هذا الأسبوع تدخل مصر الأسبوع التاسع منذ إعلان ظهور أول إصابة بفيروس كورونا المستجد “كوفيد 19” (COVID-19)، وهي إحدى المراحل الخطرة في انتشار الفيروس .. فإما عبور مرحلة الخطر أو سقوط في منحدر صعب (تفشي انتشار الوباء وعدم قدرة المنظومة الصحية على المواجهة، كما حدث في دول مثل إيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية وإيران).
الأمر ليس من قبيل التخويف أو بث حالة من الرعب في النفوس، ولكن هو وصف لمستنقع، سقطت فيه دول كبرى بسبب حالة من الإهمال واللامبالاة من جانب المواطنين.
المشهد الذي شهده مطار القاهرة الأسبوع الماضي خلال رحلات العودة للمصريين في الخارج، خاصة المصريين العائدين من الكويت، هو مشهد مرفوض تمامًا، ولم يكن متوقعًا أن يقابل حرص الدولة على حياة مواطنيها، والعمل على إعادتهم إلى أرض الوطن، بأن يتم رفض الإجراءات الاحترازية، وإجراءات الحجر الصحي التي أقرتها الدولة لمنع نقل العدوى، خاصة وأن كافة الحالات التي ظهرت في مصر كانت قادمة من الخارج أو المخالطين لهم.
كنت أتمنى اتخاذ الإجراءات القانونية حيال هؤلاء العائدين، خاصة وأن نقلهم إلى الحجر الصحي بأحد فنادق القاهرة وعلى نفقة الدولة لم يكن ليكلفهم شيئًا، لولا الشائعات التي أطلقها البعض منهم فأثار حالة من الفوضى.
إن ما قامت به الدولة تجاه مواطنيها كان يستوجب الالتزام من جانبهم .. خاصة إذا كانت الإجراءات تستهدف الحفاظ على حياتهم وحياة أسرهم، خاصة أن الدولة بذلت جهودًا كبيرة لإعادتهم الى أرض الوطن رغم خطورة الوضع في ظل تواجدهم في دول شهدت حالة من تفشي الوباء، وذلك في إطار الحرص على حياة المصريين في أي مكان على وجه الارض.
فهل تستطيع مصر هزيمة فيروس كورونا المستجد؟ خاصة أن الرقم المهم في المعادلة هو المواطن.
وما هو الطريق إلى هزيمة الوباء؟
للإجابة على السؤالين السابقين لابد أن نتعرف على المشهد المحلي والعالمي حتي الآن لنتمكن من الإجابة.
الأسبوع الماضي قال “أيفين بوتين” مدير بعثة منظمة الصحة العالمية إلى مصر خلال المؤتمر الصحفي الذي بثه عبر الانترنت : “مصر لديها فرص ذهبية للتحكم في مرض كورونا والقضاء علية من خلال الالتزام بالإجراءات الوقائية والاحترازية على نطاق الدولة والمنشآت الصحية.”
جاء تصريح مدير بعثة منظمة الصحة العالمية ضمن مجموعة من الملاحظات الهامة التي رصدتها بعثة المنظمة، خلال متابعتها للموقف داخل مصر في مواجهة الوباء العالمي، منها ما يلي:
ـ اعتماد الدولة خطط مرحلية اتخذتها مصر وتغطي كافة الجوانب التي تضمن حماية مصر من تفشي الوباء؛
ـ تمتع الدولة بمنظومة رصد وبائي قوية وثلاثية تتعامل مع المرض من خلال الرصد والتحليل ونظام الإحالة للمستشفيات.
كما أكد مدير البعثة أن مصر أمامها سيناريوهين هما:
الأول: الالتزام بالتعليمات ومكافحة العدوى وبالتالي خفض الإصابات؛
الثاني: التفريط وهو ما يسبب مشاكل كبيرة لا نود الدخول فيه.
أكد مدير البعثة أيضًا أن مصر وافقت على إجراء التجارب السريرية للوصول إلى نتائج حول العلاجات المقترحة للقضاء على فيروس كورونا.
جاء بيان وزارة الصحة بأن الوضع الوبائي في مصر، مقارنة بالوضع الوبائي العالمي، مطمئن للغاية، فأكدت الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة والسكان أن المتوسط الوبائي العالمي بلغ 105 إصابات لكل مليون مواطن، كما بلغت نسبة الوفيات 5,1 حالة لكل مليون مواطن.
في حين أن الوضع في مصر بلغ عدد الإصابات لكل مليون مواطن 6 إصابات، بينما بلغت نسبة الوفيات 0.4 حالة لكل مليون مواطن، وهو ما يدل على استقرار الوضع الوبائي في مصر حتى الآن.
