رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

مجلس “قومى” أم “تخصصى”.. لبناء الإنسان المصري؟

1287

يقول باولو كويلو – الكاتب البرازيلى – وهو يحكى عن قصة صبى مع والده: «كان الأب يحاول أن يقرأ الجريدة، لكن ابنه الصغير لم يكف عن مضايقته.. وحين تعب الأب من ابنه قام بقطع ورقة من الجريدة كانت تحتوى على خريطة العالم ومزقها إلى قطع صغيرة وقدمها لابنه وطلب منه إعادة تجميع الخريطة ثم عاد لقراءة جريدته.. ظنًا أن الطفل سيبقى مشغولا بقية اليوم.. إلا أنه لم تمر خمس عشرة دقيقة حتى عاد الابن إليه وقد أعاد ترتيب الخريطة!
فتساءل الأب مذهولا: هل كانت أمك تعلمك الجغرافيا؟! رد الطفل قائلا: لا.. لكن كانت هناك صورة لإنسان على الوجه الآخر من الورقة، وعندما أعدت بناء الإنسان.. أعدت بناء العالم.
كانت عبارة عفوية.. ولكنها عبارة عبقرية وذات معنى عميق، إن بناء الإنسان المصرى ليس حلمًا مستحيلاً، لكنه مطلب واقعى يحتاج إلى رؤية ومشروع وبرنامج تنفيذى لتغيير الواقع نحو الأفضل، وليس لإدارة الوضع القائم بكل سلبياته.

إن الإنسان المصرى الذى كان فخرًا لنا فى أى مكان لعالمنا العربى أو إفريقيا أو العالم بأكمله، والذى كانت تنطبق عليه كثير من المواصفات القياسية للإنسان فى الأدب والتربية والتعليم والثقافة والسلوك والانضباط، هذا الإنسان تعرض للانهيار فى نكسة 67، ثم عادت له الحياة والروح فى أكتوبر 73، ومنذ بدأ الانفتاح الاقتصادى تم وضع هذا الإنسان فى الخلاط أو فى المفرمة التى استمرت لعقود عانى خلالها كل أشكال القهر والتجهيل، وعانى من كل صور الفساد والتهميش.
هذا الإنسان الذى لم يُستثمر فى الارتقاء به جنيه واحد على مدار أربعة عقود، هذا الإنسان الذى أصبح مشوهًا نتيجة ما حدث له على مدار أربعين عامًا يحتاج إلى عناية مُركزة وإلى عناية خاصة تبعث فيه الأمل لطمأنته على حاضره ومستقبله، يحتاج إلى إعادة بنائه وتأهيله بتعليم حقيقى، وإصلاح منظومة الأخلاق والسلوك لديه، بتوفير خدمة صحية وعلاجية لائقة به، بتوفير منظومة ثقافية وإعلامية راقية وفاعلة تعيد بناء ما فسد من أفكار وعادات وسلوكيات، يحتاج إلى منظومة رياضية تستوعب طاقات الشباب، يحتاج إلى قوانين وتشريعات ولوائح وقرارات تعيد له حقوقه، وفى نفس الوقت تنسف الروتين والبيروقراطية التى تعطل بل وتمنع مسيرة التنمية.
يحتاج الإنسان المصرى فى مرحلة إعادة البناء إلى الكثير والكثير.. وهو ما يحتاج أولا إلى إرادة سياسية قادرة وفاعلة تخطو خطوات حقيقية مدروسة جيدًا نحو بناء الإنسان.

كانت الفقرة الأهم فى خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسى يوم أقسم اليمين الدستورية فى بداية فترة رئاسته الثانية حينما قال: «يجب أن يتم بناء الإنسان على أساس شامل ومتكامل بدنيًا وعقليًا وثقافيًا، بحيث يعاد تعريف الهوية المصرية من جديد بعد محاولات العبث بها»، ولا شك أن الحالة المصرية لها خصوصيتها، فمصر لا تمر ببدايات مراحل التحول، فيقع عبء التحول بكامله على عاتق الدولة، ولا هى فى مرحلة متقدمة من النمو وازدهر فيها المجتمع المدنى والقطاع الخاص فيتقلص دور الدولة، فالحالة المصرية مازالت فى حاجة إلى الدولة كى تمارس دورها القيادى فى تحقيق إعادة البناء، وفى نفس الوقت تحتاج إلى تمكين المجتمع للمشاركة فى تحقيق البناء وإعادة تعريف الهوية المصرية، ولكن كيف يتم البناء، ومن سيقوم بهذه المهمة بالغة الأهمية؟
إن طريق إعادة البناء يحتاج منظومة تتضافر فيها جهود مجموعة من المؤسسات الرسمية والمجتمعية، والبداية من خلال المؤسسات التى يقع على عاتقها تشكيل وجدان وعقلية ومعرفة الشخصية المصرية، وهى مؤسسات الإعلام والثقافة بكل وسائلها المقروءة والمسموعة والمرئية، والمؤسسات التربوية التعليمية والأكاديمية، والمؤسسات الدينية، وبالطبع لابد من وجود جهة ما تقوم بالتنسيق بين الجهات المختلفة، للعمل على منظومة موحدة ومتكاملة، واضحة الأهداف من أجل الإصلاح وإعادة البناء.

