صالون الرأي
من أجل النيل
By amrفبراير 09, 2020, 18:23 م
1060
شغلت قضية سد النهضة الرأى العام بشكل كبير باعتبارها أمنًا قوميًّا، وأنها قضية الشعب المصرى بأكمله، فالمياه من الثوابت التى لا يمكن التنازل عنها، وأن ملف سد النهضة أصبح ملفًا له الأولوية لتأكيد حقوق مصر المائية، وحرصت مصر دائمًا على تعزيز التعاون والتواصل مع دول حوض النيل، انطلاقًا من إيمانها بأهمية دعم التنمية المستدامة والتكامل مع دول حوض النيل، وإيمانها بحقهم فى التنمية، وتؤكد فى ذات الوقت على حق الشعب المصرى فى الحياة باعتبار نهر النيل المصدر الوحيد للماء العذب فى مصر، وهو شريان الحياة وأحد أهم مقومات التنمية.
وتأكيد حرص مصر الشديد على علاقات قوية مخلصة مع أشقائنا فى دول حوض النيل مشروط بأن يبادلونا نفس الحرص، فالحياة واحدة والنهر واحد، وكان الرئيس عبد الفتاح السيسى قد أكد أكثر من مرة أن مصر تساند حق الشعب الإثيوبى فى التنمية، وتؤكد فى ذات الوقت على حق الشعب المصرى فى الحياة، باعتبار نهر النيل المصدر الوحيد للماء العذب فى مصر، لقد تمسكت مصر بحقوقها الكاملة ولم تمانع فى حق غيرها أن يستفيد، لكن الحل النهائى وإن بدا قريب، فإن مصر فى انتظار ما سيحدث فى الجولة الأخيرة للمفاوضات بعد أن سبقت الجميع بكلمتها وأظهرت كل إشارات حُسن النية.
بعد جهود ماراثونية أنهت اللجان القانونية والفنية المعنية بمفاوضات سد النهضة اجتماعاتها فى واشنطن، بمشاركة الخبراء الوطنيين من مصر والسودان وإثيوبيا، لوضع الصياغات القانونية النهائية للاتفاق الثلاثى الفنى والسياسى حول السد، وقد خرجت الاجتماعات القانونية بتصور ثلاثى مشترك، وصياغة متكاملة للنقاط الفنية المتفق عليها بشأن الجوانب المختلفة لملء وتشغيل السد.
الجولة الأخيرة للمفاوضات كانت حاسمة ومليئة بالأسرار والوثائق والمستندات التى عززت موقف الوفد المصرى، الوفد المصرى ذهب إلى واشنطن حاملاً الحجج القانونية والسياسية والتاريخية، وهى جهد سياسى وأكاديمى رائع قامت عليه مجموعة من القامات القانونية والفنية والدبلوماسية.
ويلتقى الأربعاء والخميس القادمين وزراء الخارجية والموارد المائية بالدول الثلاث، لمناقشة وإقرار الصيغة النهائية للاتفاق، تمهيدًا لتوقيع الدول الثلاث عليه فى نهاية شهر فبراير الحالى.
وقد وضعت مصر الجميع أمام مسئوليتهم بالمبادرة بالتوقيع منفردة على صيغة الاتفاق المقترح والذى يلبى المطالب المشروعة للدول الثلاث وليس لمصر وحدها.
لا شك أن تدخل أمريكا كان نقطة تحول فى مفاوضات سد النهضة بين الدول الثلاث، وكانت هناك صعوبة شديدة فى التفاهم على تشغيل السد الإثيوبى دون إلحاق الضرر بدول المصب وبخاصة مصر، فيما تعتبر مصر أن تدفق مياه النيل «مسألة وجودية»، وتمثل الإنجاز الأمريكى الأول فى جعل الأطراف تعمل تحت رعاية الولايات المتحدة ومشاركة البنك الدولى، والثانى هو وضع الأمريكيين مع الأطراف المعنية جدول للتوصل إلى اتفاق نهائى، ويعقد المفاوضون اجتماعاتهم فى مبنى وزارة الخزانة الأمريكية.
وطالت المفاوضات واستغرقت أكثر من الوقت المحدد، ويشار إلى أن الرئيس الأمريكى أثبت عدة مرات خلال المفاوضات أنه مهتم بها بصورة واضحة، فاستقبل الوفود المشاركة فى البيت الأبيض مرتين، واتصل برئيس وزراء إثيوبيا هاتفيًا، عندما تأخر الطرف الإثيوبى فى إقرار التفاصيل المتعلقة بملء السد وآليات التعامل مع حالات الجفاف أثناء الملء والتشغيل.
ويقترب الأطراف من المشهد الأخير للمفاوضات، فينتظر الجميع عودة الوزراء للاجتماع الأربعاء والخميس القادمين لإنهاء المفاوضات، وهذا ما تريده واشنطن، فالإدارة الأمريكية لديها قناعة بضرورة التوصل إلى اتفاق، وأن البدائل عن التوصل إلى اتفاق يهدد الأمن والاستقرار فى المنطقة.
ومن المتوقع أن يتم توقيع الاتفاق النهائى مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب نهاية فبراير الحالى وبحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى، ورئيس مجلس السيادة الانتقالى فى السودان عبد الفتاح البرهان، ورئيس وزراء إثيوبيا أبيى أحمد.
وخلال الأعوام الثمانية الماضية قدمت مصر كل ما يمكنها تقديمه من جهد وصبر ومحاولات توافق وبناء ثقة، حتى يتم التوصل إلى هذا الاتفاق الذى يضمن ويحافظ على تدفق مياه النيل، حياة مصر ومصدر خيراتها وكنز كنوزها، شريانها الوحيد الذى يغذى أراضيها بالخيرات ويغمر أبناءها بالنعم.