(1)
بحسب تصريحات وزيرة الصحة والسكان، حتي اقتراب نهاية الأسبوع الماضي كان الوضع مطمئنًا ولكن ما حدث يوم الأربعاء الماضي بعد ارتفاع منحنى الإصابات إلى 69حالة جديدة، بعد أن كان عدد الحالات المصابة الجديدة ينحسر بين الرقمين 30 و40 بل وأحيانا ينخفض عن ذلك بكثير، وهو ما كان يؤكد أن الوضع مطمئن في ظل الإجراءات الوقائية والاحترازية التي تتخذها الدول واستجاب لها بعض المواطنين، بينما اعتمد البعض الآخر على التهوين من خطورة المرض، باتكالية مخيفة.
لابد أن نلقي نظرة المشهد العالمي والتجارب الأخرى كي ندرك خطورة ما نتجه إليه إذا استمر البعض منا على السير في طريق اللامبالاة، وهو ما حذرت منه الأسبوع الماضي.
في الصين، ظهر الوباء في شهر ديسمبر 2019 بحسب تسجيلات منظمة الصحة العالمية، وزادت حدة انتشار الفيروس في الصين خلال شهر يناير ليصل في الأسبوع السادس إلى 75775 حالة، ويتحول توصيفه إلى جائحة وتُرفع درجة الحالة الصحية في الصين إلى الحالة الطارئة.
بدأت عملية إنشاء المستشفيات الميدانية التي كان أولها في ووهان مركز تفشي الوباء، ووصلت إلى 14 مستشفى ميداني لاستقبال الأعداد الضخمة التي وصلت إلى أكثر من 80 ألف حالة، لتتصدر دول العالم التي بدأ ظهور الفيروس الجديد بها.
تم اتخاذ مجموعة من الحزم الوقائية والاحترازية للسيطرة على الموقف، وأصبحت الصين حديث العالم، ولكن تعاون الشعب الصيني وإدراكه حجم الخطر والمسؤولية، كان الرقم الصحيح والمهم في خطة المواجهة، فقد بدأ الفيروس في الانحسار مع بداية من الأسبوع الثامن، حيث قلت نسب الإصابة حتى الأسبوع الحادي عشر الذي أعلنت فيه الصين انحسار انتشار الفيروس وتفكيك المستشفيات الميدانية وقيام الرئيس الصيني لأول مرة بزيارة مدينة ووهان، عقب الجائحة الوبائية.
(2)
إيطاليا .. ظهر فيها الفيروس في 21 فبراير 2020 في مستشفي “كودوغنو” بشمال إيطاليا وقوبل الأمر بمزيد من التهاون من جانب المواطنين، كما لم يتم الالتفات إلى ربط ظهور بعض حالات الالتهاب الرئوي في المقاطعات الشمالية بالفيروس الجديد، وعولجت كما لو كانت إنفلونزا موسمية، وتحولت تلك المقاطعات الثلاث (لومباردي، إميليا، ورومانيا) إلى مركز تفشي الفيروس في إيطاليا.
خلال الأسبوع الثالث منذ إعلان ظهور المرض بشكل رسمي ارتفع عدد حالات الإصابة بشكل مفزع، وسقطت المنظومة الصحية، ولم تستطع مواجهة الجائحة، وذلك لعدم التزام المواطنين وتأخر الإجراءات الاحترازية، خاصة أن الأسبوع الأول من الحظر شهد تزاحم المواطنين في المتاجر كما حدث في بريطانيا، والمتنزهات، وهو ما ضاعف نسب الإصابة بشكل مفزع، وأصبحت إيطاليا ثاني دولة على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية في نسب الإصابة بالفيروس التي وصلت إلى 111 ألف حالة حتي كتابة هذه السطور.
تحولت إيطاليا إلى أكبر منطقة حجر صحي في العالم، ورغم الإجراءات المتصاعدة لمحاولة السيطرة على نسب انتشار الفيروس، إلا أن الأمر بات خارج السيطرة، واستعانت إيطاليا بمجموعات وأطقم طبية من الصين، ولكن مع دخول إيطاليا الأسبوع التاسع ما زالت غير قادرة على السيطرة ووقف انتشار العدوى.
ظل الرقم المهم في معادلة زيادة الانتشار هو المواطن الذي لم يبال بالأمر من البداية، وكانت النتيجة حجر صحي كامل، وتأخر الإجراءات الاحترازية من جانب الدولة.
(3)
الولايات المتحدة .. ظهرت أول إصابة في نيويورك في 20 يناير الماضي وعقب ظهور الحالة بشهر تقريبًا وفي 26 فبراير أعلنت أول حالة إصابة لمواطن أمريكي من غير المخالطين كما لم يكن من العائدين إلى الولايات المتحدة الأمريكية من الخارج.
