حوار: إبراهيم عبد الغني
يمتلك زمام ملف مهم هو (الملف الإفريقى) يعلم كل تفاصيله..
إنه اللواء محمد عبد الواحد خبير الأمن القومى والشئون الإفريقية.
يوضح لنا في هذا الحوار خطة مصر لقيادة الاتحاد الإفريقى في 7 فبراير القادم ودور الأجهزة المعنية في حل القضايا العالقة في سد النهضة والمكالمة الهاتفية بين الرئيس السيسي والرئيس التنزاني عقب فوز شركة «المقاولون العرب» بمناقصة بناء سد «استيجرا» والدول التي تآمرت على مصر في حوض النيل.
حوار مليء بالكواليس والأسرار.. وضعنا فيه كثيرًا من النقاط على كثير من الحروف.. وإلى نص الحوار:
كيف نجحت مصر في التواصل مع دول القارة وعودتها للحضن الإفريقي بعد ثورة 30 يونيو؟
– اعتمدت القيادة السياسية على عدة ركائز منها: عدم التدخل فى الشئون الداخلية لأى دولة ودعم أى مبادرات سلام سواء كانت دولية أو إقليمية، وأن تكون متوافقة مع القانون الدولى، بالإضافة إلى الانفتاح أو
التواصل القائم على الشراكة، والمصالح المتبادلة، وليس التبعية القائمة على الانقياد أو القيادة القائمة على السيطرة والنفوذ والطمع فى ثروات الغير كما تفعل بعض القوى.
ماذا تعنى بالقانون الدولى؟
– أعنى به دعم مبادرات وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن، ولذلك فالسياسة المصرية منذ فجر التاريخ تعتمد فقط على تشجيع السلام والاستقرار للدول، ولذلك تحظى القوات المصرية لحفظ السلام بمكانة عالمية على مستوى العالم.
وما الذي استفادته مصر من عودتها للحضن الإفريقى؟
– عليك أن تعكس السؤال وتقول ماذا خسرت مصر نتيجة بُعدها عن المحيط الإفريقى، يا سيدى مصر خسرت كثيرًا من بعدها عن القارة السمراء بعد محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى إثيوبيا، فمنذ عام 1997 أعطت القيادة السياسية ظهرها لدول القارة، وبالتحديد دول حوض النيل، فأعطت الفرصة لدول مثل قطر وتركيا وإسرائيل وإيران بالتدخل مما زاد الفجوة، أو تقطيع الشرايين بين مصر وقلبها الإفريقى، وكانت النتيجة – كما ترى.
وما النتيجة؟
– النتيجة أن لجأت بعض دول القارة إلى قوى إقليمية، ودولية أخرى، وأعطت ظهرها لمصر.. وأقول صراحة: لولا غياب دور مصر الإقليمى فى إفريقيا ما عانينا من مشكلة سد النهضة، أو تراجعت الصادرات لدول القارة، أو تغلغل قوى الشر والإرهاب فى شرق إفريقيا وغربها.
هل تعتقد أن البُعد عن القارة كان مخططا؟
– بالتأكيد أن الدول الطامعة فى ثروات إفريقيا لا تريد أن تكون مصر فى قلب الحدث، وتتمنى أن تكون مشغولًا بنفسك وبشأنك الداخلى طوال الوقت، وبالتالى أقول وأنا مستريح النفس أنه كان فخًا وقع فيه الرئيس مبارك.
ولكن مصر ليست الرئيس مبارك؟
– هذا صحيح.. وكلامى لا يعنى أن أجهزة الدولة كانت غائبة ومن الظلم أو عدم الإنصاف أن أقول ذلك وإلا أين جهاز المخابرات مثلا الذى كان يترأسه العظيم الراحل عمر سليمان، وأين مؤسسة الخارجية التى لها تاريخ سياسى كبير، وصولات وجولات فى الدبلوماسية من أيام العظام محمد إبراهيم كامل، ونبيل فهمى، وعصمت عبد المجيد، وأحمد ماهر، وحتى عمرو موسى وأحمد أبو الغيط.. فمصر كانت موجودة ولكن فى غياب شبه تام لرأس الدولة وهو الرئيس مبارك، خاصة فى علاقته مع إفريقيا.
