https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

 تطوير عشوائيات السلوك والأخلاق

3425

العشوائية كلمة يتكرر استعمالها لوصف وضعية عمرانية أو حالة فكرية أو سلوك إنسانى، ولكن هل هناك اتفاق على معنى أو مفهوم محدد للكلمة؟
معنى «عشوائية» فى اللغة أنها عمل على غير بصيرة، ومعنى «عشوائى» طائش متسرع ولا تَبَّصرُ فيه أو رؤية.
وإذا كان الشىء يعرف بضده.. فبدون معرفتنا للنظام فكيف سنعرف العشوائية، خاصة وأن هناك مساحة تداخل بين الاثنين، فكل نظام به مساحة عشوائية، وكل عشوائية بها نقطة نظام، وفى مصر عادة ما تجتمع الأضداد.
فمن فوضى مواقف الميكروباص إلى التكاتك التى تسير عكس الاتجاه إلى عبث الموتوسيكلات، والاستخدام الهستيرى لآلات التنبيه، وبائعى الفاكهة الذين يفترشون الطريق والمقاهى التى تحتل الأرصفة، كلها مظاهر عشوائية للحياة اليومية فأصبحت العشوائية أسلوب حياة.

وملف العشوائيات فى مصر قديم يعود إلى عام 1924 بظهور منطقة عزبة الصعايدة فى حى إمبابة، وبدأ التعامل معه بشكل جدى منذ عام 1991 بإنفاق 3 مليارات جنيه لتطوير عدد محدود من العشوائيات، ورغم الجهود فإن حجم المشكلة أخذ فى الازدياد حتى صارت العشوائيات ظاهرة مصرية، وكانت سياسة التعامل مع العشوائيات تستهدف العمل على تطوير البنية الأساسية من مياه وصرف صحى وكهرباء وإنشاء طرق.
والعشوائيات مناطق نشأت على حدود المدن غالبًا فى أراض زراعية غير مسموح بالبناء عليها، شوارعها ضيقة لا تسمح بسهولة الحركة، كثافتها البنائية عالية تمنع الإضاءة والتهوية الجيدة، فقيرة الخدمات والمرافق ولا مكان فيها لحديقة أو أماكن ترفيهية.
وفى تلك العشوائيات نجد أن الشريحة الأكبر من البشر يفتقدون للوعى العام والوعى الاجتماعى وتدن واضح فى مستويات التعليم، وانتشار سلوكيات «البلطجة» فى ظل غياب الأمن، ومع اختفاء كثير من الحِرف وتراجع العمل المهنى انتقلت شريحة ليسة بالقليلة من العمل الحرفى إلى الخدمى كالسواقة للميكروباص أولاً ثم التوكتوك، فلم تعد هناك أى قيمة للتعليم، وبالطبع فى العشوائيات لا يوجد وعى بيئى، بل ويوجد عداء للبيئة من قتل للحيوانات الأليفة وقطع للأشجار وإهدار للمياه وانتشار للقمامة فى كل مكان.
ومعظم هؤلاء البشر من ساكنى العشوائيات يعانون من التجاهل والتهميش بل والعزلة المجتمعية، وتعرضوا للإهمال لعقود طويلة.
إن الحياة فى العشوائيات المزدحمة، ووجود أسرة كاملة فى غرفة واحدة مع دورة مياه مشتركة، وطوابير فى كل مكان.. أمام المستشفى، الميكروباص، السجل المدنى، مكتب التموين.. وسط هذا الزحام تتبخر الأخلاق وتنمو العدوانية والأنانية ويتصور الإنسان أن تحقيق أهدافه لن يتم إلا على رقاب الآخرين، فتختفى الرحمة وتسقط الإنسانية، وسط الزحام تغيب الفضيلة وينتشر التحرش، فثقافة الزحام لا تصنع بشرًا أسوياء.
كارثة المخدرات أيضًا سبب رئيسى لانهيار الأخلاق ومنظومة السلوك، فما بين الترامادول والاستروكس سقطت الأخلاق وأصبح الحديث عنها مثل من يؤذن فى مالطا.
