نتذكر معًا الصورة الشهيرة للمواطن العراقى بسجن أبو غريب، والواقف فيها كخيال المآتة أو كالشبح، ولا ترى فيها ملامحه بسبب تغطية جسده ورأسه بقطعة قماش سوداء، ويكشف على القيس المواطن العراقى صاحب هذه الصورة لقناة روسيا اليوم، عما ذاقه من ألوان العذاب، وأن الأيام والشهور كانت تمر عليه كأنها دهر وتمنى فيها الموت، ويأتى حديثه هذا بمناسبة مرور الذكرى الـ 15 على الغزو الأمريكى العراقى، ويقول كلما كان يحاول معرفة تهمة اعتقاله بسجن أبو غريب، لم يجبه أحد، ويذكر أن الشخص المعتقل أول ما يدخل إلى السجن يربطه الجنود الأمريكان على الباب، ويصعقوه بالكهرباء ويتبولون عليه، فضلا على ممارسة التعذيب فى أماكن حساسة، وروى عن مشهد حدث أمامه لاغتصاب طفل أمام والده.

وبعد انتشار فضيحة انتهاكات الجيش الأمريكى فى العراق، تمت محاكمة مرتكبيها، وحوكم بعضهم بـ 8 سنوات سجن ثم خففت العقوبة إلى 8 شهور، وهذا ما حدث فى عهد بوش الابن، ومازالت تستمر سلسلة جرائم قادة أمريكا فى حق الشعوب، فقبل مرور العام الأول من حُكم ترامب يتم منح إسرائيل ما يشبه التصريح بإشارة البدء فى تصعيد إجراءاتها التعسفية ضد الفلسطينيين، فمنذ إعلان ترامب فى ديسمبر الماضى بأن القدس عاصمة لإسرائيل وبنقل سفارة بلاده إليها، كان أول ما قامت به السلطات الإسرائيلية، اعتقال 562 طفلا فلسطينيا، ومارست عليهم أصناف التعذيب الجسدى والنفسى، وتم احتجازهم فى ظروف غاية فى القسوة، وأدلى كثير منهم بشهادات مؤلمة، الأمر الذى يولد الصدمة لدى هؤلاء الأطفال ويعزز لديهم مشاعر الغضب، وينشأون على حتمية الانتقام والرغبة فى الثأر، وكأنها تتعمد بنسف عملية السلام، وفيما بعد تم الإفراج عن غالبيتهم، ولكن مازال يقبع فى سجون إسرائيل 350 طفلا ومنهم عهد التميمى.

وبالفعل أعلنت أمريكا عن تعرى وجهها الثانى بشكل سافر، وقد ظلت لسنوات طويلة تتوارى خلف وجه يبدو عليه أنه تناصر حقوق الإنسان، وتحرس الديمقراطية والحرية فى العالم وأنها صمام الأمان، ثم عرف الجميع وتأكد بعينيه من ارتكاب جنود الجيش الأمريكى لجرائم وفظائع خلال حروبه التى خاضها فى العراق وأفغانستان والفلبين وفيتنام والصومال، وأدانت منظمات إنسانية وحقوقية انتهاكاته المتعددة ضد المدنيين العزل، واغتصابه للنساء والرجال.
ومن بين فظائع جرائمه التى سجلها التاريخ لحروبه، مذبحة قرية ماى لاى الفلبينية فى مارس 1968، حيث أمر ملازم أول أمريكى جنوده بمحاصرة القرية وحشد أهلها العزل، وأمر بإشعال النار فى بيوتهم، ثم أمر بقتل جميع سكانها خلال دقائق معدودة، وبعد فضح المجزرة وانتشار صورها، استنكرها العالم وقضت المحكمة بسجن الملازم مدى الحياة، ولم يلبث أن يمضى 5 سنوات على سجنه، حتى عفا عنه الرئس نيكسون، وفى قرية فلبينية أخرى أصدر جنــرال أمريكــى أمرًا بقتل كــل من تعدى عمـره الـ 10 سنوات، وذلك لتعدى بعض الفلبينيين على قوات أمريكية احتلت بلادهم.

وفى أفغانستان تتكرر نفس الجرائم، وتتجاهل قواته تجاوزات الجنود الأفغان التابعين لهم بحق المواطنين المدنيين، وتغض الطرف عن اغتصاب أثرياء أفغان للأطفال بصفة مستمرة، وعن تجارتهم للأفيون والمخدرات، وبناء على تلك الممارسات تقدم عدة جنرالات بالجيش الأمريكى باستقالاتهم.
وقد كشف مسئول كبير للشئون الآسيوية بوزارة الدفاع الأمريكية، عن تحمل ميزانية الولايات المتحدة بـ 45 مليار دولار سنويا منذ حربها على أفغانستان، وشكك أيضا أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى فى انتصار الجيش الأمريكى فى أفغانستان، وفى حرب تعد الأطول لأمريكا، والمستمرة منذ حوالى 17 عامًا، ومع ذلك رفع ترامب عدد قواته فى أفغانستان من 12 ألفًا إلى 14 ألف مقاتل، رغم تعهد إدارة أوباما بتقليص عدد القوات الأمريكية، ويصف المراقبون حاليا فقد الشرطة الأفغانية سيطرتها على الوضع الداخلى.
وفى سوريا تقوم ببناء قاعدتين عسكريتين فى مدينة منبنج شمال سوريا، بدلا من أن تحسم حرب الإبادة بحق الشعب السورى والمستمرة منذ أكثر من 5 سنوات، وتحاول فرض عملية السلام مع كل الأطراف، وهذا طبقًا لمزاعمها ومبادئها المعلنة بضرورة استقرار الوضع داخل سوريا.

وتلخص صحيفة ليموند الفرنسية حال أمريكا، فى أنها مصرة على تأكيد زعامتها للعالم من خلال قوتها العسكرية الساحقة، رغم كوارثها التى خلفتها فى كل بلد اقتحمته، وتضيف الصحيفة أن الولايات المتحدة تحولت من منتصر فى الحرب الباردة على الاتحاد السوفيتى، إلى دولة مهزومة فى عالم متعدد الأقطاب، وفى وقت يشهد العالم تصاعد دول اقتصاديًّا، ومع هذا مازالت تتوهم أنها ستبقى للأبد القوى العظمى، ولذلك تعرقل الصين من سيطرتها اقتصاديًّا على آسيا ومن تدخلاتها فى أفريقيا.