فهل نستحدث «وزارة لبناء الإنسان»، قد يواجه استحداث وزارة جديدة بعض الاعتراضات، وهو ما تردد فى البرلمان عقب تكليف د. مصطفى مدبولى بتشكيل الوزارة، فكان التوجه البرلمانى نحو عدم استحداث وزارات جديدة، لأن ذلك يكلف الدولة أموالا باهظة، وأن الأهم من استحداث وزارة أو دمج مثيلها، هو التكامل فيما بين تلك الوزارات، وأن عدد الوزارات بمصر كبير جدًا بالمقارنة بدول أخرى.
إن لم تكن وزارة فليكن «مجلس قومى» أو «مجلس تخصصى».
نريد مجلسًا برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية رئيس مجلس الوزراء، وعضوية ممثل عن كل الوزارات والهيئات المعنية ببناء الإنسان، ويكون المجلس منوطًا بتنفيذ منظومة بناء الإنسان المصرى، ووضع خطط العمل لتنفيذها من قبل الوزارات المعنية ومتابعة تنفيذها، والتنسيق بين الوزارات فى هذا الشأن.

وقد منح الدستور بعض المجالس القومية المتخصصة والهيئات المستقلة الصلاحيات التى تساعدها على القيام بدورها فى مساعدة السلطات العامة، وتجنيبها أى انتهاك يتعلق بمجال عملها، وفى المادة (214) من الدستور: يحدد القانون المجالس القومية المستقلة، ومنها المجلس القومى لحقوق الإنسان، والقومى للمرأة، والقومى للطفولة والأمومة، والقومى للأشخاص ذوى الإعاقة.
ويبين القانون كيفية تشكيل كل منها، واختصاصاتها، وضمانات استقلال وحياد أعضائها، ولها الحق فى إبلاغ السلطات العامة بشأن أى انتهاك يتعلق بمجال عملها.
وتتمتع تلك المجالس بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفنى والمالى والإدارى، ويؤخذ رأيها فى مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بها وبمجال أعمالها، كما يمكن إنشاء مجلس تخصصى لبناء الإنسان المصرى، حيث يمكن لرئيس الجمهورية أن ينشئ مجلسًا تخصصيًا بقرار جمهورى.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسى قد أصدر قرارًا جمهوريًا رقم (60) لسنة 2015 بإنشاء 4 مجالس تخصصية تتبع رئيس الجمهورية مباشرة، وتتولى المعاونة فى رسم السياسة العامة للدولة، وإعداد الدراسات الشاملة فى كافة مجالات العمل الوطنى التى تدخل فى اختصاص كل مجلس تخصصى، وهذه المجالس هى المجلس التخصصى لتنمية المجتمع، للتعليم والبحث العلمى، للتنمية الاقتصادية، للسياسة الخارجية والأمن القومى.
ويكون لكل مجلس من هذه المجالس شخصية اعتبارية مستقلة، ويجوز إنشاء مجالس تخصصية أخرى بقرار من رئيس الجمهورية.
وينص القرار على تشكيل كل مجلس تخصصى من عدد من الأعضاء من ذوى الكفاءات والخبرات العلمية والعملية الفاعلة فى المجال المتعلق بنشاط المجلس، مع ضمان تمثيل ملائم للشباب، على أن يكون عمل أعضاء المجالس أو الخبراء المستعان بهم تطوعيًا، ويصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية.
ويعين رئيس الجمهورية منسقًا لكل مجلس تخصصى من بين أعضائه.

وسواء كان المجلس قوميًا أو تخصصيًا طبقًا للصالح العام ورؤية القيادة السياسية، فالمطلوب سرعة إنشاء المجلس المعنى ببناء الإنسان المصرى، فنحن فى أمس الحاجة لتحرك قوى وفاعل لبناء الشخصية المصرية وإعادة بناء الإنسان المصرى بما يليق بمصر وحضارتها وبما يليق بمتطلبات العصر الحديث.
وأستعير مقولة رئيس وزراء سنغافورة الراحل، لى كوان يو: «لم يكن دورى أن أغير سنغافورة، كان دورى أن أغير الإنسان السنغافورى، وهو يغير سنغافورة.




503 Service Unavailable

Service Unavailable

The server is temporarily unable to service your request due to maintenance downtime or capacity problems. Please try again later.

Additionally, a 503 Service Unavailable error was encountered while trying to use an ErrorDocument to handle the request.