https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

اللوف “زهرة رقيقة” تحولت إلى صناعة

5892

روضة فؤاد

تصوير – خالد بسيونى

«اللوف».. هذه القطعة الخشنة التى لا يستغنى عنها أى بيت مصرى، والتى لا تكتمل النظافة الشخصية إلا بها، كما يقول الأجداد أو الأكبر سنًا، حتى أصبحت عادة تتوارثها الأجيال، هل تساءلت يومًا عن كيفية زراعتها وصناعتها حتى تصل إليك فى شكلها النهائى.. هل تعرف أنها فى الأصل كانت زهرة صفراء تشبه الياسمين، وعند جمعها من على الأشجار تكون ثمرة عملاقة مغطاة بقشرة خضراء، وحتى تصل إليك لابد أن تكون مرت بمراحل تفتيح وتصنيع، حتى تكون فى يدك بالشكل المتعارف عليه، وبلونها الأصفر المميز؟
«أكتوبر» ترصد فى التحقيق التالى مراحل زراعة وصناعة اللوف منذ البداية، من خلال معايشة ميدانية لهذه التجربة، داخل قرية «النجارين» بمدينة مطوبس بمحافظة كفر الشيخ، أحد أيام موسم حصاد اللوف، نرى كيف يجمعه الفلاحون من على الأشجار، ثم تأتى مرحلة الغرز و «التعطين» فى المياه، وبعدها التقشير، والغسيل، ثم التجفيف، حتى يصل لمرحلة التصنيع.
كسائر المحاصيل الأخرى، تشتهر محافظات محددة بزراعة اللوف؛ وهى الشرقية، البحيرة، وكفر الشيخ، حيث إن طبيعة الأرض والمناخ فى تلك المحافظات تناسب زراعته، وعلى الرغم من أن محافظة الشرقية كانت السبّاقة فى تلك الزراعة، فإن كفر الشيخ أصبحت حاضرة بقوة، وكما يقول «عبد الحميد عمران» صاحب أحد مصانع اللوف فى قرية النجارين، ويعمل فى هذه المهنة منذ 40 عامًا، فإن تميز اللوف الذى يزرعونه جعل عليه إقبالًا من الأسواق الخارجية، مضيفًا تتميز اللوفة التى تتم زراعتها فى كفر الشيخ بكبر الحجم، بعكس اللوفة التى تتم زراعتها فى الشرقية أو قرية أبيس بالإسكندرية، حيث تكون قصيرة الحجم، وغير مناسبة للتصدير.
مؤكدًا هذه المحافظات الثلاث فقط هى التى تشتهر بصناعة «اللوف» حيث لا يمكن زراعته فى مناخ شديد الحرارة، ولذا عندما حاولنا أن نضع بذور اللوف فى أرض إحدى محافظات الصعيد على سبيل المثال، فإن شدة الحرارة تُميت النبتة، فزراعة اللوف تحتاج لمناخ معتدل ورطب، وهو ما يتوفر فى تلك المحافظات الثلاث».

