– شهادات كبار مسئوليها كشفت المزاعم الأمريكية والغريبة
فى الوقت الذى تسارع فيه الولايات المتحدة والدول الغربية لفرض عقوبات اقتصادية ضد دول أخرى فى منطقة الشرق الأوسط بدعوى انتهاك حقوق الإنسان استنادا إلى حالات فردية، لأفراد صادرة بحقهم أحكام قضائية لارتكابهم جرائم أثبتتها جهات التحقيق المختصة، لم يرف جفن للولايات المتحدة والغرب إزاء جرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية التى يتعرض لها أكثر من مليونى شخص من أبناء الشعب الفلسطيني على يد آلة القتل الإسرائيلية الغاشمة فى قطاع غزة.
كتبت : صفاء مصطفى
لا يزال دعم واشنطن المستمر وغير المشروط لإسرائيل، وضغوط اللوبي اليهودى على المؤسسات الدولية والتحركات الإسرائيلية لإسكات مسئولين أممين تمنع إخضاع إسرائيل للعقوبات الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما أكدته تقارير صادرة عن وسائل إعلام عالمية وتصريحات كبار مسئولي المنظمات الحقوقية التابعة للأمم المتحدة، والتى نددت بازدواجية المعايير التي كشف عنها اكتفاء الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه التحذيرات الى إسرائيل ردا على إدانة المنظمات الحقوقية ودبلوماسيي الدول العربية ودول الجنوب وقوى عظمى غير غربية لجرائم الحرب الإسرائيلية وجرائم الإبادة الجماعية فى غزة ردا على هجوم حماس فى السابع من أكتوبر الماضي.
وجهات النظر أجمعت على أن المجتمع الدولى بات لا يتحمل تكلفة سياسة ازدواجية المعايير التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية فى حمايتها لإسرائيل بتوفير الغطاء السياسي لانتهاكات حقوق الإنسان وانتهاج سياسات عدائية ضد دول المنطقة وأن الوقت قد حان لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفقا لمعايير المساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين والحفاظ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
ضغوط اللوبي الإسرائيلي
قال كريج مخيبر، مدير مكتب مفوضية حقوق الإنسان المستقيل احتجاجا على جرائم الإبادة الجماعية فى غزة، إن اللوبي الإسرائيلي لم يتوقف عن الضغط على المؤسسات الدولية، وأن هناك ضغوطا وتحركات إسرائيلية من أجل إسكات مسئولين أمميين، وأكد المسئول الأممي المستقيل للعديد من الصحف والقنوات الفضائية العالمية، أن الكل يعرف فى كواليس الأمم المتحدة أنه لم يتبق شيء لدولة فلسطينية، حسب قوله.
وكتب مخيبر فى رسالة بعث بها إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان: «نشهد إبادة جماعية تتكشف أمام أعيننا، ويبدو أن المنظمة التي نخدمها عاجزة عن وقفها».
وقال إن الأمم المتحدة فشلت فى منع عمليات الإبادة الجماعية السابقة ضد التوتسي فى رواندا، والمسلمين فى البوسنة، والإيزيديين فى كردستان العراق، والروهينجا فى ميانمار، وكتب: «أيها المفوض السامي، نحن نفشل مرة أخرى».
وأضاف: «إن المذبحة الجماعية الحالية للشعب الفلسطيني، المتجذرة فى أيديولوجية استعمارية عرقية قومية، استمرارًا لعقود من الاضطهاد والتطهير المنهجي، استنادًا بالكامل إلى وضعهم كعرب… لا تترك مجالًا للشك».
وأكد مخيبر: «هذه حالة كتابية للإبادة الجماعية»، وقال إن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومعظم أوروبا «لا يرفضون الوفاء بالتزاماتهم التعاهدية» بموجب اتفاقيات جنيف فحسب، بل كانوا أيضًا يسلحون الهجوم الإسرائيلي ويوفرون الغطاء السياسي والدبلوماسي لإسرائيل لانتهاك حقوق الإنسان وارتكاب جرائم ضد الإنسانية فى غزة».
وفيما يتعلق بتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أكد أن إسرائيل قوضت حل الدولتين على أرض الواقع وأن الجميع يعرف أنه لم يتبق شيء لإقامة دولة فلسطينية، وأنه من هذا المنطلق فإنه من الأفضل تسوية الصراع بإقامة دول علمانية تقوم على المساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعبر عن ذلك قائلاً: «علينا أن ندعم إنشاء دولة علمانية ديمقراطية واحدة فى كل فلسطين التاريخية، مع حقوق متساوية للمسيحيين والمسلمين واليهود»، مضيفًا: «وبالتالي، تفكيك الكيان الاستيطاني العنصري العميق»، المشروع الاستعماري وإنهاء الفصل العنصري فى جميع أنحاء الأرض.
