رئيس التحرير
الطريق نحو حلم «وهتبقى قد الدنيا» – 2
By mkamalيونيو 20, 2021, 13:45 م
1383
أواصل حديثي مع صديقي الذي عاهدته فى العدد الماضي أن أكمل له تفاصيل صعوبة الطريق إلى حلم «قد الدنيا»، فلم يكن بالأمر الهين، بل معركة من أصعب المعارك واجهت فيها الدولة المصرية تهديدات وتحديات، كانت التهديدات تستهدف الانقضاض على الدولة، والتحديات تعرقل مسيرتها نحو الخلاص من ذلك الكابوس المدمر.
تتسارع الأحداث فى المنطقة باتجاه هدم الدول الوطنية، وقد تم الدفع بالعناصر التكفيرية بكاملها إلى المنطقة، وأصبحت أشبه بمزرعة مفتوحة لتلك العناصر التي لا تعرف سوى شيئًا واحدًا، وهو الوصول إلى الحكم ولا تعرف لغة سوى لغة الدم.
أصبح الإرهاب يستهدف تدمير الدول الوطنية فى المنطقة.
عقب ثورة 30 يونيو 2013 زادت حدة المعركة، فقد كانت الجماعة الإرهابية ترى أن حكمها للبلاد لن يقل عن 500 عام، وخططت لذلك من خلال استقدام عناصر إرهابية إلى سيناء، وعلى الحدود الغربية، ولم تكن لتهتم بقوة الدولة ووحدتها فقد كان همها الأكبر الانفراد بالسلطة وتفتيت الدولة.
جاءت ثورة الشعب التي حماها الجيش فى 30 يونيو لتحطم ذلك الحلم المسموم (دولة الخلافة) وتزيح الجماعة الإرهابية عن الحكم.
(1)
هنا بدأت الجماعة وداعموها من قوى الشر الدفع بعناصرهم الإرهابية مستهدفين أمن الوطن واستقراره، وفى 24 يوليو 2013 طالب الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع فى ذلك الوقت الشعب المصري بالاحتشاد فى الشوارع يوم الجمعة 26 يوليو 2013 لتفويض القوات المسلحة والشرطة فى مواجهة الإرهاب.
زحفت جماهير الشعب إلى الميادين تهتف، ملبية دعوة وزير الدفاع لتؤكد على ثقتها فى قواتها المسلحة وشرطتها.
لم يكن الأمر هينًا فقد كانت أجهزة المعلومات قد رصدت تحركات العناصر الإرهابية، وقدرت حجم الخطر الذي يهدد الدولة وهنا كان التحرك لا بد أن يكون بتفويض من الشعب.
منح الشعب جيشه وشرطته التفويض، ولم يكن الكثير منا يدرك حجم المعركة، وأدواتها وداعميها، وكيف يتم الدفع بالعناصر الإرهابية لمواجهة الدولة المصرية بعد تسليحهم وتدريبهم بل وانضمام عناصر استخباراتية من الدول الداعمة للإرهاب فى صفوف هؤلاء.
لكن الجيش المصري قيادة وقادة وضباط وضباط صف وجنود، وكذلك أبطال الشرطة أقسموا يمينًا لم يحنثوا به قط وهو حماية أمن هذا الوطن وسلامة أراضيه فى الجو والبحر والبر.
بدأت معارك المواجهة التي انتصر فيها رجال الوطن، وحماة ترابه، على خفافيش الظلام.
لما لا يا صديقي ألا تذكر ما قاله وأقسم به الرئيس عبدالفتاح السيسي فى فبراير 2016 عندما كان فى مسرح الجلاء للقوات المسلحة “محدش يفكر إن طولة بالي وخلقي الحسن هيخليني أسيب البلد دي تقع، قسما بالله اللي هيقرب لها لأشيله من فوق وش الأرض.”
يا صديقي لم تكن المعركة فى مواجهة الإرهاب معركة سهلة، فقد فشلت فيها دول كبرى ونجحت فيها مصر لأن لديها رؤية وحلم رؤية للتعامل مع ذلك التهديد وحلم تسعى لتحقيقه.. رؤية للتعامل ومواجهة الإرهاب الذي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار فكانت المواجهة الأمنية وتكاتف أجهزة المعلومات، وفى الوقت ذاته المواجهة بالتنمية.
