رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

النساء الأكثر تعرضًا لها.. «المطاردة الرقمية» عنف أسري مغلف بالرومانسية

411

كانت ملامح صديقتي تكتسي بالغضب وهي تشاهد العديد من مقاطع الفيديو المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تتناول جميعها واقعة الزوجة الشابة التي اعتدت بالضرب على حماتها في إحدى قرى مركز ديرب نجم بالشرقية.

لاحظت غضب صديقتي «غادة» التي عاشت سنوات طويلة خارج مصر برفقة زوجها، وحاولت إخراجها من حالة الغضب التي سيطرت عليها فقلت لها ضاحكة: «تصالح الطرفان وانتهى الأمر»، فأجابتني وقد لاحظت محاولتي بقولها: «أعتقد أن الأمر لن ينتهي عند هذا الحد، خاصة لو استمرت الحياة بين الزوجين على هذا المنوال، فالجميع توقف عند سلوك الزوجة، ولم يتوقف عند سلوك الزوج الذي أذاع بنفسه مقطع الفيديو، وبدا وكأنه وضع الكاميرات متحينا سقوط زوجته في أي خطأ لينال منها».

علا عبد الرشيد

قاطعتها مستنكرة وأنا أحاول إنهاء الأمر: «لا ليس لهذا الحد، تبدو الواقعة بكل ما فيها من أمور مستغربة، وليدة الغضب والعناد من كلا الطرفين، والحمد لله أن انتهى الأمر عند هذا الحد».

مشكلات ثقة

لكن غادة أبت إلا أن تواصل حديثها فقالت: «عندما سافرت إلى زوجى لأول مرة فى الدولة العربية التى يعمل بها، كان من أسباب ارتياحه أننى وابننا برغم غربتنا وابتعادنا عن عائلتنا، سنعيش بمأمن معه إذ يمكنه تتبع خطواتنا من خلال تطبيق على الهاتف ومن خلاله، يعرف مكان تواجدنا ومن ثم لن يقلق علينا».

وتابعت: «فى بادئ الأمر كنت أرى ما يراه زوجي، لكنى مع الوقت ومع اختلاطى بالكثير من الأسر من أصدقائنا هناك وجدت الأمر يحمل بعضا من اختراق الخصوصية، ويتسبب فى العديد من المشكلات بين الأزواج والزوجات هناك عندما انعطف إلى الحديث عن الثقة، وهى نفس الرؤية التى أوحت لى بها واقعة الزوجة التى اعتدت بالضرب على حماتها».

مراقبة سرية

«قرأت فى تقرير مؤخرًا، أن آلاف المستخدمين للهاتف المحمول فى جميع أنحاء العالم تعرضوا لبرمجيات المطاردة، العام الماضي، وهى برمجيات مراقبة سرية يستخدمها مرتكبو العنف المنزلى لمراقبة ضحاياهم، لكن المشكلة لا تقتصر على التتبع فقط، حيث أورد التقرير، أن 40% من الأشخاص الذين شاركوا باستطلاع الرأى الذى بنى عليه التقرير فى جميع أنحاء العالم تعرضوا للمطاردة، أو اشتبهوا فى تعرضهم للمطاردة».

والنساء أكثر عرضة لمواجهة أحد أشكال العنف أو سوء المعاملة مقارنة مع الرجال، إذ شكلن 42% فى مقابل 36% للرجال، لكن تختلف أنواع الإساءة، حيث تلقى 16% من المشاركين فى الاستطلاع رسائل إلكترونية أو نصية غير مرغوب فيها، وكان الأمر الأكثر مدعاة للقلق هو أن 13% منهم استقبلوا مقاطع مسجلة أو صورًا دون موافقتهم.

وأقر 10% بأنهم تعرضوا لتتبع أماكن وجودهم، واختراق حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعى أو البريد الإلكتروني، حتى إن بعض المشاركين أكدوا أنهم اكتشفوا وجود برامج تجسس مثبتة على أجهزتهم دون موافقتهم، تسمح للأشخاص الذين يلاحقونهم إلكترونياً بتعقبهم فى أى وقت.

