عمر البدرى
تصوير/ عبد الله عبد العزيز
الدكتورة كاميليا واحدة من ثلاث بنات أنجبهن الرئيس الراحل محمد أنور السادات من زوجته الأولى إقبال ماضى، والتى انفصل عنها قبل أن يتزوج السيدة جيهان السادات.
عملت الدكتورة كاميليا سفيرة للنوايا الحسنة والمفاوضات لشئون الشرق الأوسط قبل أن تقعدها ظروفها الصحية عن العمل، ولكننا حرصنا على التواصل معها ونحن نحتفل بمئوية ميلاد الرئيس الراحل محمد أنور السادات لتحدثنا عن ذكرياتها معه، وما هى المشاهد الأكثر تأثيرا فى ذاكرتها عن والدها الرئيس الراحل.. فإلى نص الحوار.
شهادة بتأثير الزعيم
بداية وبعيدا عن كونك ابنة السادات، ماذا تعنى هذه المناسبة لك؟
الاحتفاء بمئوية ميلاد الرئيس الراحل محمد أنور السادات شهادة قوية بكونه كان البطل الذى ترك بصمة لا تنسى، ليس فى تاريخ مصر والمنطقة فقط، وإنما العالم كله بأفعاله ومواقفه المشهود لها محليًا وعالميًا.
بماذا تصفى شخصية السادات الأب والقائد؟
ولد أبى الزعيم الراحل فى 25 ديسمبر 1918، وهو بالنسبة لى لم يكن مجرد أب، فهو رئيس عبقرى وبطل الحرب والسلام وهو الزعيم الذى كان تفكيره يسبق عصره بمراحل كثيرة وحازت شخصيته إعجاب العالم بقراراته ومواقفه التى لا تنسى، ويكفيه شرفا وفخرا أن استشهد دفاعا عن مبادئه.
عاطف السادات
مؤكد أن ذاكرتك تزدحم بالكثير من الصور والمواقف للرئيس الراحل ما هى أبرزها؟
وقبل أن تجيب أسرعت الدكتورة كاميليا تجاه غرفتها وعادت وهى تحمل صورة كبيرة لعمها الشهيد خلال معارك حرب أكتوبر عاطف السادات وطلبت منا أن نحيى هذا البطل، الشقيق الأصغر للرئيس الراحل الذى نال الشهادة و هو فى الرابعة والعشرين من عمره خلال الطلعة الجوية الأولى فى حرب الكرامة 1973.
وقالت: مشهد الإعلان عن وفاة عمى عاطف السادات من أكثر المواقف التى تأثرت أنا بها، وتأثر بها والدى رحمه الله، فلم يدفن الشهيد عاطف السادات فى مقابر العائلة لأن أسرتنا لم تتسلم جثمانه إلا بعد 8 أشهر بعد أن تلقى والدى الرئيس الراحل محمد أنور السادات خطابا من جولدا مائير رئيس الحكومة الإسرائيلية فى ذلك الوقت، يفيد أن تل أبيب على استعداد لسداد أموال مقابل الحصول على جثث قتلاها لدفنهم بالأراضى اليهودية، فالتزم أبى بإرسال جثث الجنود الإسرائيليين، قائلاً: نحن لا نبيع جثثا، وتم الالتزام بالبروتوكول، وإرسال الجثث بصناديق ولكن بدون تقاضى أى مقابل من اليهود، وبناء عليه أرسلت إسرائيل ما تبقى من عظام عمى عاطف ومتعلقاته الشخصية، التى تضمنت «السلسلة الخاصة التى تحمل رقمه العسكرى والطبنجة والخوذة».
هل كان مشهد عاطف السادات كل ما لديك؟
أجابت الدكتورة كاميليا: بالطبع لا، فمازلت أتذكر ما قاله لى والدى عن ملحمة العزة والنصر والتى أكد لى فيها أنه لم يقد المعركة وحيدا، بل كان إلى جواره العاهل السعودى الملك فيصل وهوارى بومدين رئيس الجزائر.
وأضافت: أتذكر أن الرئيس الجزائرى هوارى اتصل بوالدى الرئيس محمد أنور السادات، يوم الثانى من أكتوبر 1973، وسأله إحنا جاهزين؟ ورد السادات قائلا: «مش باين؟ سأله ليه؟ قاله الاتحاد السوفيتى كان بياخد القطن بتاعنا كله مقابل توريد السلاح، لكن المرة دى قال إحنا عاوزين الفلوس كاش».
وتابعت: فى اليوم التالى دخل الحارس على والدى ليبلغه أن الرئيس هوارى بو مدين يطلبه هاتفيا بصفة عاجلة، وأبلغه الرئيس الجزائرى فى التليفون: أنه فتح البنك المركزى الجزائرى لتقديم الأموال اللازمة التى يحتاجها الجيش المصرى للحصول على المعدات اللازمة.
جيمس بوند
هل شعرت بأى تحركات من جانب الرئيس الراحل قبل اندلاع المعركة؟
لم أشعر بأى تحركات غير اعتيادية من جانب والدى، قبل اندلاع المعركة بأكثر من ستة أشهر سوى متابعته للأفلام الأمريكية بطريقة ملفتة للنظر خاصة أفلام الأكشن لـ «جيمس بوند» وأفلام الحرب العالمية الثانية وكان يشرح الفيلم وأنواع الأسلحة، وكان عقله يذهب لما أبعد من ذلك وكأنه كان يستوحى من مشاهداته خطة تدمير خط بارليف.