تغيير مسار الأمم المتحدة
وأوضحت صحيفة «الجارديان» البريطانية أن ردود الفعل على رحيل مخيبر عن مثل هذا المنصب البارز فى الأمم المتحدة، بسبب جرائم التطهير العرقي التي ترتكبها إسرائيل ضد المدنيين العزل فى غزة أثارت ردود أفعال متباينة، لافتة إلى أن من أهم ردود الأفعال المؤيدة لموقف المسئول الأممي المستقيل، هو رد فعل «لويس شاربونو»، مدير الأمم المتحدة فى هيومن رايتس ووتش، الذي صرح به لصحيفة «الجارديان» قائلاً: «إنه قدم حجة قوية ضد المعايير المزدوجة فى موقف المنظمة الدولية».
وأضاف، «ليس عليك أن توافق على كل ما ورد فى الرسالة لترى أنه قدم حجة قوية ومحبطة مفادها أن الأمم المتحدة ضلت طريقها فيما يتعلق بحقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وفلسطين، بصفة خاصة والشرق الأوسط بصفة عامة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة وإسرائيل وحكومات أخرى» ، مؤكدا ضرورة التغيير العاجل لمسار سفينة الأمم المتحدة، التي توفر الحماية للممارسات الوحشية والقمعية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
وبحسب شبكة الإعلام الروسية «روسيا اليوم» استقال «مخيبر» من الأمم المتحدة بعد مرور أكثر من 30 عاما بسبب موقف المنظمة تجاه التسوية الإسرائيلية الفلسطينية، مشيرًا إلى أنه بعد تفاقم التوتر بين حماس وإسرائيل، منعت الولايات المتحدة قرارا فى مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية.
إبادة جماعية واضحة
وأضاف: «أعتقد أن هذا رد غير مناسب على الإطلاق، وحسب اعتقادي كمختص فى الشئون الحقوقية والقانونية، ما يبدو وكأنه حالة إبادة جماعية. لقد تم بوضوح تعريف الإبادة الجماعية فى اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة للإبادة الجماعية، هذه الوثيقة تحدد العناصر الدقيقة للإبادة الجماعية التي أعتقد أنها كانت واضحة فى الأعمال الإسرائيلية فى غزة».
وأشارت شبكة الإعلام الروسية إلى أن «مخيبر» لم يكن راضيًا عن نهج «الجزء السياسي للأمم المتحدة» وليس عن نشاط العاملين فى المجال الإنساني.
على مدار السنوات الثلاثين الماضية، أصبحت الأمم المتحدة أضعف بشكل متزايد فى نهجها تجاه التسوية فى الشرق الأوسط، و«تخلت خلال ذلك عن التركيز على المعايير الدولية لحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي، وميثاق الأمم المتحدة».
وأضافت أن «مخيبر» يرى أن الأمم المتحدة بدلا من ذلك انتقلت إلى «نهج سياسي غير متبلور للغاية يستسلم للقوة، ويخضع لإسرائيل كقوة احتلال، ويخضع للدول الغربية المتحالفة مع إسرائيل».
وقال: «وفى شهر مارس، عندما وقعت فظائع فى الضفة الغربية، شعرت بأن ردنا كان هادئًا للغاية وأدليت بعدد من التصريحات حول الوضع، وقد أثار ذلك رد فعل، ليس فقط من جانب المنظمات التي تدخل ضمن اللوبي الإسرائيلي، بل حتى فى الأمم المتحدة نفسها».
أمريكا.. والاكتفاء بتحذير إسرائيل
في سياق متصل، أشارت صحيفة «الجارديان» البريطانية إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تتخذ أي خطوات نحو فرض عقوبات اقتصادية أو أي إجراءات خاصة بالردع تثني إسرائيل عن ارتكاب جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني، واكتفت بتحذير إسرائيل من جرائم الحرب الممثلة فى «الإبادة الجماعية فى فلسطين»، وذلك ردا على إدانة وزراء خارجية الدول العربية ودول الجنوب العالمي لاستهداف المدنيين وانتهاكات القانون الدولي فى غزة، وذلك بحسب الصحيفة وفقا لإطار تعاون الدول العربية مع الجنوب العالمي لتحدي إسرائيل وداعميها الغربيين لإنهاء القصف على قطاع غزة والذي كشفت عنه مناقشات طارئة نادرة استمرت يومين فى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأضافت الصحيفة أنه فى تحذير شديد اللهجة، قال وزير الخارجية الإيراني فى هذا الصدد إنه إذا لم توقف الولايات المتحدة الإبادة الجماعية «فلن تنجو من هذه النار».
