«لا يوجد شىء مدروس لدى الجماهير، فهم يتحركون تحت تأثير وسيلة التحريض، التي تخاطب العاطفة وتعمل على تحريك الغرائز مثل الانتقام والكراهية».
كانت الجملة السابقة هي البند الثالث في محاضرة «كيف تفهم الجمهور؟» التي كانت تُدرسها «أكاديمية التغيير» القطرية إبان عملية التحضير للفوضى الخلَّاقة (وفق المفهوم الأمريكي الذي صرحت به كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية بداية عام 2009) أو وفق المفهوم الذي أطلقته قنوات الإعلام المسئولة عن ترويج مخطط تدمير المنطقة وتفكيك الدول (الجزيرة القطرية، الـ BBC البريطانية، مونت كارلو الفرنسية، والـ CNN الأمريكية) وما سُمي بالربيع العربي.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد سبقته محاضرات عدة ضمن برنامج الأكاديمية القطرية، وما عُرِف بـ «حروب اللاعنف».
تم تدقيق البرنامج المستهدف للمنطقة ومراجعته على يد المخابرات الأمريكية والبريطانية قبل تلقينه لمسئولى الأكاديمية لتدريب العناصر عليه.
(1)
وُضِعَت خطة التحرك لتشمل فى البداية اختيار العناصر وانتقاءها وفق شروط محدَّدة بعناية، وخلال التدريب رُسِمَت خارطة المشهد السياسى فى الدول المستهدفة وعلى رأسها مصر.
شملت خارطة التكتيكات ثلاثة محاور للتحرك، ركز المحور الأول على أجهزة الشرطة، بينما شمل المحور الثانى الحكومة والإعلام والقضاء، واستهدف المحور الثالث المؤسسات الحقوقية المحلية والعالمية.. والإعلام الدولى .. والمجتمع الدولى «الدول والمؤسسات».
كانت وسائل الإعلام قد مهدت للتحرك فى اتجاه خلق الفوضى، ولم يكن مشهد الفوضى هو المشهد الافتتاحى للحراك، بل مشهد الرفض وارتداء قناع معارضة النظام، متدثرًا بعباءة حقوق الإنسان، الورقة الرابحة دائمًا لدى من يستهدف الضغط على دول المنطقة العربية أو دول العالم الثالث، كما أنها أيضًا الكارت الأقوى فى تشكيل الشرق الأوسط الجديد.
بعد إصدار تقرير «بيكر – هاملتون» الأمريكى عام 2006، والذى شكل رؤية أمريكية جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، بدأ التحرك لاستهداف المؤسسة الأمنية فى مصر كأولوية لها أسبقيتها على كافة الخطوات، وذلك لتوافر النقاط التى يمكن بها حشد الجماهير لمواجهة الأجهزة الأمنية وإسقاط المؤسسة بالكامل وبدء الفوضى لتكون اللبنة الأهم فى مخطط إسقاط الدول وإعادة ترسيم حدودها.
تضمن التحرك عدة خطوات تمثلت فيما يلى:
الخطوة الأولى:
استغلال حالة الغضب الدائم لدى أسر العناصر الإرهابية والمتعاطفين معهم، ضد أجهزة الأمن، وترديد قصص المظلومية الدائمة مما يجعلها مادة ثرية تعرضها المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية فى تقاريرها التى يتم تصديرها للمجتمع الدولى عن أجهزة الأمن المصرية، وهو ما حرصت عليه عناصر منظمة هيومن رايتس ووتش من خلال تعاملها وتعاونها مع تنظيم الإخوان الإرهابى ومركز ابن خلدون وعدد من المنظمات الحقوقية المصرية.
تم تركيز الاستهداف على جهاز المعلومات «أمن الدولة»، حيث سعى تنظيم الإخوان الإرهابى إلى تقديم صورة سلبية عن جهاز أمن الدولة مدعيًا تجاوزات الجهاز، خاصة فى أوساط الشباب والجامعات لكسب مؤيدين للتنظيم، وكانت هتافات العناصر الموالية للتنظيم الإرهابى فى كافة التظاهرات داخل الحرم الجامعى يُقحَم فيها اسم «أمن الدولة» على أنه الحائل بين هؤلاء الشباب وبين الحرية «يا حرية فينك فينك أمن الدولة بينا وبينك».
بينما كان (جهاز أمن الدولة) فى الحقيقة الحائل بين تلك التنظيمات الإرهابية وبين سعيها لخلق للفوضى وهدم الدول.
الخطوة الثانية:
تأصيل صور استخدام أجهزة الأمن للعنف ضد المواطنين، من خلال الاحتكاك بالعناصر الأمنية واحترافية العناصر الإعلامية الموالية لتنظيم الإخوان الإرهابى، وكذا عناصر المجتمع المدنى وبعض الحركات المعارضة مثل 6 إبريل وحركة كفاية، وذلك بإبراز الصور التى تظهر المصادمات والعنف من جانب الأجهزة الأمنية ضد المتظاهرين وإخفاء مشاهد الحدث الأولى التى تكشف قيام العناصر الموالية لتنظيم الإخوان بالاحتكاك بالعناصر الأمنية، وتأجيج المشهد بالمصادمات، وقد تم تنفيذ بروفة لذلك فى أكثر من واقعة كان أشهرها تظاهرات المحلة 2008 التى ظهرت بها عناصر حركة 6 إبريل.