أعلنت الإدارة الأمريكية على لسان الرئيس ترامب أنها في إطار البحث عن علاج للفيروس المستجد، وتهاون المواطنين الأمريكيين في الإجراءات الوقائية، معتمدين على عن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك نظامًا صحيًا من أقوى الأنظمة الصحية في العالم.
ليستيقظ المجتمع الأمريكي وإدارة الدولة على كابوس مفزع، وهو انتشار الفيروس في كافة أنحاء الولايات المتحدة، وارتفاع أعداد الإصابة لأرقام ضخمة متفوقة على الصين التي كانت البؤرة الأولى لانتشار المرض، وكذا على إيطاليا التي كانت إحدى النقاط الساخنة في تزايد حالات الإصابة يوميًا؛ وأعلن الرئيس الأمريكي نيويورك منطقة موبوءة، وتم إغلاقها ثم أعيد فتحها مرة أخرى، وتم الاستعانة بالجيش الأمريكي بعد تزايد حالات الإصابة في واشنطن وكاليفورنيا وأريزونا وفلوريدا وكلورادوا، وأصبح انتشار الفيروس أشبه بانتشار النار في الهشيم، وطلب الرئيس الأمريكي من شركة جنيرال موتورز، تصنيع أجهزة التنفس الصناعي بعد وجود قصور في عدد الأجهزة في مواجهة حالات الإصابة بالفيروس.
(4)
كانت تحركات الدولة المصرية بكافة أجهزتها على قدر المسئولية منذ بداية الأزمة مع إعلان ظهور أول حالة مصابة في 14 فبراير الماضي لشخص أجنبي.
ولأن الاستعدادات سبقت ظهور تلك الحالة .. منذ تفشي الفيروس في الصين، حيث تم تجهيز الأطقم الطبية وتدريبها بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية وتجهيز المستشفيات، وتم تجهيز مستشفي النجيلة لهذا الغرض، ونقل إليه المصريين العائدين من الصين لقضاء فترة الحجر الصحي 14 يومًا.
كما قامت القوات المسلحة بالاستعداد لأعمال التطهير والتعقيم لكافة مؤسسات الدولة وتوفير كافة المواد المستخدمة في ذلك، وقامت وزيرة الصحة والسكان بزيارة الصين والاطلاع على التجربة الصينية.
كما تم وضع جدول زمني للإجراءات الاحترازية، لمواجهة أية حالات مصابة، والقيام بعملية الرصد والتتبع الدقيق والعزل للمخالطين والكشف عليهم، وتعقيم المباني والمؤسسات وتعليق الدراسة وفرض حظر التجوال الجزئي وصناعة المستلزمات الطبية، وتوفير السلع.
طبقت الدولة المرحلة الأولى والثانية من حزم الإجراءات.
كما رصدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي 30 مليون للأبحاث والأفكار العلمية التي تعمل على مواجهة كورونا، وكانت أولى البشائر هي توصل الفريق العلمي السكندري المتخصص في الكيمياء الحيوية إلى علاج للفيروس وتطبيق ذلك على الخلية، وهي أولى مراحل العمل البحثي، ولكنها بارقة أمل لنا وللعالم الذي يبحث عن علاج.
مع دخولنا الأسبوع التاسع أصبحت مصر أمام تحد أكبر .. وهو ضرورة التزام المواطنين بالتعليمات الصحية والوقائية ووقف حالة السلبية التي يحيا بها البعض منا حتى نستطيع بالفعل اقتناص تلك الفرصة الذهبية التي تحدث عنها مسؤول منظمة الصحة العالمية.
وفي ظل زيادة تفشي الفيروس في إيطاليا وتركيا واسرائيل، ولا أحد يعلم حجم انتشاره في ليبيا خاصة وأن عملية الرصد غير دقيقة نظرًا للظروف التي تمر بها حاليًا من عدم الاستقرار، علينا أن نكون أكثر حيطة وحذر في ظل أحكام الدولة وكافة أجهزتها على كافة المنافذ الحدودية وتطبيق كافة الإجراءات الصحية طبقًا لتوجيهات منظمة الصحة العالمية.
وأستطيع هنا أن أؤكد أن مصر قادرة على هزيمة الوباء، وفق المسار الذي انتهجته منذ بداية ظهوره.
تبقى إيجابية المواطن في التعامل مع الأزمة والثقة في الإجراءات التي تقوم بها الدولة، من خلال تنفيذ الإرشادات والتوجيهات وتطبيق النصائح الصحية التي توجه بها وزارة الصحة، لنعبر هذه المرحلة بأمان.