رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

زغلول وحكايته مع الشافعي

1992

أمر غريب أن يكون الزعيم سعد زغلول مؤلفا للفقه، ولم تصدق أذن لطفى السيد باشا ما قاله الشيخ مصطفى المراغى شيخ الأزهر الأسبق، أن المرحوم سعد زغلول باشا ألف كتابا فى الفقه، حتى رأى لطفى السيد بعينيه كتابه فى مكتبة الشيخ المراغي، وقد كُتب على غلافه عنوان «ألفه الفقير إلى الله تعالى الشيخ سعد زغلول الشافعى المذهب من طلاب الأزهر الشريف»، ووردت تلك الرواية فى الجزء الثانى من كتاب «الأزهر فى ألف عام» للدكتور محمد عبد خفاجي.
واللافت للنظر فى رواية الشيخ المراغي، أن هذا الكتاب يعد المؤلف الوحيد للزعيم، والطريف أن سعدا سطّر كتابه، وهو تلميذ ناشئ بالأزهر الشريف، وشيخ مبتدئ فى فقه الشافعية، وكان ملخصا لما تلقاه من دروس الفقه، واستطاع أن يمتلك مؤلفا له، ووضع له غلافا، ونشره بين الطلاب، ونفذ سريعا فور طباعته.
وبسبب نشأته بين أركان الأزهر عام 1873، والإيمان بفكرة الإمام محمد عبده، كان قراره بتأسيس مدرسة تهتم بتدريس القضاء الشرعي، وذلك حين توليه مستشار نظارة المعارف، وحينها كان الأزهر لم يطبق تدريس مواد الشريعة والقانون.
وترجع فكرة إنشائها إلى أن الإمام محمد عبده طالب تكرارا بتأسيس المدرسة، ولكن الخديو عباس حلمى الثانى وقف حائلا دونها، وماتت الفكرة مع موت الإمام، حتى أحياها تلميذه الزعيم سعد زغلول، بعد مواجهة عاصفة من أنصار الخديو عباس، وكان الهدف منها إعداد أجيال من القضاة يفهمون الشريعة الإسلامية فهما صحيحا.
وعرف التاريخ أن الزعيم كان من الندماء فى ندوات الإمام محمد عبده، وكذلك من رفقاء مجالس جمال الدين الأفغاني، وملاصقته باثنين من أساطين الفكر الديني، يمثل انعكاسا عن جذور تعليمه الأزهرى الراسخ فى وجدانه، وقيل إن بداية ما كتبه من مقالات، تنطوى على مفاهيمه الدينية، وذلك قبل أن يبلغ الثلاثين من عمره.
غير أن مرافقته للأفغانى وللإمام محمد عبده، نقلته من اهتمامه بالفقه إلى تعلم الفرع الثانى من الدين الإسلامي، وهو العبادات والمعاملات فى شئون الحياة من قضاء وسياسة وتعليم.
وامتدادًا لعقيدته الأزهرية توسع فى إنشاء الكتاتيب فى القرى الصغيرة، وضاعف من معوناتها المادية، وكان هذا من بين قراراته خلال توليه مستشار نظارة المعارف، فى عام 1906.
ورغم دراسته للحقوق فى جامعة باريس، وتعلمه اللغة الفرنسية، فقد ختمت دراسته الأزهرية بخاتم ذهبى على شخصيته، وتجلت فى قراراته عبر توليه مقاليد عدة مناصب، فلم يضع حاجزًا بين شئون الحياة وبين الدين بمفهومه الصحيح.
ووقف متحيزا مع علماء الأزهر فى كثير من القضايا المناهضة للعقيدة الإسلامية، ويعد الزعيم سعد زغلول أول رئيس وزراء مصرى يتعلم فى الأزهر الشريف منذ وزارة نوبار باشا، ومن المفارقات أنه دفن بشكل مؤقت فى مقبرة الإمام الشافعي، الذى ألّف كتابه الوحيد فى فقهه عام 1927، ثم نقلت رفاته عام 1931 إلى ضريحه بجوار بيت الأمة.