تحقيقاتمصرهام
تعظيم سلام لأم الشهيد
By mkamalمارس 18, 2019, 15:28 م
3007
د. نسرين مصطفى
“الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق”، و”وراء كل رجل عظيم امرأة”، أمثال تربينا عليها تبرز دور الأم في بناء الإنسان والحفاظ على الأوطان.
وتمثل “أم الشهيد” نموذجا فريدا للأم، باعتبارها رمزا للتضحية وبذل الغالي والنفيس وهو فلذة كبدها في سبيل أن تعيش مصر “أم الجميع”.”أكتوبر” التقت بعدد من أمهات وزوجات الشهداء ومصابي العمليات العسكرية ضد الإرهاب الأسود، لإبراز دورهم في بناء المجتمع وكيف غرسوا حب الوطن في نفوس أبنائهم خاصة ونحن نحتفل في شهر مارس الجاري بيوم الشهيد وأيضا عيد الأم.
البداية مع المهندسة عزة محمد أم الشهيد رائد بحري مصطفى محمود، والذي استشهد في 13 مارس من العام الماضي، في مواجهات مع عناصر إرهابية خلال العملية الشاملة “سيناء 2018″.
تفرغت السيدة عزة على الرغم من تفوقها الدراسي والمهني، بعد الزواج لتربية الأبناء أحمد ومحمد ومصطفى، وقالت:”أعانني الله وزوجي، على تربية الثلاثة أبناء ولأنني كنت صغيرة السن كانت علاقتي بهم علاقة الأخت وليس الأم، فغرست فيهم قيم احترام الكبير والعطف على الصغير وعلى أن يحبوا بعضهم بعضا، مع حرية الرأي والمشاركة، والحرص على الاستماع لآرائهم فنشأوا على حرية اتخاذ قراراتهم بأنفسهم”.
وأضافت: “كانت علاقة الشهيد مصطفى بي وبإخوته جميلة، فقد كان مبتسما ويقدم العون والمساعدة للآخرين فنشأ على طاعة الله وعلى الشجاعة والعطاء كما كانت علاقته بأصدقائه وأقاربه طيبة.
وعندما أنهى مرحلة التعليم الثانوي كان مجموعه يسمح بالتحاقه بكلية الهندسة إلا أن مصطفى أحب الانخراط في الحياة العسكرية فالتحق بالكلية الحربية وتخرج منها في عام 2011 “.
وتابعت: “كان مصطفى طموحا، فكان قناصا ماهرا وحصل على أكثر من 13 فرقة، وبعد تخرجه رشحه قائده لبعثة إلى الولايات المتحدة إلا أنه رفض لأن مصر كانت تمر في ذلك الوقت بحالة عدم استقرار، وخلال اشتراكه في العمليات قضى على العديد من الإرهابيين، وتمكن من ضبط آخرين”.
واستطردت السيدة عزة: “كان يدعو ربه دائما أن ينال الشهادة حتى أنعم الله عليه بها، حيث سافر إلى موقع عمله يوم 14يناير واستشهد في مارس، وكان خلال تلك الفترة يرفض أن يحصل على إجازات وكان يطلب من القادة أن يشترك في المداهمات والعمليات ضد التكفيريين، وكان دائما يقول لزملائه “هنفرمهم”.
وعن رأيها في الشباب، قالت “أم الشهيد”: شبابنا بخير ورأيت ذلك خلال جنازة مصطفى التي تواجد بها العسكريون والمدنيون وشعرت بمدى الحب والنخوة والغيرة على الوطن لدى الجميع لدرجة أنه خلال أحد الاحتفالات جاء إلىّ أطفال يقولون لي أنهم سوف يلتحقون بالجيش لكي يأخذوا ثأر مصطفى وحق كل شهدائنا وحق مصر، مناشدة كافة الآباء والأمهات بغرس قيم الوطنية والولاء والانتماء في قلوب أبنائهم وتربيتهم على طاعة الله حتى يكونوا نبتة صالحة في خدمة الوطن.
وأشارت السيدة عزة إلى أنها عاشت في طفولتها العديد من الأحداث الهامة، بداية من النكسة، ثم حرب أكتوبر، مستطردة:” كنا نشعر أن مصر في حالة الحرب أما الآن رغم ما يحدث في سيناء وهى حالة حرب أيضا إلا أن الشباب لا يشعر لأنه لا توجد إجراءات استثنائية، فالأمور تسير بأمان كما تشيد أعمال البناء والتعمير وكل جوانب الحياة فلا يشعر أحد بالحرب التي يخوضها أبناؤنا في سيناء”.