بدأنا جولتنا فى القرية فى موسم حصاد اللوف، لم نكن نحتاج لأن نعرف ذلك مسبقًا، فبمجرد سيرنا داخل القرية، لفت نظرنا شكل أسطح البيوت التى يتراص فيها اللوف بجوار بعضه ليجف فى الهواء أو «يضعوه فى الشمس»، قبل أن يتم بيعه للمصانع المتخصصة فى تصنيعه.
«زراعته سهلة ومكسبه حلو» يشرح عبد الحميد سبب إقبال الفلاحين داخل القرية على زراعته، موضحًا أن مكسب الفدان الواحد من اللوف يمكن أن يصل إلى 40 ألف جنيه فى الموسم الواحد، كما يمكن للفلاح أن يزرع أى محاصيل أخرى حتى قبل انتهاء موسم حصاده، فهو لا يؤثر فى المحاصيل الشتوية، ويتابع قائلًا «يوجد نحو عشر قرى فى مركز مطوبس تشتهر بزراعة اللوف، فهناك 500 أو 600 فدان مزروعة لوف تنتج حوالى مليون و300 ألف لوفة فى الموسم الواحد».
بينما نتابع الفلاحين وهم يقومون باجتهاد وتركيز شديدين بجمع اللوف من الأشجار، بعد التأكد من نضجها بشكل كامل، يقول أحد الفلاحين الذين يجمعون الثمرات بعد أن تجاوزت مراحل النمو الأخيرة لها «معرفة نضج الثمار ليس بالأمر السهل، فهو يحتاج مزارعين على خبرة ودراية جيدة بهذه الزراعة، حتى لا يتم قطف الثمار قبل آوانها».
يشرح لنا العديد من الفلاحين مراحل زراعة اللوف منذ البداية، حيث تبدأ الزراعة فى شهر أبريل من كل عام، ويبدأ الحصاد من شهر سبتمبر، وينتهى تمامًا فى شهر نوفمبر، وتبدأ أولى المراحل بزراعة بذور اللوف السوداء فى الأرض، وعندما تستقر النبتة فى الأرض، تنمو بشكل نشيط، وتبدأ فى إنتاج الثمار بكميات كبيرة، وعلى أعمدة خرسانية يتمدد نبات اللوف ذو الزهور الصفراء، وبعد نحو ثلاثة أشهر من الزراعة، تزدهر الشتلات، وتنمو الثمار، ويكون شكلها مثل ثمرة كبيرة مغطاة بقشرة صلبة، أو كمان يقول المزارعون «شكل الخيارة بس كبيرة شوية».
فى هذه المرحلة قد يواجه المزارعون مشكلة تتعلق بالعنكبوت الأحمر الذى قد يصيب الورقة، وعلى الرغم من أنه يتم التعامل معه بالمبيدات المعتادة، إلا أنه لا يُقضى عليه نهائيا، مما يؤثر على إنتاجية اللوف، ويسبب خسائر كبيرة للمزارعين، ويقول أحد المزارعين « نأمل أن يكون هناك تدخل من أى مسئول لمساعدتنا فى هذا الأمر، حيث إننا نعانى بشدة من العنكبوت الذى يتسبب فى شلل بالورقة، ولا نعرف كيفية التعامل معه، حيث إن المبيدات لا تكون فعالة طوال الوقت».
لا تنتهى مهمة الفلاح عند قطف الثمار كما يقول «حمزة الباجورى» أحد تجار اللوف فى محافظة كفر الشيخ، فبعد أن تنضج ثمار اللوف وتصبح جاهزة للتقشير، تبدأ مرحلة أخرى لا تقل أهمية، وهى الغرز والتعطين، فيقوم العامل بالنزول إلى مياه الترعة، وغرز اللوفة لمدة يوم أو يومين على الأكثر – نتابع تلك العملية التى لا تحتاج لخبرة مسبقة مثل عملية قطف الثمار كما يقول الفلاحون، فى اليوم التالى يتم انتشال اللوف وتقشيره، ثم غسله وتنفيضه جيدًا حتى يصبح نظيفًا تمامًا، وبعد الانتهاء من غسله جيدًا، يتم نشره تحت أشعة الشمس على الأرض أو الأسطح لكى يجف تمامًا، ويشدد حمزة على أهمية ترك اللوف كى يجف بشكل كامل، لأنه إذا تم جمعه قبل ذلك، فيمكن أن يفسد أثناء عمليات التصنيع.