ولفتت الصحيفة إلى أن هذا النقاش كان مقلقًا فى بعض الأحيان بالنسبة للولايات المتحدة، حيث أدان الدبلوماسيون من جميع أنحاء العالم ما وصفوه فى كثير من الأحيان بدعم واشنطن غير المشروط لإسرائيل منذ هجوم حماس الذي أسفر عن مقتل 1400 شخص، ومنذ ذلك الحين، وفقًا للسلطات الفلسطينية، قُتل أكثر من 1000 شخص فى غزة، كل يوم منذ بداية الأحداث نتيجة لتكثيف إسرائيل لعمليات القصف الجوي العنيفة لقطاع غزة والتي أودت بحياة الآلاف وخلفت كوارث إنسانية شديدة الخطورة.
عقاب جماعي يرقى لجريمة حرب
بحسب وسائل إعلام عالمية، دعا «فولكر تورك»، المفوض السامي لحقوق الإنسان فى الأمم المتحدة، كل الأطراف إلى الاتفاق بشكل عاجل على وقف إطلاق النار لتحقيق ثلاثة أهداف مُلحّة تتعلق بحقوق الإنسان، يتعين تلبيتها فى آن واحد معًا وهي:
إيصال الاحتياجات الإنسانية بمستويات كبيرة إلى جميع أنحاء غزة.
وإطلاق سراح كل الرهائن المحتجزين منذ 7 أكتوبر، فورا وبدون شروط.
تمكين الحيز السياسي من إنهاء الاحتلال بشكل دائم قائم على حقوق الفلسطينيين والإسرائيليين فى تقرير المصير، وعلى مصالحهم الأمنية المشروعة.
وشدد مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان خلال بيان تداولته وسائل إعلام عالمية على أن العقاب الجماعي الذي تفرضه إسرائيل على المدنيين الفلسطينيين يرقى إلى جريمة حرب، مثله مثل الإخلاء القسري غير القانوني للمدنيين، مشيرا إلى أن الحصيلة الأخيرة للقتلى من وزارة الصحة فى غزة تشير إلى مقتل 10,500 شخص، منهم 4,300 طفل و2,800 امرأة.
وشدد أيضا على أن هجوم حماس فى السابع من أكتوبر الذي ارتكبته الجماعات الفلسطينية المسلحة واستمرار احتجاز الرهائن، يصعد أيضا جرائم حرب..
وقال: «لقد سقطنا فى الهاوية، ولا يمكن لهذا الوضع أن يستمر، حتى فى سياق الاحتلال المستمر منذ 56 عامًا، فإن الوضع الحالي هو الأكثر خطورة منذ عقود، بالنسبة للناس فى غزة وإسرائيل والضفة الغربية وأيضًا على المستوى الإقليمي».
تحمل تكلفة المعايير المزدوجة
وأشار «فولكر تورك» إلى أن العالم لا يمكن أن يحتمل كلفة المعايير المزدوجة، مشددا على ضرورة التأكيد على المعايير العالمية التي يجب تقييم هذا الوضع على أساسها، وهي قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، مؤكدا أن تلك المعايير واضحة وتشمل التزام أطراف النزاع بالتأكد دائما من تحييد السكان المدنيين والمنشآت المدنية. وقال إن «أفعال أحد الطرفين لا تعفي الطرف الآخر من التزاماته بموجب القانون الدولي الإنساني»، وشدد على أن الهجمات ضد المرافق الطبية والعاملين فى المجال الطبي والجرحى والمرضى محظورة.
وأوضح المفوض السامي لحقوق الإنسان أن التزامات إسرائيل باعتبارها قوة احتلال لا تزال سارية بشكل كامل، وهو ما يتطلب منها ضمان وصول أكبر قدر من ضروريات الحياة إلى كل من يحتاج إليها، مؤكدا الضرورة الملحة للوصول إلى السكان الذين تتعمق عزلتهم، بما فى ذلك المناطق الشمالية والوسطى من القطاع، الذين تنقطع عنهم المساعدات المحدودة للغاية التي تدخل غزة.
ولفت مفوض حقوق الإنسان إلى أن الصحفيين الذين يحاولون توثيق الأحداث فى غزة وتغطيتها يدفعون الثمن بحياتهم، مشيرا إلى مقتل 32 صحفيا فلسطينيا على الأقل فى القطاع خلال الشهر الماضي.
واختتم تورك بيانه بالقول إن «ما يريد المتطرفون منا أن نفعله هو النظر إلى العالم بلونين: إما أبيض أو أسود، بدون أي قيمة للألم الذي يشعر به الجانب الآخر، لا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بالانجرار إلى هذه النظرة أحادية اللون للعالم».