ورأت أم الشهيد، ضرورة عدم إغفال دور الإعلام في نشر الوعي لدى الشباب، مؤكدة ضرورة قيام الآباء والأمهات بمراقبة سلوك أبنائهم خاصة في ظل حرب الشائعات والأخبار المغلوطة التي تستهدف النيل من استقرار مصر، مضيفة بنبرة كلها فخر ورضا: “راضية بقضاء الله وأحمده أن استشهد مصطفى على طاعة ولم يمت على معصية، وكوني أم شهيد هذا وسام على صدري”.
وتابعت:” قبل استشهاد مصطفى بثلاثة أيام دعوت الله أن يعطيني إشارة على أنه راض عنى فجاءني نبأ استشهاد مصطفى فاستقبلت الخبر بنفس راضية”.
يذكر أن السيدة عزة قد تم اختيارها أما مثالية من نادي حورس عام 2018، وحصلت على شهادات تقدير من القوات الجوية والبحرية كما تم تسمية مدرسة البيطاش بالعجمي باسم الشهيد مصطفى محمود.
أم الصغير
وفى نبرة يشوبها الحزن والفخر معا قالت سوزان عبد المجيد والدة الشهيد الرائد إسلام مشهور: “كان إسلام خلوقا، وعلمت بعد وفاته من أصدقائه حكايات تنم عن شجاعة وتواضع وسعة صدر وكنت أظن أن أحدا لم يعرفه إلا أنه له مع الجميع من أصدقاء وجيران وزملاء عمل ودراسة مواقف لا تعد ولا تحصى تؤكد أنه كان رجلا يستحق الشهادة”، مضيفا: “كان بارا بي وبإخوته وقد مرت 27عاما هي عمره لم أشعر خلالها بأي معاناة فكان مطيعا محبا للجميع رغم أنه أصغر إخوته”.
واستطردت: “ولأنني كنت وحيدة ليس لي أشقاء كنت أعتبر أبنائي بمثابة أشقائي إلا أن إسلام كان أقربهم لي لما يحمله من طباع هادئة وابتسامة دائمة وكان دائم المساعدة للجميع”.
وأوضحت أن إسلام كان حريصا في عيد الأم على أن تكون هديته خاصة لي أنا وليست للمنزل، وكان يطلب من إحدى شقيقاته أن ترافقه لتختارها بنفسها، متابعة:”مر عيد الأم العام الماضي فلم أشعر بطعمه فأنا بدونه جسد بلا روح”.
وقالت: “أمهات الشهداء يجمعهم ألم واحد وإحساس واحد يجمع بين الحزن والصبر على فلذات أكبادهن، إلا أن ما يهون علينا كثيرا وجودنا في حفلات التكريم بين أقرانهم من أبناء القوات المسلحة، حيث نشعر أن أبناءنا أحياء فلديهم حب وتعاطف وتسامح وجميعهم وضعوا الله أمام أعينهم والوطن في قلوبهم .
وعن لقائها بالرئيس عبد الفتاح السيسي قالت: “شعرت أنه أخ لي فله قلب إنسان خاصة عندما قال إنه لا يمكن أن أعوض أمهات الشهداء عن فلذات أكبادهن”.
ووجهت السيدة سوزان، تحيتها وتقديرها لكل فرد في القوات المسلحة خاصة الشهداء منهم، متابعة: “هذا الشباب قدوة لأنهم أكرموا بلدهم وضحوا في سبيل رفعتها والدفاع عنها فيكفيهم فخرا أنهم ضحوا بأرواحهم لنعيش بأمان ويجب أن يكملوا مسيرة الشهداء بالدفاع عن تلك الأرض التي روت بدمائهم ويجب أن يعلم الجميع أن مصر لن تسقط طالما بقى بها أمثال هؤلاء الأبطال من أبناء القوات المسلحة.