وتخبرنا الأرقام عن حجم تجارة الموت التى تلتهم ملايين الشباب.. وكم من جرائم الأسرة تقف وراءها المخدرات، وكثير من جرائم البلطجة والقتل فى الشوارع تقف وراءها المخدرات، وكثير من جرائم الخطف والاغتصاب والتحرش تقف وراءها المخدرات.
إن ما حدث ويحدث من جرائم أسرية يجب أن يهتم به الجميع ويبحث أسبابه ويضع العلاج لها، فما الذى يدفع آباء وأمهات لقتل أبنائهم؟ وما الذى يدفع شباب للانتحار؟ ولماذا ينشغل الناس بالتفاهات؟ ولماذا ينحدر الذوق؟.. كلها تحولات سلبية وانهيار للقيم والأخلاق وظواهر تكاد تعصف بالمجتمع.
إن انهيار الأخلاق له أسبابه التى نعلمها وأولها الفقر، فلا يمكننا أن نتجاهل قضية الفقر كسبب لفساد الأخلاق، فحين يدخل الفقر من الباب تهرب الأخلاق من الشباك، وتختفى كل أركان القيم والفضيلة أمام احتياجات البطون الجائعة.
ثانى الأسباب قضية الأمية، وهى واحدة من الجرائم الكبرى فى حق الشعب، ففى مصر 18.4 مليون أمى يمثلون 25.8% من عدد السكان – من سن 10 سنوات فأكثر – وهذا من إجمالى عدد سكان هذه الشريحة التى تبلغ 71.4 مليون نسمة، فالأمية هى أخطر أمراض مصر، فهى أساس التخلف والإرهاب وغياب الوعى.
ومازال إلى اليوم الملايين يعانون الأمية وسط عالم تقدم فى كل شىء.
ومنذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى الرئاسة بدأ التعامل مع العشوائيات بسياسة جديدة تعتمد على هدم أحياء كاملة وإنشاء أخرى، فكانت «الأسمرات» و«أهالينا» و«بشاير الخير» و«روضة السيدة» و«المحروسة» وكل منها يحكى قصة نجاح حولت اليأس إلى أمل ومنحت للحياة طعمًا ولونًا بعد أن كانت أقرب إلى الموت داخل العشوائيات.
إن التطوير وإن كان عمرانيًا حيث وفّرت الدولة المسكن الذى يلبى الاحتياجات الأساسية، فيجب أن يكون هناك جهد مواز لبناء إنسان واع يشارك فى جهود التنمية التى تتبناها الدولة، وهو ما يحدث بالفعل فى حى الأسمرات الذى يضم ما يقرب من 18 ألف وحدة سكنية لأهالى المناطق العشوائية، فلم تقتصر عملية التطوير على النقل لمساكن جديدة فقط، وإنما سعت الدولة إلى الارتقاء بمهارات وفكر وثقافة هؤلاء المنقولين خاصة الأطفال والشباب لبناء جيل واع ومتطور قادر على التنمية والعطاء، فتقام مهرجانات للمرأة، ومعارض لمنتجات المصانع القائمة فى حى الأسمرات، وقامت مدارس تحيا مصر بعرض ما صنعه طلاب المدارس، وأقيم دورى كرة قدم على ملاعب الأسمرات، وأيضًا إقامة عروض مسرحية وغنائية بمشاركة أطفال وشباب الحى، وكذلك تنمية الحرف والأعمال اليدوية.
وتأمل الحكومة فى إنهاء مشكلة العشوائيات بحلول عام 2030، وقد بلغ ما تم إنفاقه على تطوير العشوائيات خلال 5 سنوات 21 مليار جنيه، ليقترب حلم «مصر بدون عشوائيات» من أن يصبح حقيقة بعد أن كان ضربًا من الخيال لعقود طويلة، فمن حق كل مواطن أن يحيا فى مسكن آدمى يحفظ كرامته، وهى خطوة أولى فى مسيرة الإصلاح والتنمية، يعقبها خطوات أساسية أخرى كالقضاء على الأمية ومكافحة المخدرات، كل ذلك ليس من أجل استعادة الأخلاق وتهذيب السلوك فقط، ولكن من أجل إنقاذ المواطن المصرى، فبناء وتقدم المجتمع يحتاج إلى مواطن صالح نافع لأهله ووطنه.