نجحت الدولة المصرية لتخطو بثبات نحو حلم بناء دولة قوية، وأصبحت مصر نموذجًا واستفادت من تلك المحنة، فتم تشكيل قوات التدخل السريع بداية عام 2014، ونظمت أول اصطفاف لها فى مارس من نفس العام لتمثل نقلة نوعية فى الجيش المصري، بعد تحديث وتطوير كافة الأسلحة لبناء قوات مسلحة قوية وقادرة، جيش رشيد يبني ولا يعتدي، يُعمِّر ولا يفرط.
وتضاهي قوات التدخل السريع نظيرتها المحمولة جوًا فى الجيش الأمريكي (الفرقتين 101 و88)، لتتوافق مع طبيعة المرحلة لبناء دولة قوية قادرة على مواجهة التهديدات والتحديات.
واستطاعت مصر أن تقطع أذرع تلك الكيانات الإرهابية، وتجفف منابع التمويل، وتقطع طرق الدعم وتواصل ملاحقة العناصر الإرهابية، لتحقيق الاستقرار والأمن من أجل التنمية والبناء.
يا صديقي أتذكر عمليات حق الشهيد 1 و2 و3 والعمليات التي تمت لمواجهة تلك التنظيمات الإرهابية فى سيناء وعلى الحدود الغربية وكيف كانت المواجهة؟
لقد نجحت مصر فيما فشلت فيه دول كبرى.
(2)
لم يكن التحرك باتجاه إعادة بناء الدولة أمرًا يسيرًا فى ظل أوضاع اقتصادية كادت تدفع بالدولة المصرية نحو الإفلاس، وفى ظل عمليات المضاربة التي كانت تقوم بها عناصر تنظيم الإخوان الإرهابي على العملة الأجنبية لإشعال السوق السوداء وانهيار العملة لأكثر من 20 جنيها مقابل الدولار، بل كانوا يستهدفون أن تصل إلى 40 جنيهًا مقابل الدولار لتدمير الاقتصاد الوطني.
أتذكر يا صديقي كم كان احتياطي النقد الأجنبي فى يونيو 2014 لقد بلغ 16.6 مليار دولار، بعد أن كان فى يناير 2011 بلغ 36 مليار دولار، لقد فقدت مصر 20 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي، بل دعني أكون أكثر دقة، لقد فقدنا 25 مليار دولار خلال الفترة من 2011 وحتى 2014؛ فقد كان من بينالـ 16.6 مليار دولار 5 مليار ودائع قطرية تم سدادها عام 2015.
فكان القرار الصعب فى نوفمبر 2016 ضمن حزم الإصلاح الاقتصادي بتحرير سعر الصرف، ولكن لأن الرؤية مدقَّقة والتحرك مدروس والقرار جاء فى التوقيت المناسب كان النجاح حليفا له.
وهنا أذكر فى 26 أكتوبر 2017 وخلال مؤتمر الشباب الأول بمدينة شرم الشيخ، دار بيني وبين محافظ البنك المركزي طارق عامر، حوار جانبي حول الأوضاع الاقتصادية وتأثير الفارق الضخم بين سعر العملة فى السوق السوداء وسعرها فى البنوك على الاقتصاد المصري فى ظل ارتفاع الأسعار فى ذلك الوقت.
شرح لي المحافظ كيف أن خطوة تحرير سعر الصرف هي العلاج الحقيقي لهذا الوضع غير الصحيح فى السوق، خاصة أن قيمة العملة الأجنبية لم تكن تساوي القيمة السوقية لها، ولكن السوق السوداء تحاول استغلال الوضع لمزيد من المضاربة، ليتدخل الأستاذ عباس الطرابيلي رحمه الله فى الحديث قائلًا: “يا طارق بيه أرجوك أوعى تصدر قرار بتعويم العملة، الأمر هيكون كارثة سوداء على الاقتصاد والبلد، أنت فاكر اللي حصل فى حكومة عاطف عبيد هيحصل تاني”.
ثم تركنا الأستاذ عباس الطرابيلي ليكمل لي الدكتور طارق عامر شرح تفاصيل ضرورة أن تكون الحلول الاقتصادية مدروسة بدقة قبل اتخاذ أي قرار.