حياة الجندية
ولا تختلف حكاية إيمان غريب والدة الشهيد المقدم شريف محمد عمر، عن سابقتها سوى في التفاصيل، فقالت:”استشهد ابني في مارس 2017 أثناء الاشتباك مع الجماعات التكفيرية”، مضيفة:” كانت علاقتي بشريف علاقة جميلة قائمة على الحب والاحترام وكان ابنا مطيعا لم يرفض لي طلب قط إلا في أمر واحد وهو رفضه الوساطة للنقل من سيناء”.
واستطردت: “كان يقول لي لو تركنا سيناء من سيدافع عنها، وجاء لي زملائه بظرف به مبلغ مالي بعد استشهاده كان معدا لي بمناسبة عيد الأم وكنت أتمنى أن يكون معي إلا أن إرادة الله اختارت له الشهادة ، كما أنى أجد عوض الله في بنات شريف وهما فريدة 7سنوات وفرح
5 سنوات، كما خلد كريم وهو رائد شرطة شقيق شريف اسم أخيه بأن سمى ابنه شريف”.
وناشدت أم الشهيد شريف الآباء و الأمهات الاهتمام بتربيه أبنائهم بشكل سليم قائم على الاحترام وحب الوطن والتضحية من أجله وأن يضعوا مصر نصب أعينهم حتى لا يضيعوا حق الشهداء التي ارتوت الأرض بدمائهم، متابعة: كما أوجه كلمة إلى أبنائي بالقوات المسلحة وأقول أنتم لا تحتاجون إلى من يوصيكم بمصر فكل منكم له زميل أو صديق استشهد يسعى إلى أخذ ثأره.
وأشارت أم الشهيد شريف إلى أن حياة الجندية هي حياة تضحية وفداء، فالشاب في تلك السن الصغيرة وهو سن التخرج عند 22 عاما يسعى إلى ملذات الحياة بينما أقرانهم في القوات المسلحة لا يبحثون إلا عن توفير الأمن والأمان للوطن، مطالبة الشباب بالقراءة عن سيرة هؤلاء الأبطال لكي تكون عبرة ودرس لهم .
واستطردت: “نحن لا نطالبهم بالذهاب إلى سيناء ولكن نطالبهم بالعمل والكفاح كل في مكانه لكي نحقق لمصر التقدم فبلادنا تحتاج لكل فرد والوقوف بجانبها لأن شعب مصر يستحق أن يعيش حياة كريمة”.
ووجهت شكرها لإدارة الشئون المعنوية وإدارة العلاقات الإنسانية بالقوات المسلحة والدفاع الشعبي وجمعية المحاربين القدماء على كل ما يبذلوه من دعم لأسر شهداء القوات المسلحة ودورهم في توعية الشباب والجمهور بتنظيم ندوات تثقيفية للتعريف بالشهداء، موضحة أنه يتم توجيه الدعوات لأسر الشهداء لحضور تلك الفعاليات والحديث فيها عن تضحيات الشهداء.
ووجهت من خلال “أكتوبر” كلمة خاصة إلى العقيد محمود هلال ذلك البطل الذي استطاع بمساعدة زملائه العودة بجثمان صديقهم وزميلهم ابنها شريف حتى لا يمثل بها التكفيريون، وقالت:” لم أكن أعرف محمود قبل استشهاد شريف لكنه الآن يزورني باستمرار بصحبة زوجته وأبنائه”.
والدة مصاب كفر الشيخ
ومن والدة البطل العقيد شريف إلى والدة صديقه العقيد محمود هلال ابن محافظة كفر الشيخ الذي أصيب بيده إصابة بالغة أثناء المواجهات مع التكفيريين دفاعا عن جثمان صديقة المقدم شريف، فقالت والدته الحاجة عزيزة مخلوف عبد الواحد: والتى كرمها الرئيس عبد الفتاح السيسى أمًا مثالية لهذا العام “تميز محمود منذ أن كان طفلا بالبساطة وطيبة القلب والشجاعة وعلاقته بأسرته سواء أنا ووالده و أشقائه طيبة ولا ينام قبل أن يطمئن علي، وهو أخ لشقيقين وشقيقتين هو أصغرهم.