الخطوة الثالثة:
اختيار شخصية محددة (خالد سعيد) وتوقيت محدد (عيد الشرطة) يمكن به تحطيم هيبة هذا الحدث الذى يعد أحد العلامات الفارقة فى تاريخ المؤسسة الأمنية.
تم اختيار التوقيت يوم 25 يناير الذى يواكب عيد الشرطة، وهو يوم الكرامة والفخر فى التاريخ الوطنى للشرطة المصرية.
لم يكن اختيار ذلك اليوم من قبيل الصدفة فى مصر، فقد كان الهدف واضح .. وهو استبدال يوم البطولة بيوم إعلان الفوضى.
فالملحمة البطولية التى قدمتها الشرطة المصرية يوم 25 يناير 1952 كانت ولا تزال مبعث الفخر والعزة فى تاريخ مصر، حيث اتخذت منه الشرطة المصرية عيدًا لها تحتفل به كل عام؛ ففى ذلك اليوم سالت الدماء الزكية فى معركة الإسماعيلية التى راح ضحيتها 50 شهيدًا و80 جريحًا من رجال الشرطة على يد الاحتلال الإنجليزى عندما رفضوا تسليم سلاحهم وإخلاء مبنى المحافظة، رغم قلة أعدادهم وضعف أسلحتهم؛ لتبقى كلمات قائد الملحمة البطولية النقيب مصطفى رفعت للقائد الإنجليزى: «لن تتسلمونا إلا جثثًا هامدة».
تحركت العناصر التى تم تدريبها سواء فى أكاديمية التغيير بلندن أو الدوحة، أو التى تلقت توجيهات من عناصر تنظيم الإخوان الإرهابى، فى اتجاه واحد وهو استهداف المؤسسة الأمنية، لأن إسقاطها سيفتح الباب على مصراعيه أمام الفوضى الخلاقة (الهدف الأساسى لتغيير وجه المنطقة).
الخطوة الرابعة:
الاستمرار فى تشويه صورة المؤسسة الأمنية لدى العامة خاصة فى الأقاليم، وترديد الجمل التى كان يستخدمها المتظاهرون فى الجامعات لإظهار أجهزة الأمن على أنهم يفرطون فى استخدام العنف ضد المواطنين، بينما تتولى اللجان الإلكترونية الترويج لحوادث تزعم أنها كانت نتيجة اعتداء الأجهزة الأمنية على المواطنين.
خلال تلك الخطوة يتم تقديم مشاهد العنف للمنظمات الدولية مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، وذلك فى اجتزاء محترف للواقع وتقديم صورة مزيفة حول الواقعة، وليست هناك واقعة أكثر دلالة على ذلك من واقعة «خالد سعيد» الذى تحولت صفحته «كلنا خالد سعيد» إلى أكبر صفحة على مواقع التواصل الاجتماعى من حيث عدد من المشاركين والمتفاعلين.
كانت المجموعات تتلقى التعليمات على الصفحة فى صورة شفرات، فقد كانت معظم تعليقات المشاركين على صفحة «كلنا خالد سعيد» خلال شهر ديسمبر 2010 حول موعد التحرك، وذلك باستخدام هذه الجملة (هنحتفل بعيد أم الشرطة) فى التعليقات، وبالأخص من جانب العناصر المدربة التى تم التوجيه بنزولها إلى الشارع للاحتكاك بعناصر الأمن، وكانت الجملة بمثابة توجيه للمجموعات لإحداث الفوضى والعمل على إسقاط المؤسسة الأمنية.
الخطوة الخامسة:
استغلال العناصر الخارجة على القانون خاصة وأن لديها دائمًا نزعة انتقامية ضد رجال الشرطة، وتحت تأثير تلك الحالة يتم تحريك العناصر الإجرامية لتكون فى مقدمة من يستهدفون أقسام الشرطة وإشعال الحرائق بها والقيام بعمليات السرقة والنهب؛ هنا تصبح الفوضى هى سيدة الموقف، ويتم القضاء على المؤسسة الأمنية.
بهذه الخطوات كان اتجاه التحرك لمحاولة اختطاف يوم عيد الشرطة وإسقاط المؤسسة الأمنية المصرية والدفع بالدولة نحو الفوضى، لكن ذلك لم يحدث.
ذلك لأن الشرطة المصرية لديها تاريخ طويل من النضال والتضحية، ورجالها يضعون نصب أعينهم الحفاظ على أمن الوطن وسلامته مهما كلفهم ذلك من تضحيات.
استطاعت الشرطة المصرية بمعاونة القوات المسلحة التصدى للمؤامرة، وتجاوز تلك المرحلة الصعبة من تاريخ الوطن ومواجهة أية محاولة للمساس بأمن مصر، فقدم رجال الشرطة المصرية خلال فترة ما بعد يناير 2011 آلاف الشهداء فى معركة مكافحة الإرهاب والتصدى للفوضى، وكان لجهاز المعلومات (الأمن الوطنى) دورًا محوريًا فى إجهاض العديد من محاولات التنظيم الإرهابى للنيل من أمن الوطن واستقراره، ليظل يوم 25 يناير عيدًا للشرطة المصرية وشاهدًا على تضحيات الأبطال من أبنائها.