صالون الرأي
دولة الفقيه
By amrأبريل 02, 2018, 20:19 م
1364
أكبر فاجعة أصابت المسلمين.. وفاة النبى صلى الله عليه وسلم.. سبقها إشارات واضحة فى القرآن الكريم.. «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ…» آل عمران: 144.. «وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ» ألأنبياء: 34.
وفى حديث أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر فقال: «إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ماشاء، وبين ما عنده فاختار ما عنده..» اللفظ للمسلم فى فضائل الصحابة رقم 2382.
انتقل النبى إلى الرفيق الأعلى.. لم يقل صراحة من يخلفه.. واجتمع الأنصار فى سقيفة بنى ساعدة.. ليختاروا الصحابى الأنصارى الجليل سعد بن عبادة.. لحقهم المهاجرين على رأسهم أبى بكر وعمر رضى الله عنهما.. وبايعوا أبا بكر خليفة رسول الله فيما عُرف ببيعة أهل الحل والعقد.
ثلاثة آراء فى من يخلف النبى صلى الله عليه وسلم.. فرقة قالت بخليفة من الأنصار.. وفرقة قالت بخليفة من المهاجرين من قريش.. وثالثة قالت بأحقية على بن أبى طالب رضى الله عنه.. والعباس بن عبد المطلب عم النبى صلى الله عليه وسلم.. بدأ الخلاف سياسيًّا.. وحتى فرقة الأنصار فى أوقات الشدة التى لحقت المسلمين بعد ذلك كان صوت توليهم الخلافة يتردد وإن كان ضعيفًا غير مسموع.
ظل صوت أولوية أبى بكر من جهة وعلى والعباس رضى الله عنهم من جهة أخرى بالخلافة وما يترتب عليه من آثار مترددا كصراع «سياسى» ونشأت عنه فرقة سياسية «الهاشميون».. جمعت الذين يؤمنون بأحقية آل النبى «على والعباس» بالخلافة.. وتعاونوا بينهم ضد خلافة بنى أمية حتى سقط «بنى أمية» وجاءت خلافة «العباسيين» دون «العلويين» – الذين يرون بأحقية على بالخلافة – فتحول ما هو سياسى من طرف المطالبين بأحقية «على» إلى فصيل دينى عقدي.. حولت فكرة سياسية لطائفة دينية.
الأمر يفسر أن عددًا كبيرًا من أئمة الشيعة يعتبرهم السنة «علماء» يؤخذ عنهم.. لسبب بسيط أنهم لم يكونوا «شيعة».. لم يوجد ما يسمى شيعة وقتها.. حتى حولت السياسة أهل الملة الواحدة إلى «طائفتين».. وأصبحت فكرة سياسية «الخلافة» أو ما أطلق عليها بعد ذلك «الإمامة» إلى حجر زاوية فى عقيدة «الشيعة» يوالون ويقتلون «بسببه».
ارتبط الدين عندهم بالإمام «المعصوم» ووجوده.. لأن الناس احتاجوا إلى إمام لكونهم غير معصومين.. والإمام لا إمام له.. والإمام أفضل من كل واحد فى رعيته فى كونه أكثر ثوابا عند الله فى الفضل.. والله تعالى ناصب الإمام.. عالما بجميع الشرع فى حياة النبى صلى الله عليه وآله، أو الحسن والحسين وحياة أبيهما».. والأهم.. يجب أن يكون الإمام منصوصًا عليه.. «الطوسى» الاقتصاد لـ «الطوسى» ص 189: ص 196 بتصرف.
اعتمدا على عدم جواز إمامة «المفضول» «باعتبار عليا أفضل من سابقيه فى الخلافة» باستثناء الشيعة الزيدية الذين قالوا بجوازها.. فصاروا إلى أهل السنة أقرب منهم إلى الشيعة حتى تدخلت دولة الفقيه وحولتهم إلى اثنى عشرية.
والإمام أصل الدين وقوامه.. و«الأرض لا يجوز أن تخلو من إمام».. إلا أنها خلت وغاب الإمام الثانى عشر.. محمد بن الحسن بن العسكرى أو «محمد المهدى».. وتعطلت كثير من عقائد الشيعة وتخبطوا بينهم كثيرا.. وتوقفت عقيدتهم عند انتظار الإمام الغائب فى عام 260 هجريا.. 876 ميلاديا.. حتى وقتنا هذا.
إشكالية كبرى واجهت الشيعة.. حلوها جزئيا بولاية الفقيه فى أمور الفقه دون أمور الولاية الكبرى حتى طورها مصطفى أحمد الموسوى الذى عرف بعد ذلك بـ «الخمينى» لينقل الفقيه من ولاية الأمور الفقهية إلى الولاية العامة أو الإمام.. وأورد ذلك فى كتابه الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه».. باختصار أعطى للفقيه ما للإمام الغائب.. وجعل من نفسه فقيها.
نقل «الخمينى» الشيعة من «الغيبة» إلى الدولة.. وحصر الدولة فى نفسه.. وفى خطاب وجهه «الخومينى» فى عام 1988 إلى الرئيس الإيرانى على الخامئنى» وقتها.. و«إمامها الفقيه» حاليًا قال ردًا على انتقاده فى خطبة جمعة: «يبدو من حديثكم فى صلاة الجمعة، ويظهر أنكم لا تؤمنون أن الحكومة تعنى الولاية المخوَّلة من قبل الله للنبى صلى الله عليه وسلم مُقدَّمة على جميع الأحكام الفرعية الإلهية. لا بدّ أن أوضِّح أن الحكومة شعبةٌ من ولاية رسول الله المطلقة، وواحدة من الأحكام الأولية للإسلام، ومقدمة على جميع الأحكام الفرعية، حتى الصلاة والصوم والحج».
فى خطبة الجمعة 23 فبراير 2018 قال إمام جمعة طهران كاظم صديقى: «إن من يعارض «ولاية الفقيه» حكمه الإعدام».. وفى الخامس من الشهر نفسه اعتقلت دولة الفقيه حسين شيرزازى.. نجل صادق الشيرازى مرجع الشيعى الشهير فى قم بسبب انتقاده «الخامئنى الإمام الفقيه» ورفضه ولاية الفقيه.
الواقع الذى حدث بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم يجعل للمسلمين سعة من أمرهم فى اختيار حاكمهم فـ «أبى بكر» جاء ببيعة أهل الحل والعقد.. وعمر جاء بتعين مباشر من «أبى بكر» و»عثمان بن عفان» جاء بشورى النخبة» وعلى بن أبى طالب جاء ببيعة أهل المدينة ومن فيها.. والحسن بن على جاءت بيعته الحاحا من قيس بن سعد وتابعه الحاضرون فى ذلك.. وجاءت خلافة معاوية تنازلًا من الحسن وحقنًا للدماء.. وورث معاوية ابنه زيد.
أشكال متعددة من تداول الحكم.. اختصرتها ولاية الفقيه فى دولة الفقيه.. واختزلتها دولة الفقيه فى «الخمينى».. وسعى الخمينى ووارثه «الخامئنى» لدول عربية اشتعلت بصراعات لأجل دولة الفقيه.
ما يحدث فى العراق.. وسوريا.. واليمن.. وقريبًا «لبنان» سببه «دولة الفقيه».. بأسماء مختلفة أهمها «تصدير الثورة الإسلامية».. إلا إنها ثورة ستحكم بالإعدام على أبنائها.. إن لاحت فى ذهنهم مخالفتها.