صالون الرأي
امرأة غلبت داعيًا وصائمًا
By mkamalنوفمبر 25, 2018, 15:04 م
1708
روايتان سمعتهما من أحد المقربين عن سيدة تمتلك معجزة قلب ينبض رحمة بلا حدود، وتنطلق منها مفردات الرحمة بتلقائية شديدة، وبردة فعل سريع تترجمه بسلوك واقعى وبدون تردد، وتبدأ حكاياتها الأولى عقب مغادرتها جهة عملها عصرًا، وفى أثناء توجهها نحو محطة الباص صادفت امرأة عجوز تجلس على الرصيف، وعلامات الحزن والأسى تعلو وجهها، فإذا بها تجلس بجوارها على الرصيف وهى ترتدى أفخر ثيابها، وتمسح على رأسها وتهدهد على ظهرها، وتدنو منها وتحدثها بكلمات رقيقة لتهدئ من روعها، وإذا بالبسمة تُرسم على وجنتى وجه العجوز، وتقول للسيدة إن أكثر شىء فعلتيه وأسعدنى ليس بصدقتك لي، ولكننى من زمان لم يُسمعنى أحد كلمة طيبة، أو يمسح بيديه على رأسى وظهري.
والرواية الثانية عن نفس السيدة الفاضلة، كما تم سردها لي، ووقائعها لا تقل جمالا عن الرواية الأولى بل تتفوق عليها، وكانت فى إحدى زياراتها لامرأة مسنة من أقربائها، شاهدتها ترقد على مرتبة بجوار باب شقة ابنتها بعد أن فتح لها الباب لاستقبالها، وأفجعها هول المنظر، وبررت ابنتها موقفها المشين بقولها لكى تأخذ راحتها، فاستأذنت ابنتها لتأخذها إلى دار مسنين ووافقت لها على الفور، وبمجرد ما أن رأت المرأة العجوز السيدة قريبتها فى زيارتها الأولى لها بالدار استقبلتها بابتسامة، وفوجئت بالعجوز تتكلم وتتذكر من حولها، بعدما كانت فى بيت ابنتها صامتة لا تدرك المحيطين بها، وما لبثت أن فارقت الحياة بعد مرور أيام قليلة من مكوثها بدار المسنين.
وتتشابه الروايتان تمامًا مع واقعة الابن وأخواته البنات الثلاث، الذين تركوا والدتهم داخل سيارة أجرة فى الساعة الثالثة فجرًا مع شاب من ذويهم، ولم يعرف أين يتجه بوالدتهم وأوقف السيارة فى منطقة أرض اللواء بالجيزة، وصور مشهد الأم فى السيارة صامتة، وبثه على مواقع التواصل الاجتماعي، وأخذ يستنجد بمن يشاهده أن يرشده إلى حل، وفى النهاية لا أملك إلا تقديم عبارات الثناء للسيدة الفاضلة، وسط تكرار وقائع قسوة القلوب وتدنى الأخلاق، فقد حباها الله بنعمة كبري، بأن غرس فى قلبها الرحمة، لما علم منها بصدق إيمانها، وشرفها المولى عز وجل بمنزلة عالية، وفضلها على كثير من فاقدى الرحمة أمثال الأبناء الجاحدين لآبائهم، وأغدق عليها من الأجر العظيم، وما قامت به هذه السيدة يعد أفضل عمل ممن يدعو إلى الله بالقول فقط ، ولأرفع درجات عند الله ممن يصوم نهاره ويقيم ليله، ولا يحاول درء الأذى عن الآخرين.
فى رءوس الأطفال:
52 طفل فلسطينيًا صوب الاحتلال الإسرائيلى رصاصته إلى رءوسهم وصدورهم، 18منهم كانت إصابتهم فى الرأس، ونصيب قطاع غزة من الرقم الإجمالى 46 طفلا، وذنبهم أنهم خرجوا مع ذويهم فى احتجاجات سلمية ضد حصارهم وتشريدهم، وذكرت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال هذه الإحصائيات فى بيانها، وأعلنته تزامنا مع احتفال الأمم المتحدة باليوم العالمى لحقوق الطفل فى 20 نوفمبر، ولا يشعر الاحتلال بأى عار فى قتل الأطفال، حتى لو قتل أطفال فلسطين جميعا، ويرى أنه لشرف كبير دفاعا عن حقوقه ومعتقداته الزائفة فى اغتصاب الأرض من أصحابها، وعليهم أن يذهبوا إلى القبور انتظارًا للموت، أما من يطلق النار على الأطفال والمدنيين غير الفلسطينيين، فهو الإرهابى طبقا للمصطلح الدولي.
ورغم هذا التنكيل المستمر فى حق الفلسطينيين، ترتفع غالبية الأصوات داخل إسرائيل بإعادة تأهيل الردع للجيش الإسرائيلى لاحتلال غزة، ويصف كاتب يهودى هؤلاء بالغباء، ويسخر منهم بكلمات لاذعة فى رغبتهم الدائمة للحرب، ويلفت «روجل ألفر» فى مقاله بصحيقة هآرتس العبرية نظرغالبية قومه الذين يريدونها حربا شاملة على غزة، إلى أن الثلاثة حروب التى شنتها إسرائيل على غزة، لم تثمر سوى عن هدوء مؤقت، وكان ثمنه موت عشرات الجنود، وذكرهم أن إعادة الردع الإسرائيلى مستمرًا منذ حرب الاستنزاف، وإسرائيل لم تنتصر فى أى حرب منذ 1967 ، وقال الإيمان الأعمى لهؤلاء بقدرة الجيش الإسرائيلى لا يستند إلى التجربة، وأنهم يعيشون فى عالم اخترعوه بعيدًا عن الواقع مثل ليبرمان.
وعلى النقيض من رؤية الكاتب ألفر من نتيجة هوس الإسرائيليون الكاذب فى إشعال الحروب، التى لا تخلف إلا الهزائم والبكاء على ضحاياهم، يتوافق كاتب إسرائيلى آخر مع هذا الهوس للأغلبية المتعطشة دائما للحرب، ويبنى حجته على أن إسرائيل تواجه تهديدات من منظمات متعددة متاخمة مع حدودها، كحماس وحزب الله والجهاد الإسلامى ويربطهم خلفية دينية، ولذا يرى الكاتب الإسرائيلى «يائير» ضرورة تأهيل الجيش، استعدادًا لمواجهته معاركا معقدة، وخاصة فى قدرته على منع إطلاق صواريخ غزة على الجبهة الإسرائيلية الداخلية، ويتغافل هذا الكاتب عدة عناصر مهمة.
أولها: أن استمرار الممارسات الوحشية الممنهجة على الشعب الفلسطيني، لا تولد سوى الإصرار لديه واستعدادًا للدفاع عن وجوده، وثانيًا: تجاهل أن جيشه دائمًا ما يبدأ بالاعتداء، ثم يصعد من المواجهات وقتل الأبرياء، وكلما اعترض سلميًا يقابله بوابل من الرصاص وسلب أراضيه، وثالثا: يستبعد الاعتراف بالمفاوضات الإقليمية والدولية التى تهدف إلى استقرار المنطقة، وكان آخرها مفاوضات المصالحة التى تقودها الحكومة المصرية منذ عدة أشهر وقطعت فيها شوطا كبيرًا، وأول من نقضتها الحكومة الإسرائيلية كعادة مثيلتها من الحكومات السابقة، والقول الأخير أن أغلبية الإسرائيليين تسيطر عليهم فكرة الحرب والٍسلب، وفئة قليلة منهم ترفض استمرار الحرب، وهذا يتضح فى أراء حكومتهم.