انتهى التهريج والمرح الذى كنا نحاول به الخروج من حالة الشد العصبى أو حمى ما قبل البداية التى انتابتنا ليلة العاشر من رمضان أى مساء يوم الجمعة، وما أن خلا كل منا بنفسه وتمدد على سريره الميدانى داخل الخيمة، انتظارا للتحرك فى الصباح إلى المطار الذى سوف نستقل منه الهليكوبتر إلى منطقة عملنا فى عمق العدو، إلا وبدأت الظنون والخواطر تتخاطف كل منا، والأسئلة الإجبارية التى لا مفر منها أخذت تقفز إلى رؤوسنا طلبا للإجابة.
هل استعدت للمهمة التى ستقوم بتنفيذها؟
هل كان الإعداد لهذه المهمة كافيا؟
والكثير والكثير من الأسئلة.. والخواطر؟
لقد مرت بنا ليال وأيام.. تدربنا فيها على كل فنون القتال والعمل خلف خطوط العدو فنيا وبدنيا ونفسيا. لقد تلقينا كل ما تحتاجه من معلومات عن العدو، وكذلك كل المعلومات التفصيلية عن مسرح العمليات وكل تضاريسه وطبوغرافيته من جبال ووديان وسهول وهضاب ودروب، ومصادر إعاشة وسكان محليين.. لقد درسنا كل شبر فى سيناء وحفظناها عن ظهر قلب،أيضًا فنون الملاحة البرية والإخفاء والتمويه والخداع وكل طرق الحصول على المعلومات عن العدو وكيفية إرسالها باستخدام الأجهزة اللاسكلية عالية الإمكانات، وكيف نهرب من أجهزة ومعدات العدد الإلكترون?ة التى تلاحقنا وتحاول اكتشافنا مرت تلك الليلة سريعًا.. وأشرقت شمس العاشر من رمضان، بعد كنا قد فرغنا من صلاة الفجر وإنصرف كل منا إلى رجالى أى أفراد مجموعته، يتم عليهم ويتأكد من إستعدادهم ولم يمر وقت طويل حتى تم استدعائى إلى خيمة القيادة لتلقى مهمتى النهائية فأتوجه فورا إليها ليستقبلنى قائد الكتيبة بالترحاب والبشاشة وهو يقول لى «إنه يومك با بطل.. هل أنت جاهز؟» فأرد عليه بإرادة صلبة..
تمام يا فندم».
ويبدأ فى تلقينى بالمهمة النهائية التى تشمل توقينات وأماكن العمل بالتفصيل لأنصرف من خيمته إلى حيث رجالى «مجموعتى» فأخصص لهم المهمة، ثم نستعد للتحرك فى صحبة قائد الكتيبة إلى مطار الإقلاع، الذى وصلنا إليه فى حوالى الساعة الثانية عشرة ظهر 3، لنجده أشبه بخلية النحل، كل يعمل فى صمت وبجدية تامة ولا يكاد ينظر إلا أمامه.
وطبقا لأسلوب العمل المتفق عليه والمعمول به فى مثل هذه المواقف انضم كل قائد مجموعة من مجموعاتنا، إلى الطيار الذى سوف يتولى دفعه وإيصاله إلى منطقة عمله خلف خطوط العمل، بالهليكوبتر قيادته. وكان ذلك فى صالة كبيرة نسبيا وبها عدد من الترابيزات التى وضعنا عليها خرائط العمل، وانشغلنا فى إجراء التنسيق أى تنظيم التعاون فيما بيننا وفى هذه الأثناء ونحن فى حالة إنشغال تام بما نقوم به، فإذا بى وأنا أمد بصرى خارج الصالة من أحد النوافذ الكبيرة الموجودة بها، أشاهد طائرة كبيرة هى الطائرة القاذفة الاستراتيجية طراز تى يو 16» ?هبط على الممر المواجه لنا فى المطار، وقد لفت نظرى أنها تجر خلفها «المظلة الفرملية» التى تساعدها على التوقف السريع فى أقل مسافة من الممر.
فأدفع الطيار الذى إلى جوارى فى كتفه وهو مشغول – لألفت انتباهه وأنا أشير إلى الطائرة قائلا.. ما هذا؟ فينظر إليها لثوان معدودة ثم يقفز من مكانه وهو يهتف فى زملائه المشغولين أيضًا حولنا.. الضربة تمت، لقد تمت الضربة الجوية.
وننظر جميعا إلى بعضنا البعض فى تعجب، هل بدأت الحرب؟ نعم.. لقد بدأت الحرب.
اللهم انصرنا.. اللهم انصرنا.
د. نصر سالم