سوء الحظ على اعتراضات «النخبة» المهيمنة على أمور البلاد وقتها، بل كان الوقت أيضا عاملا مضادًا، حيث جاءت أحداث 25 يناير 2011 وتداعياتها!
أضف إلى ذلك.. عدم الاستعداد التام قبل تطبيق هذه الضريبة، حيث كان من الواجب تفعيل ما يسمى بالسجل العينى، أى حصر جميع الثروات العقارية (مبان وأراض) بجميع أنحاء الجمهورية وتحديد مُلاّكها وقيمتها السوقية.
ومع كل ما تقدم، وعندما عدلت بعض قواعدها بقرار جمهورى عام 2014، حددت الضريبة بسعر 10% من القيمة الإيجارية السنوية للعقار، وبعد خصم نسبة 30% من تلك القيمة كمصروفات وصيانة.
والأدهى مما تقدم أنه عندما بدأ التطبيق الفعلى لها فى منتصف عام 2013، طبقت على 11 مليون وحدة عقارية فقط على مستوى الجمهورية، باعتبارها مسجلة داخل كردون المدن!، ومن ثم لم تزد الحصيلة عن 500 ألف عام 2014، ثم بدأت عمليات الحصر على الطبيعة خاصة للمدن الجديدة ومنتجعات الساحل الشمالى، فارتفعت الحصيلة إلى 500 مليون عام 2016، ثم زادت العام الماضى إلى مليار و300 مليون جنيه.
والطريف فى الموضوع أن القانون أعفى الوحدة السكنية التى لا تزيد قيمتها عن 500 ألف جنيه من الضريبة، ثم أدخل تعديل جديد عليه فقرر بمقتضاه رفع حد الإعفاء إلى مليونى جنيه ثمنا للوحدة السكنية.
أضف إلى ذلك.. أننا بدأنا نظام السجل العينى عام 1902، أى منذ 116 عامًا، ومع ذلك لا تزيد نسبة العقارات المسجلة عن 2%، حيث أغلب الإشهارات التى تتم فى الشهر العقارى شخصية!
وعلى سبيل المثال.. الخرائط القديمة لمدينة العاشر تكشف أن عدد العقارات فيها 17 ألف عقار، ولكن مع تحديث تلك الخرائط اكتشف المسئولون أن عدد تلك العقارات وصل إلى 42 ألف عقار، وبالطبع لا يعلم عنها أحد لأنها ليست مسجلة!
ونزيدك من الشعر بيت.. وكما يرغب الأخوة من النخبة الذين دائمًا ما يستشهدون بما يحدث فى أمريكا وأوروبا والدول المتقدمة!، فقد بلغت نسبة الضرائب العقارية إلى إجمالى الإيرادات الضريبية عام 2015 فى أمريكا إلى 12.6%، وفى فرنسا 11.8% وفى بريطانيا 9%، بينما فى مصر لم ترد نسبتها عن 0.1%!، ومع ذلك فالمستهدف منها هذا العام 3.5 مليار جنيه فقط، فى حين المستهدف من الإيرادات الضريبية ككل يزيد عن 600 مليار جنيه.
وأعتقد أنه لا مانع بعد كل ما تقدم من الإشارة إلى ما هو معروف للكافة أن هدف الضرائب تحقيق موارد مستحقة للموازنة العامة للدولة، والأهم من ذلك هو تحقيق ما يسمى بالعدالة الاجتماعية، وهو ما يطلق عليه الاقتصاديون «إعادة توزيع الدخل القومى»، أى تقوم الدولة بتحصيل الضريبية من الأغنياء وأصحاب الثروات وتعيد توزيعها عل الفقراء ومحدودى الدخل فى صورة خدمات أساسية مثل التعليم والصحة والتنمية البشرية، هذا بخلاف تمويل مشروعات البنية الأساسية من طرق ومواصلات ومياه شرب وصرف صحى.. إلخ، والتى يستفيد منها الجميع.. أغنياء وفقراء.
ولسنا بدعة فى ذلك، بل إن التهرب الضريبى فى أمريكا وأوروبا والدول المتقدمة.. يعد من أخطر الجرائم التى تستوجب العقاب الصارم!
ثم أن القاعدة الفقهية تقول «الغُرم بالغُنم» أى «على قدر ما ربنا يديك من ثروة.. واجب أن تدفع ما عليك».. رضاء وليس جبرا.
نقول كمان.. سيادتك تمتلك قطعة أرض معدة للبناء أو وحدة سكنية.. ثم جاءت الدولة وشقت طريقًا مجاورًا، أو أقامت مطارًا أو أصلحت المرافق ومن ثم ارتفعت قيمة الأرض وكذلك قيمة أو إيجار الوحدة السكنية.. فلماذا لا تدفع نسبة من هذه الزيادة – التى لم يكن لك يد ولا جهد فيها – للدولة.. أى للمجتمع؟!
والغريب أن البعض يدفع فى فيلا فى الساحل الشمالى أكثر من 110 ملايين جنيه، ثم يتبجح ويرفض دفع الضريبة العقارية عليها بحجة أنها مسكن خاص!
وماذا عن فيلا التجمع الخامس، والأخرى التى بالعين السخنة، والرابعة التى فى أبو تلات بالإسكندرية، والخامسة فى الشيخ زايد؟
والخلاصة.. اغتنى كما شئت أو كما شاء لك الله..، ولكن ادفع حق المجتمع الذى حققت ثروتك من خلاله.
انتهى عهد «الاستهبال» والصوت العالى، فنحن فى دولة عريقة ومحترمة وقوانينها تسرى على الجميع.. ولا أكثر ولا أقل من ذلك.
وشكر واجب للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية على المعلومات التى استخدمتها فى المقال.
حفظ الله مصر.. وألهم أهلها الرشد والصواب