رومانسية مرفوضة

وفى شهر مارس الماضى وحده، ألقى القبض على رجل ثلاث مرات، خلال 5 أيام بتهمة مطاردة نجمة البوب الأمريكية تايلور سويفت فى عروضها الغنائية المباشرة وكذلك فى منزلها فى أمريكا، حيث بدأ الأمر عندما تواصل الرجل مع المغنية مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ثم بعث إلى الشركة التى تتولى إدارة أعمالها سيلاً من رسائل البريد الإلكترونى وخطابات التهديد.

وبثّت منصة «نتفليكس»، فى الربع الأول من العام الماضي، الجزء الرابع من المسلسل الشهير «يو»، الذى يتناول حكايات الشاب المهووس جو جولدبرج، الذى يقحم نفسه فى حياة آخرين يحبهم، ورغم إضفاء الرومانسية على سلوكه، فإنه يثير قضية التتبع والملاحقة التى ترفضها مجتمعاتنا العربية سواء كانت عبر الإنترنت أو فى الواقع.

سيطرة ورقابة

وتتضمّن الأشكال الشائعة لبرمجيات التتبع، برمجيات تجارية تُعرف ببرمجيات الملاحقة، يمكن تثبيتها بسرية على الهواتف الذكية للأفراد المُلاحَقين، وغالبًا ما تُستخدم تلك البرمجيات فى العلاقات السيئة بين الأفراد، إذ تتيح للمطارد مراقبة كل ما يتعلق بشريكه من دون علمه، وقد تمّ الربط بين استخدام هذه البرمجيات وأشكال من العنف.

وعادةً ما تتنكر تلك البرمجيات فى صورة تطبيقات مشروعة لمكافحة السرقة أو الرقابة الأبوية على الهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر الشخصية، لكنها فى الواقع عكس ذلك تمامًا، إذ يتم وضع هذه البرمجيات دون موافقة الشخص الذى يتم تعقبه عادة، وتمنح الطرف الذى وضعها، الآليات اللازمة للسيطرة على حياة شريكه.

مراقبة بالإكراه

وتختلف قدرات برمجيات المطاردة حسب التطبيق، كما أوضح ديفيد إيم خبير أمن المعلومات فى كاسبرسكى المتخصصة فى تقديم حلول أمن المعلومات، قبل أن يشير إلى أن 12% من المستجيبين ثبتوا تطبيقات أو ضبطوا إعدادات على هاتف شريكهم، فيما أقر 9% منهم بالضغط على شريكهم لتنصيب تطبيقات المراقبة.

ومع ذلك، لا تحظى فكرة مراقبة الشريك دون وعيه بموافقة 54% من المستطلعة آرائهم، مما يعكس المشاعر السائدة ضد هذا السلوك، أما بالنسبة للموقف من مراقبة أنشطة الشريك عبر الإنترنت برضاه، أعرب 45% من المشاركين عن عدم موافقتهم، مما يسلط الضوء على أهمية حقوق الخصوصية.

وفى المقابل، يؤيد 27% الشفافية الكاملة فى العلاقات، ويرون أن المراقبة بالرضا مناسبة، فى حين يرى 12% أنها مقبولة فقط عند التوصل لاتفاق متبادل، وذكر 4% منهم أنهم وافقوا على مضض على المراقبة بناءً على إصرار شريكهم وهذا لا يُعد موافقةً حقًا، «لذا من المهم إنشاء تمييز واضح بين المشاركة الرضائية والمراقبة غير الرضائية. فالرضا هو اتفاق خالٍ من القوة أو الإكراه، كما ترى إيريكا أولسن، المدير الأول لمشروع شبكة الأمان فى الشبكة الوطنية لإنهاء العنف المنزلى (NNEDV) فى الولايات المتحدة».