في الوقت الذي تسير فيه الدولة المصرية بخطى ثابتة في العديد من القطاعات نحو التنمية والتطوير وتوطين الصناعات، فجأة وبدون مقدمات ظهرت «الصفقة اللغز» التي زاد الحديث عنها على مستوى قطاع الدواء وداخل أروقته (بيع شركة جلاكسو سميثكلاين مصر).
هنا كان لابد من الوقوف على بعض التفاصيل في القطاع الصحي قبل الحديث عن الصفقة التي يصفها البعض بـ«اللغز» والبعض الآخر يصفها بـ «المريبة».
مع تطبيق المرحلة الأولى من مشروع التأمين الصحي الشامل واهتمام القيادة السياسية بالقطاع الصحي وإطلاق الرئيس عدد من المبادرات الصحية (100 مليون صحة، القضاء على فيروس «سي»، القضاء على قوائم الانتظار، مبادرة صحة المرأة، الكشف عن الأمراض غير السارية، مواجهة جائحة كورونا) مستهدفًا الارتقاء بجودة الخدمة.
بدأ حراك مثير للريبة فى قطاع الدواء بعد خروج اثنين من شركات الدواء العالمية من السوق المصري، وبعد مفاوضات مع تلك الشركات وصرف حقوق العاملين بها، خرجت من السوق، محدثة أزمة حقيقية كانت آخرها ما حدث فى أزمة الأنسولين البشرى بعد خروج شركة «إيلى ليلى» «Eli Lilly» ولولا استحواذ شركة المهن الطبية على الشركة لتفاقمت الأزمة فى السوق المصري.
هنا لابد أن نثمن رؤية الرئيس الاستباقية وقيام الحكومة بإنشاء مصنع لإنتاج أدوية الأورام (We Can) وذلك بمشاركة وزارة الصحة ممثلة فى الشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات «فاكسيرا»، ووزارة الإنتاج الحربى وصندوق تحيا مصر، وشركة فاركو للأدوية.
ومع خروج الشركتين بدأ حديث عن تخارج شركات عالمية أخرى من السوق المصرى رغم استقراره وتحقيق تلك الشركات أرباح ضخمة.
(1)
من هنا ننطلق لنضع تفاصيل ما يحدث فى الصفقة «اللغز» والخاصة ببيع أو استحواذ شركة الحكمة الأردنية على شركة جلاكسو سميثكلاين مصر، فى صفقة تمت بعيدًا عن الأنظار بمدينة لندن، ولم يبلغ بها المدير الإقليمى للشركة إلا بعد إبرامها.
بدأت الأزمة فى 27 يناير الماضى عنما أعلنت شركة جلاكسو سميثكلاين مصر أن شركة أدوية الحكمة تقدمت للاستحواذ على 91.2% من أسهمها، وهى حصة جلاكسو سميثكلاين ليمتد العالمية، بحسب خطاب وارد من الشركة نشرته فى إفصاح للبورصة المصرية، وتسبب الخبر المفاجئ فى انهيار أسهم الشركة.
أعلنت الشركة فى لندن أنها ستُبقى على مكتب لها فى القاهرة ممثل لشمال إفريقيا ليتولى توريد الأدوية إلى السوق المصري.
بلغت القيمة المبدئية للصفقة 600 مليون دولار مقابل مصانع الشركة فى مصر ومقراتها فى المحافظات.
(جلاكسو سميثكلاين – هى شركة مملوكة بنسبة 91.2% لمجموعة جلاكسو البريطانية فيما يملك بنك قطر الوطنى 5.89% من أسهمها، وتعمل فى قطاع المستحضرات الصيدلانية والتكنولوجيا الحيوية وعلوم الحياة مع التركيز على المستحضرات الصيدلانية، وتم تأسيسها فى يناير 1981).
وتعد الشركة واحدة من أكبر خمس شركات تعمل بقطاع الدواء فى مصر، حيث تمتلك مجموعة من أشهر المستحضرات الطبية على مستوى العالم، مثل «سنسوداين»، «فولتارين»، «بارودونتكس»، «بانادول»، «كوريغا» و«أوتريفين».
وطبقًا لآخر إحصائيات جلاكسو المالية، حققت الشركة مبيعات بلغت 1.42 مليار جنيه خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2020 مقابل 1.19 مليار جنيه خلال نفس الفترة من العام 2019.
ومع إعلان البيع أعلنت الشركة البريطانية (جلاكسو سميثكلاين مصر) فى بيان رسمى أنها قد اعتذرت لشركة العاشر من رمضان للصناعات الدوائية (راميدا)، والشركة العربية للصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية (أكديما مصر) بعد تقدمهما بطلب للاستحواذ تحت دعوى أنها صفقة متكاملة تشمل بيع استثمارات أخرى فى تونس بالإضافة إلى مصر، الأمر الذى يضع علامة استفهام ضخمة حول الصفقة «اللغز».
فى الوقت ذاته، زاد فيه الحديث داخل أوساط صناعة الدواء حول شركة «الحكمة للصناعات الدوائية الأردنية ـ وهى شركة متعددة الجنسيات» التى استحوذت على (جلاكسو سميثكلاين مصر) إذ ترددت أنباء حول مساعى الشريك الإسرائيلى بـ «الحكمة » لتصبح أكبر مسيطر على سوق الأدوية «الجينية» أو «الحيوية» وهى السوق المستقبلية فى صناعة الدواء، بالإضافة إلى أن شركة «الحكمة» دخلت السوق المصرى بمكتب علمى ثم مصنع ثم ثلاثة مصانع والآن تستعد للاستحواذ على «جلاكسو»، مما أثار بعض التخوفات، خصوصًا وأنها ليست الشركة الأولى المتخارجة من سوق الدواء المصرى لأن الشركات العالمية تنظر إلى بعضها وتتساءل عن سبب الخروج. كما أن هناك ثلاث شركات كبرى سبقتها، منها شركة «ايلى ليلى» كما سبق وذكرت، وشركة أخرى أمريكية، وهذا أمر خطير يستوجب التفكير والحديث مع الشركات لمعرفة سبب التخارج والعمل على تذليل العقبات التى تواجه هذه السوق الحيوية.