وما الذي قرره الرئيس السيسي في بداية حُكمه في 2014 وحتى الآن؟
– الرئيس السيسى رجل معلومات.. أدرك منذ الوهلة الأولى لتوليه المنصب أن أمامه تحديات منها مخطط عزل مصر دوليًا وإقليميًا، فقرر كسر هذا التحدى بالانفتاح على العالم سياسيًا واقتصاديًا فى ضوء تشابك المصالح السياسية والاستراتيجية والصراعات الدولية، ونظام العولمة، ولذلك كان لزامًا عليه التواجد – وبسرعة – على الساحة الخارجية لتحقيق مصالح مصر الداخلية، وقد نجح الرئيس فى تحقيق هدفه بنسبة 100%.
تقول بنسبة 100%.. ألا ترى أن هذه النسبة بمثابة ثقة زائدة؟
– هى نعم ثقة زائدة فى كل تحركات الرئيس، لأنها ناتجة عن واقع ملموس على الأرض.. لابد أن يدرك القارئ أن الرئيس يحرص على حضور كل اجتماعات المحافل الدولية، وإذا كان هذا عاديًا بالنسبة لقادة الدول أو الرؤساء ولكن غير العادى هو إصرار الرئيس على عقد لقاءات ثنائية على هامش هذه الاجتماعات وبالتحديد مع القادة الأفارقة لتأكيد الأواصر التاريخية وإعادة بناء الثقة بين مصر ودول القارة، كما كان أيام الرئيس عبد الناصر، ثم تدفئة هذه العلاقات وربطها بالمصالح المشتركة.
هل هناك نماذج على الأرض لتفعيل مبدأ المصالح المشتركة؟
– بالتأكيد.. فمثلا قرار إنشاء صندوق سيادى استثمارى لتنمية دول الاتحاد الإفريقى واتفاقية شراكة للقضاء على بؤر الإرهاب فى دول القارة وإنشاء مجرى ملاحى يربط بين دول المنبع فى الجنوب يبدأ من بحيرة فيكتوريا فى إثيوبيا وينتهى بدولتى المصب فى السودان ومصر، وإنشاء خط سكة حديد من الإسكندرية للسودان وحتى باقى دول القارة، وإنشاء ميناء عالمى فى الإسكندرية ليكون مركزًا لتصدير منتجات إفريقيا إلى أوروبا.
ما هى آخر التطورات في مشكلة سد النهضة؟
– سد النهضة حلم إثيوبى قديم لم يتحقق إلا مع ثورة يناير فى 2011، حيث تم استغلال الأحداث الداخلية فى وضع حجر الأساس فى شهر أبريل من نفس العام.. والسبب أن مصر انشغلت بشئونها الداخلية، وقد كان المجلس العسكرى معذورًا فى ذلك لضخامة التحديات فى ذلك الوقت، فإما أن تكون دولة أو لا دولة.
وماذا بعد شرح هذه الحقيقة المُرة؟
– بعد ذلك تولى محمد مرسى الحُكم ولم يتخذ أى خطوة فى شأن سد النهضة، بل إن الاجتماع السرى العلنى الخاص بسد النهضة قد زاد الفجوة بين مصر وإثيوبيا، وكشف حجم ومستوى تفكير مرسى والذين معه فى مثل هذه القضايا الكبيرة والخطيرة، إلى أن جاءت ثورة 30 يونيو وتولى الرئيس السيسى مقاليد الحُكم.
ما هو أبرز موقف اتخذته القيادة السياسية بشأن سد النهضة؟
– أهمها اتفاقية إعلان المبادئ والتى أكدت وأثبتت وألزمت دول المنبع، وبالتحديد إثيوبيا بحصة مصر من مياه النيل، وألا تقل حصة مصر قطرة مياه واحدة. وأن مصر لا تعارض أى تنمية لأى دولة من دول الحوض، ولكن لا يكون على حساب مصر.