وكانت النتيجة كما ترى الآن يا صديقي بعد 5 سنوات من تحرير سعر الصرف بلغ حجم احتياطي النقد الأجنبي 40.3 مليار دولار.
وانخفض سعر صرف الجنيه ليبلغ الآن 15.6 مقابل الدولار بعد أن كان 20 جنيهًا مقابل الدولار، واختفت السوق الموازية، وارتفع حجم النمو الاقتصادي.
(3)
وقبل الحديث عن القطاع الصحي دعني أذكرك بما كانت تواجهه الدولة المصرية فى قطاع الطاقة (الكهرباء – البترول)، فقبل 2011 كان هناك عجز فى الإنتاج ولكن ليس بحجم الفجوة التي حدثت بعد 2011؛ فقد زادت حدة الأزمة بعد خروج عدد من الشركات الأجنبية العاملة فى قطاع البترول وبلغت المديونيات الحكومية لصالح الشركات الأجنبية 5.9 مليار دولار، ما أثر على حجم الوقود الذي تحصل عليه محطات إنتاج الكهرباء.
عانى قطاع الكهرباء من أزمة توفير الوقود لتشغيل المحطات وبلغ حجم الإنتاج من الكهرباء 12 ألف ميجا وات، ما أحدث عجزًا كبيرًا فى الكهرباء عام 2013.
وبدلًا من أن تبحث حكومة هشام قنديل فى ذلك الوقت عن حل للأزمة، خرج رئيس الدولة حين ذاك يتهم عاشور وأصحابه أنهم وراء انقطاع الكهرباء.
أما الأمر فى 2014 فقد كان مختلفًا تمامًا، فقد تم التحرك لتسوية نحو مليار و400 مليون دولار من المديونية لشركات البترول من أجل عودة الإنتاج وإعادة الثقة وكذا توفير الوقود للمحطات (الآن ليست هناك أي مديونيات للشركات الأجنبية فى قطاع البترول).
كما بدأ العمل فى إنشاء محطات جديدة لتوليد الكهرباء، وتطوير شبكة النقل، وشبكات التوزيع، وتجديد الشبكات التي قامت عناصر الإرهابية باستهدافها وتخريبها.
لتتحول مصر خلال عامين ونصف من العجز إلى الوفرة بعد أن بلغ حجم الإنتاج 60 ألف ميجا وات، وتم إنشاء 27 محطة لإنتاج الكهرباء بالإضافة إلى مجمع بنبان للطاقة الشمسية الذي يعادل 13 ضعف قدرة السد العالي.
بل أن مصر بات لديها فائض من الكهرباء بلغ 25% للتصدير.
وفى قطاع المنتجات البترولية، كانت الأوضاع أكثر سوءًا، وتذكر كيف أن مصر شهدت وفاة أكثر من مواطن خلال محاولة الحصول على أنبوبة بوتاجاز فى 2013 وأصبحت المواد البترولية (البنزين – السولار) تباع فى السوق السوداء.
لكن دولة 30 يونيو التي جاءت يقودها حلم أن تستعيد الدولة قدرتها كان لها رأي فى حل الأزمة.
فقد تم ترسيم الحدود البحرية وتم التنقيب عن غاز المتوسط، واستطاعت شركة” ايني” الإيطالية عقب اكتشاف حقل ظهر أن تحدث حالة من الاستقرار بزيادة الإنتاج لتصل مصر إلى مرحلة مهمة هي مرحلة الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي.
ويتم توصيل الغاز الطبيعي إلى حوالي 6 مليون وحدة سكنية.
وأواصل معك يا صديقي فى العدد القادم كيف استطاعت مصر أن تتحول من أكبر دولة لديها نسبة إصابة بفيروس التهاب الكبد الوبائي “سي” إلى دولة خالية من فيروس “سي”، وكيف تحرك الأبطال فى صمت لإنجاز تلك المهمة (مهمة الحصول على تصنيع علاج فيروس “سي” فى مصر)، وماذا حدث فى القطاع الصحي خلال السنوات الماضية؛ وأعتذر منك لعدم قدرتي على الحديث عن القطاع الصحي والتعليم هذه المرة.
إن ما حدث يا صديقي وما زال مستمرًا هو أكبر عملية بناء وطن فى منطقة تضربها النزاعات والقلاقل وتستهدفها الأطماع الخارجية والداخلية.