هنا لابد من تنبه الحكومة المصرية خاصة وزارتى الصحة والاستثمار ورئيس الحكومة لخطورة ما يحدث فى سوق الدواء المصرى.
(2)
إضافة إلى ما سبق، ثمة توجه عالمى بالدمج بين الشركات الكبرى وهذا واضح فى هذه الصفقة فهى شركة تحقق أرباحًا، إلا أن الدمج لأهداف أخرى مثل التخلص من الثوب القديم والأدوية التى تحقق هامش ربح بسيط والنظر إلى الأدوية «الحيوية والبايوتكنولوجى» لارتفاع سعرها، وهكذا سيكون وضع القطاع الدوائى خلال العشر سنوات القادمة على الأكثر، ومن المتوقع حدوث صفقات أخرى مماثلة.
هذا ما نود لفت انتباه الدولة المصرية له قبل فوات الأوان فى ظل وجود شركات وطنية مصرية فى هذا القطاع تحتاج إلى دعم وإعادة نظر لتستعيد مكانتها وتجد لنفسها مكانًا للمنافسة.
هنا لابد من النظر فى التكاليف التى تتحملها الشركات والتسعير الجبرى لبعض الأدوية وتحريك بعض منها ولدينا تجربة شركة «ليلى» عندما منعت الأنسولين وتسببت فى نقصه بالسوق وذهبت للإمارات وقبلها أزمة «قطرات العين»، والتى تعتبرها هذه الشركات مكسب استثمار وليس لها أى نظرة أخرى.
(3)
كما يمثل محور العمالة شقًا بالغ الأهمية فى تلك الصفقة «اللغز»، إذا يبلغ عدد العمالة 1300 فرد، وتضم شركة جلاكسو كوادر مهمة فى هذا القطاع ظلت لأكثر من 25 عامًا تعمل فى الشركة وكانت أحد أسباب النجاح المحقق خلال فترة العمل بسوق الدواء المصرى.
وتعد العمالة أزمة تواجه الشركتين جلاكسو والحكمة ما لم يتم التوصل إلى حل تحصل فيه العمالة على كامل مستحقاتها القانونية. كما أن على شركة الحكمة الالتزام بقانون العمل والإبقاء على العمالة، لاسيما أن الشركة (جلاكسو سميثكلاين مصر) عندما قامت بشراء شركة «بريستول – مايرز سكويب Bristol-Myers Squibb» دفعت للموظفين كامل مستحقاتهم وتم ضمهم لشركة «جلاكسو» بنفس وظائفهم ولم يتضرر عامل واحد.
هنا على شركة «جلاكسو» الالتزام بحقوق العاملين وعلى وزارة الاستثمار والصحة التدخل للحفاظ على حقوق العاملين بالشركة فى تلك الصفقة، وكذلك وزارة القوى العاملة، خاصة وأن نقابتى الصيادلة والأطباء البيطريين قد أعلنتا تضامنها مع العاملين بالشركة وفق بيانات تلقيت نسخ منها خلال الأسبوع الماضي.
وبحسب معلومات تلقيتها من بعض المصادر بقطاع الدواء، فإن «جلاكسو» لن تغامر وإنما ستلتزم بقانون العمل المصرى كل الأمر أنها كانت مفاجئة للإدارة فى مصر فهى لم تبلغ بالصفقة إلا قبل الإعلان عنها بثلاث ساعات فقط، وهى فى مرحلة ترتيب؛ وثمة حديث حول الإبقاء على الجزء الأكبر من العمالة لدى شركة الحكمة.
يتم الآن التفاوض مع العمال على الإبقاء ومن يريد الخروج لتسوية حقوقه، لكن تبقى فى مواجهة تلك المعلومات الحقيقة الواقعية وهو ما يتحدث به العاملون بالشركة عن رفض شركة الحكمة وكذلك جلاكسو صرف أى مستحقات للعاملين.
إن ما يحدث يستوجب تدخلًا فوريًا من الوزارات المعنية للحفاظ على حقوق العاملين المصريين، فبحسب معلومات توفرت لنا فإن هناك حديث عن خروج شركة أخرى من سوق الدواء المصرى خلال الفترة القادمة للدمج مع كيان آخر فى الخارج والعودة بشكل جديد أو تصدير الدواء الحيوى للسوق المصرى بأعلى سعر.
يبلغ عدد العاملين فى تلك الشركة التى نحتفظ باسمها أكثر من 1000 عامل فى كافة التخصصات، وذلك حسب بيانات متداولة على جروب خاص دولى على السوشيال ميديا باسم «إنترناشونال جروب فارما» وتجرى عليه عروض الشركات التى تستعد للخروج من السوق والتسعير والمداولات.
(4)
وبفضل ما تقوم به القيادة السياسية حاليًا فإن قطاع الدواء تدب فيه الحياة الآن من جديد من خلال الاهتمام بالقطاع العام وإنشاء مصنع لأدوية الأورام حجر على الطريق السليم وكأن القيادة السياسية كانت تستشرف المستقبل والاندماج الذى سيحدث وأهمية إدخال تكنولوجيا الأدوية البيولوجية والحيوية لمصر لأنها المستقبل.