وماذا عن اللجنة التساعية التى سمعنا عنها فى الإعلام كثيرًا ولم نعرف التفاصيل؟
– هو أن تكون هناك لقاءات دورية بين زعماء مصر والسودان وإثيوبيا بهدف الحوار والتفاهم وتذليل العقبات أمام اللجان الفرعية وأعضاء اللجنة التساعية التى تضم وزراء خارجية الدول الثلاث، ورؤساء أجهزة الاستخبارات ووزراء الرى للدول الثلاث أيضًا.
إذن فاللجنة حملت اسمها من عدد أعضائها؟
– هذا صحيح.. حيث يقوم الأعضاء بمناقشة كل المشاكل، وطرح الحلول وعرضها على رؤساء الدول الثلاث لاتخاذ القرار المناسب والسريع.
هل اعترضت اللجنة المصرية على بعض الأمور الفنية بالسد؟
– طبعًا اعترضت، ورفضت التسليم بالأمر الواقع، ورفعت تلك المطالب أو الاعتراضات للجانب الإثيوبى، وأعطت ورقة من تلك الاعتراضات أيضًا للمكتب الاستشارى الفرنسى الذى يقوم بتعديل الدراسات الفنية اللازمة.
وهل استجاب الجانب الإثيوبى لتلك الاعتراضات أو المطالب؟
– لا بد من الاعتراف بأن هناك تباطؤًا من الجانب الإثيوبى فى تنفيذ المطالب أو الموافقة عليها.
ما أهم هذه الاعتراضات من وجهة نظرك؟
– هى سنوات ملء السد، فالجانب الإثيوبى يطالب بـ 3 سنوات والجانب المصرى يطالب بـ 9 سنوات حتى لا يؤثر ذلك على حصة مصر، بالإضافة إلى الفنيات الأخرى التى لا داع لذكرها.
ماذا عن رأيك في تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبى «أبى أحمد» أن السد لن يرى النور قريبًا حتى عام 2022؟
– لا بد أن نعرف الخلفية التى جاء منها «أبى أحمد»، فهو من قبيلة «الأورمو» وهى قبيلة صغيرة مقارنة بقبائل «التيجرا» الحاكمة منذ وصول «ميليس زيناوى» رئيس الوزراء الأسبق للحكم.. كما أنه قريب من النخب السياسية الفاعلة والحاكمة.. وهو أراد بهذا التصريح أن يكشف بطريق غير مباشر الأخطاء التى وقعت فيها «التيجرا».
وماذا عن الخلفية العسكرية التى جاء منها «أبى أحمد»؟
– هو فعلًا جاء من خلفية عسكرية، حيث خدم لفترات طويلة فى جهاز الأمن العسكرى أو ما يعرف بالمخابرات الحربية، فهو يعرف جيدًا كيف يضع قدمه، ومتى يتكلم، ومتى يسكت، ويعى جيدًا ما يقول.
معنى هذا أن تصريحه بأن سد النهضة لن يرى النور قريبًا كان بمثابة رسائل موجهة؟
– نعم.. التصريح به رسائل موجهة للداخل وهى أن الشركة المنفذة للسد وهى تابعة للقوات المسلحة الإثيوبية بها فساد مالى وإدارى كبير، ولا بد أن تخرج من المعادلة، وبالفعل أطاح بها «أبى أحمد» بعد تصريحه بـ 48 ساعة.
كما توجد رسالة موجهة للخارج وبالتحديد مصر والسودان، وهى رسالة طمأنة بتأجيل ملء السد وعدم الإضرار بمصالح مصر المائية، وهو أن يتم الملء طبقًا للمعايير المعمول بها فى مثل هذه الحالات والظروف التى تمر بها مصر وتعرضها للشح المائى، أو المجاعة المائية لا قدر الله.
لماذا يستمر الإعلام المعادى بموقفه المخزى ضد مصر؟
– أنت تعلم أن الإعلام المعادى يقف لمصر بالمرصاد، وهذا إن دل فإنما يدل على خوفهم من مصر قيادة وحكومة وشعبًا والقيادة السياسية تعلم ذلك جيدًا، ولا تنظر للخلف أبدًا، فكل ما يهم الرئيس هو بناء مصر وتحقيق التنمية لدول القارة مجتمعة.