لا يتبقى سوى مرحلة أخيرة يقوم بها المزارع، قبل أن تنتقل المهمة إلى المصانع التى تقوم بالتفتيح، والتبييض، والتقطيع، حيث يقوم المزارعون بفرز المحصول النهائى لـ «اللوف»، وتقسيمه لثلاث درجات، درجة أولى، وتانية، وتالتة، والسبب فى تفاوت درجات اللوف ترجع إلى بعض الأخطاء التى يمكن أن تحدث أثناء زراعته أو جمعه، أو وجود قطع فى اللوفة ذاتها، ومع ذلك يقول عبد الحميد «لكل درجة سعرها وزبونها الذى يطلبها»، مضيفًا، «بالطبع نخصص اللوف الدرجة الأولى لطلبات التصدير، ولكن ليس معنى ذلك أن اللوف الآخر ليس جيدًا، حيث تأتى إلينا طلبات تصدير لدرجات اللوف الأخرى».
ومع انتهاء فرز اللوف وتقسيمه تنتهى مرحلة الزراعة، لتبدأ مرحلة التصنيع والتى شهدت فى السنوات الكبيرة تطورًا كبيرًا، خلق توسعًا فى مصانع اللوف سواء فى المحافظات، أو فى القاهرة وتحديدًا فى مدينة العاشر من رمضان التى يوجد بها العديد من مصانع اللوف.
داخل أحد مصانع اللوف فى القرية يسير العمل بهمة ونشاط واضح، الكل يركز فى المهام الموكلة إليه، ودورة العمل تسير بانتظام، فهناك العامل الذى يقوم بالتبييض والتفتيح، وآخر يفرد اللوف على الماكينة، بينما يقوم آخرون بالتقطيع والقص.
يشرح لنا عبد الحميد مراحل التصنيع قائلًا « نأخذ اللوف من المزارعين بعد فرزه وتقسيمه، ونبدأ العمل على حسب الطلبات التى تأتى إلينا، فقد يأتى الزبون سواء مصرى أو من دولة عربية شقيقة، ويطلب أن يأخذ طلبية اللوف خام دون تصنيع، وهناك زبائن أخرى تريد أن تأخذ الطلبية بعد التصنيع، أى تأخذها فى شكلها النهائى، لتقوم بتوزيعها فى الصيدليات والمحلات الكبرى».
تبدأ أولى خطوات التصنيع بالتفتيح أو التبييض، حيث يتم غمر اللوف فى برميل مياه مضافًا إليه أكسجين ونشادر بنسب ومعدلات معينة، وبعد نحو نصف ساعة، يتم إخراج اللوف، ونشره فى الشمس مرة أخرى، بعدها يُفرد اللوف على الماكينة، وتُصبح كلها بنفس السُمك، يلتقط «حمزة الباجورى» أطراف الحديث قائلًا «بعد ذلك تأنى مرحلة التقطيع، وعلى حسب الطلبية التى تأتى إلينا نحدد المقاسات التى سنقطع عليها، فيأتى الزبون ويحدد اللوف الذى يريده سواء كان كف، ضهر، بيضاوى، بيبى، ولكل شكل مقاسه المعروف، ويكون لدينا اسطمبات جاهزة سواء من الحديد أو الخشب يتم وضعها على اللوفة، ثم قصها بالطريقة اليدوية أو بمقص كهربائى».
ويحدد حمزة الفرق بين الطريقتين «نفضل فى عملنا الطريقة اليدوية فى القص والتقطيع، رغم أنها تأخذ وقتًا أطول، لأن الهدر فيها يكون أقل، على سبيل المثال اللوفة الواحدة يمكن أن تخرج لنا 6 قطع، وعلى الماكينة الكهربائية قد يحدث هدر فى قطعة أو اثنين، ولكنى ألجأ إلى الماكينة الكهربائية فى حالة إذا كانت الطلبية كبيرة، ويجب إنجازها فى أسرع وقت ممكن».
لا يقتصر عمل مصانع اللوف على السوق المحلية فقط ، فيقول «عبد الحميد» إنتاجنا من اللوف يتجاوز كثيرًا الطلبات داخل مصر، وإذا لم يكن هناك تصدير، فلن نحقق أى مكاسب»، مضيفًا « بدأت التصدير للدول العربية منذ أكثر من 15 عامًا، وتعد الجزائر من أكثر الدول العربية التى نصدر لها اللوف، إضافة إلى المغرب، سوريا، لبنان، فلسطين، ولكن المشكلة التى واجهناها منذ نحو 3 سنوات تتعلق بالدخلاء على المهنة الذين لا يعرفون قواعدها وأصولها، وبالتالى أفسدوها بشكل كبير، بسبب عدم التزامهم بالاتفاقيات مع زبائنهم من الدول العربية، مما أثر علينا سلبًا، ولكن نتمنى فى الفترة المقبلة أن يعود الأمر كما كان، خاصة مع تدخل الدولة لدعم هذه الصناعة».