صالون الرأي
عن الأخطاء اللُغوية الشائعة فى صحفنا وإعلامنا
By mkamalديسمبر 17, 2018, 15:40 م
4503
عطفًا على مقال الأسبوع الماضى عن الخطر المحدق باللغة العربية ومن ثم الهوية، فإن دواعى الموضوعية تقتضى أيضًا نقدًا ذاتيًا للأخطاء اللغوية المسكوت عنها والتى شاعت على صفحات صحفنا المصرية وعلى النحو الذى يستوجب انتباهًا وتنبيهًا وتصحيحًا ضروريًا.
ولعل أخطاء استخدام ما يعرف بعلامات الترقيم هى الأكثر شيوعًا والأكثر مدعاة للتصويب والانضباط اللغوى القويم، إذ إن هذه العلاقات ليست حلية تتزّين بها السطور والموضوعات والمقالات الصحفية وعلى نحو عشوائى حسبما يحدث كثيرًا.
فمن الملاحظ وعلى سبيل المثال وضع علامة التعجب (!) بعد العناوين دون أن يكون فى العنوان ما يدعو للتعجب، وكذلك عند وضع علامة الاستفهام (؟) دون مبرر.
ثم إن استخدام النقطتين المتجاورتين بين الجملتين أو العبارتين (..) له ضوابط يقتضيها سياق الكلام المكتوب عندما يستدعى الاستطراد، ولذا فإن إغفالها يتسبب فى إطالة الجملة أو العبارة بحيث يتوه المعنى عن القارئ.
وفى نفس الوقت فإن الفصلة (،) والفصلة المنقوطة (؛) من بين علامات الترقيم الضرورية التى يتم إغفالهما فى كثير من الأحيان، فإذا كانت الفصلة (،) ضرورية بين نهاية جملة وبداية أخرى، فإن إغفالها خطأ لغوى من شأنه تشتيت ذهن القارئ، بينما تأتى أهمية وضرورية علامة الفصلة المنقوطة (؛) بوضعها فى نهاية جملة تكون الجملة التالية سببًا لها.
لذا فإن الاهتمام بعلامات الترقيم ليس تزيدًا ولكنه ضرورة لضبط الكلام المكتوب وفقًا لقواعد اللغة العربية، ومن ثم فإن إغفالها أو إهمالها يتساوى تمامًا من حيث الخطأ فى سياق الأخطاء الشائعة مع استخدامها على نحو عشوائى دون إدراك لدلالتها اللغوية.
الكلمات والمصطلحات فى كثير مما يكُتب وينُشر فى صحفنا أو يذاع فى إعلامنا المسموع والمرئى، وبات ضروريًا تصويبها، لعل فى مقدمتها وعلى سبيل المثال لا الحصر أن يُقال ويكتب (الموضوع الرئيسى) أو (الموضوع الأساسى) بينما الصحيح لغويًا أن يُقال (الموضوع الرئيس) و (الموضوع الأساس).
ومن بين تلك الأخطاء الشائعة أيضًا حتى الآن استخدام وصف (المخابرات) بينما الصحيح هو (الاستخبارات)، ومن المفارقات أن صحفنا وإعلامنا فى مصر يستخدمان الوصف الصحيح عند الإشارة إلى استخبارات دول أخرى!
ثم إن صحفنا وإعلامنا لا يزالان يستخدمان كلمة (الدولى) بفتح الدال عند الإشارة مثلاً إلى مطار القاهرة أو معرض القاهرة، بينما الصحيح أن يُقال مطار القاهرة الدُولى بضم الدال باعتبار أن النسبة هنا إلى (دُول) بضم الدال وليست إلى (الدولة) بفتح الدال، حيث إن المطار ليس قاصرًا على (الدولة) التى هى مصر، بل إنه مفتوح لطائرات الدول الأخرى.
أما الخطأ الجسيم والصادم للأذن العربية والذى صار شائعًا دون أى انتباه فهو استخدام تعبير (ردود الأفعال) التالية لحدث أو حادثة أو واقعة، إذ أن الصواب أن يُقال (ردود الفعل) باعتبار أن الفعل واحد (مُفرد) بينما (الردود) هى المتعددة ومن ثم فهى التى تُجمع.
وفى هذا السياق تجدر الإشارة إلى خطأ آخر من الأخطاء التى ظلت شائعة حتى وقت قريب وهو استخدام كلمة (تصنّت) بدلاً عن الكلمة الصحيحة وهى (تنصّت)، وهو الخطأ الذى يذكر استاذنا أنيس منصور أنه أول من نّبه إليه وصححه وتبعته الصحف ووسائل الإعلام فى ذلك التصحيح.
وفى هذا الصدد، فإن دواعى الموضوعية المهنية تقتضى الإشارة إلى أن الصحافة الشامية.. السورية واللبنانية والتى نقلت خبراتها وأساليبها إلى الصحف الخليجية.. كانت الأكثر التزامًا بالاستخدام الصحيح للكلمات والمفردات العربية.
ولعل السبب فى التغيير الذى طرأ على صحفنا المصرية فى السنوات الأخيرة من حيث الصياغة الصحفية للموضوعات والأخبار والعناوين يرجع إلى اشتغال أعداد غير قليلة من الصحفيين والمصريين فى الصحف الخليجية خاصة فى عقدى السبعينات والثمانينات من القرن الماضى، وهى الصحف التى كان يتولى إدارتها صحفيون لبنانيون وصبغوا تلك الصحف بأساليبهم فى كتابة العناوين والأخبار والموضوعات، وهو الأمر الذى تأثر به الصحفيون المصريون وانعكس على أدائهم المهنى بعد عودتهم إلى صحفهم المصرية.
ومن الملاحظ أن من بين ما تأثر به الصحفيون المصريون من حيث الصياغات والأساليب الشامية هو استحداث كتابة ما يعرف بالعنوان التمهيدى (باى لاين) قبل العنوان الرئيس، وهو ما لم يكن معمولاً به فى الصحافة المصرية قبل ذلك.
يبقى توضيح ضرورى ومهم وهو أن تلك الملاحظات والانتقادات ليست دورسًا فى اللغة العربية، وليست نوعًا من التزيد أو الاستعلاء، أو تقليلًا من قدر الصحافة المصرية العريقة والرائدة فى عالمنا العربى والشرق الأوسط، بقدر ما هى نقد ذاتى يستهدف التصويب والتصحيح الذى أحسب أنه معلوم لكثيرين الذين يستسهلون استمرار تلك الأخطاء اللغوية الشائعة بحسبانها شائعة وكأن استمرارها يجعلها صحيحة.
إن الصحافة المصرية بتأثيرها الطاغى على القراء وخاصة الشباب هى مرآة الثقافة المصرية العربية بمحتواها المتنوع، ومن ثم فإنه يتعّين عليها تجنب الأخطاء اللغوية والتى لا يعرفها أنها باتت شائعة. لذا لزم التنوية والتوضيح.