واستطردت: كثيرا ما كان والدى يداعبنا ويقول لنا إن الفنانة أسمهان هى فتاة أحلامه.
وتوقفت الدكتورة عن الكلام وابتسمت وكأن شيئا ما أضحكها ثم عاودت الكلام قائلة: كان السادات وهو فى منزله يعامل إسرائيل على قدر عقل قادتها الذين كانوا شغوفين بجلب المعلومات عن مصر فأعطى أوامر للمخابرات بتزويد إسرائيل بالمعلومات الخطأ والقيام بطلعات جوية وقام بقياس قناة السويس والكبارى اللازمة لها وتجهيز المضخات وشراء المخلفات العسكرية من روسيا لإيهام إسرائيل بأننا لا نستطيع الحرب بتك المعدات!!.
ثم وقفت الدكتورة كاميليا بجوار صورة والدها الزعيم الراحل، وهى تشير إليه قائلة: لقد كان شخصا يمشى باستراتيجية وخطط وهذا ما تعلمته منه حتى أضمن النجاح، ومثلنا مثل الشعب المصرى علمنا من الإذاعة خبر النصر وحاولنا الاتصال به ولكن كان دائم الانشغال فى غرفة العمليات بقصر الطاهرة ولم يظهر قائد النصر سوى يوم 18 أكتوبر ليقدم الصور الموثقة إلى الملك فيصل وبعدها أطلقت جولد مائير صرختها التاريخية المعروفة «أنقذوا إسرائيل» فأرسلت أمريكا الغطاء الجوى الجاهز للحرب مباشرة وأرسل الرئيس السادات خطابا إلى هنرى كيسنجر وزير الخارجية أمريكا وقتها يطالب بوقف إطلاق النار فرد عليه «مبدأ الحرب أن من يطلقها لا يملك أن يوقفها».
أول سيدة على أرض سيناء
وماذا تتضمن ذاكرتك أيضا من صور؟
من اللحظات والمواقف التى لا أنساها هى اللحظة التى حظيت فيها بالشرف العظيم كونى أول سيدة تصل إلى أرض سيناء عقب انتهاء حرب أكتوبر مباشرة، بعد أن أعلنت المخابرات بأن الطريق أصبح أمانا إلى سيناء.
وأضافت: أرسلت طلبا إلى المخابرات من الشركة الألمانية التى كنت أعمل بها أنا وباقى زملائى وذيلت الطلب بتوقيعى، فرفضت المخابرات بحجة الأمن وتحايلت على الأمر بإرسال طلب آخر وضعت فيه اسمى ثلاثى فقط ووسط الأسماء، فسمحوا لى بالسفر ويومها شعرت بفرحة لا توصف.
ماذا يمثل لك يوم السادس من أكتوبر؟
هو خليط من المشاعر بين الفرح والحزن فهو يوم انتصار تاريخى لمصر بقيادة والدى رحمة الله عليه، وحزن لأنه نفس اليوم الذى استشهد فيه هو وعمى عاطف، وكل عام كنت أحرص على زيارة قبر أبى وأجلس لأحكى معه بالساعات، ولكن مع مرور السنوات وجدت أننى يجب أن أحتفل بالانتصار العظيم وأدعو لوالدى بلا حزن أنه صاحب هذا الانتصار الكبير الذى يعد فرحة لكل المصريين.
متى شعرت بالخوف على الرئيس الراحل؟
كان ذلك فى 19 نوفمبر 1977 عندما اتخذ والدى الرئيس الراحل قراره الذى أذهل العالم، بزيارته للقدس ليدفع بيده عجلة السلام، ثم قيامه عام 1978 برحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية للتفاوض لاسترداد الأرض وتحقيق السلام كمطلب شرعى لكل إنسان، قبل توقيعه اتفاقية السلام.
ثورات الربيع
عُرف عن الرئيس الراحل قدرته على استشراف المستقبل، كيف ترين ذلك؟
هل تعلم أن والدى تنبأ بثورات الربيع العربى قبل وقوعها بـ 58 عاما، فحينما كان سكرتير المؤتمر الإسلامى أرسل خطابين إلى الدكتور طه حسين عميد الأدب العربى طالبه فيهما بضرورة إصدار كتاب أو أكثر لتحذير العرب من مطامع الغرب، وإنتاج أفلام توضح أن العرب تخلص من مطامع الاستعمار العسكرى ويتبقى أمامهم التخلص من فكرة استخدام الدين فى الصراعات السياسية، تماما مثلما يحدث الآن فى أغلب الدول العربية من تفرقة عن طريق الدين وكما حدث مع شاة إيران عام 59.
ما هو آخر موقف جمع بينك وبين السادات الأب والرئيس؟
كنت أعتزم السفر لأمريكا لاستكمال دراستى فقال لى والدى متى ستعودى يا كاميليا؟ قلت له بعد عام إنشاء الله فقال لى «يااااه سنة بحالها مش هشوفك يا كاميليا» فقلت له: «أنت بتتردد كتير على أمريكا وأكيد هنشوف بعض» فرد على قائلا: «يا عالم هنشوف بعض تانى ولا لأ» وبالفعل لم أر والدى ولم يرنى بعد هذا الحوار، حيث استشهد فى أغسطس 1981.
على خطى السادات
كيف ترين الرئيس السيسي؟
الرئيس السيسى لديه أيضا بعد نظر، فهو يخطو على خطى السادات ويتحدى نفسه والعالم بقراراته والمشروعات العملاقة التى يطلقها وتصديه للإرهاب، جميعها معارك تهدف للتنمية والسلام.