وعن ذكرياتها مع محمود قالت:” هو دائم الجلوس تحت قدمي وعندما أقول له لماذا تجلس هكذا، كان يقول لي أليست الجنة تحت أقدام الأمهات؟!، وكان حلمه منذ الطفولة أن يكون ضابطا وفي طفولته طلب بدلة ضابط وبكى بكاء شديدا حتى لبينا له رغبته وصمم أن تلتقط له صورة بها وبالفعل التقطنا له صورة وهو يرتديها وهو ابن خمس سنوات وقد التحق بالحربية عن حب شديد واقتناع”، مضيفة: “عند حضوره في إجازاته كان يصمم ألا يتناول طعامه إلا في وجودي ودائما ما يحتفل بي في عيد الأم في احتفال خاص”.
وعن إصابته قالت: “من طبيعته أنه لا يتحدث عن عمله مطلقا، إلا عندما بدأت العملية الشاملة في سيناء فطلب نقله إلى هناك، وبالفعل نقل إلى رفح وفى يوم الحادث الذي استشهد فيه صديقة شريف خلال أحد الاشتباكات استطاع محمود بمساعدة زملائه العودة بجثمان زميلهم وأصيب في يده إصابة أجرى بعدها 6 جراحات ولم أكن أعلم بوقوع الحادث وحاولت الاتصال به إلا أنه لم يرد على اتصالي فانتابني القلق حتى اتصل بنا بعد فترة وأخبرنا أنه تعرض للإصابة”، متابعة : “أقول لكل مصري بدون مصر نحن بدون قيمة وانظر ماذا حدث للبلاد من حولنا في سوريا وليبيا فبدون وطن نحن بلا كرامة، حيث يجب على كل منا خدمة وطنه من خلال العمل والإنتاج فيجب على كل منا القيام بعمله في موقعة وأن يتركوا حالة الإهمال والخمول فوطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه فبلادنا هي الأم والأب فارفعوا اسم مصر عاليا بالعمل حبوا مصر حبوا وطنكم وأن هذه مهمة الآباء فعندما يتربى الأبناء على حب الوطن وطاعة الله ينشأ جيل محب ومضحى من أجل الوطن .
زوجة “صائد التكفيريين”
أما نشوى مصطفى زوجة الشهيد العميد أحمد الجعفري والذي استشهد في سبتمبر 2018 وأطلق عليه لقب “صائد التكفيريين”؛ لأنه ضبط 300 تكفيري، ورصدت الجماعات
5 ملايين جنيه لمن يتمكن من تصفيته، فقالت:
” أهم صفات الجعفري التواضع مع الكبير والصغير فكثير ممن حولنا لم يكونوا يعلمون أنه ضابط بالقوات المسلحة لشدة تواضعه، وقد كرمه المشير طنطاوي لحصوله على المركز الأول على مستوى القوات المسلحة في مسابقتي الضاحية والملاحة البرية منذ سنه 2002 وحتى 2007 أي خمس سنوات متتالية كما كان متميزا في القفز حيث قفز 100 قفزة على مسافة أكثر من 300 متر وهو رقم قياسي”.
وأضافت زوجة الشهيد، أنه شارك في عملية “حق الشهيد 1″، وفى “العملية الشاملة سيناء 2018 ” وخدم في سيناء 2012 وحتى 2018، مشيرة إلى أنه استشهد في عملية مداهمة في سيناء وكان هاتفها قبل ساعات قليلة من قيامه بها حيث كان لم ير أبناءه قبل بضعة أشهر من استشهاده.
وتابعت: “كان زوجي رجلا حنونا دائما ما كان يدعمني بكلمات التشجيع وكان بارا بأهله، وكان دائم التشجيع لي ولازلت أذكر كلماته منها “أنا بطل في سيناء وأنت بطلة هنا فلولاك لما نجحت في عملي ولما حققت بطولات فأنا أعرف قدراتك ووراء كل رجل عظيم امرأة”، وكان أي تكريم يحصل عليه يهديه لي وكان يقول لي أنني البطلة الحقيقية وكنت معتادة أني من يضع له النجمة التي يحصل عليها عند ترقيته وكنا نذهب لالتقاط صورة تذكارية مع الأبناء.
أم المجند الصغير
وعلامات الفخر على وجهها تحدثت سناء ذكريا رفاعي عن ابنها المجند مصطفى عمار الذي يبلغ من العمر 20عاما والذي استشهد أثناء إحدى المداهمات لجبل الحلال بعبوة ناسفة، وقالت:” كان ابني وكاتم أسراري، وقد تدرب بمركز تدريب بالسويس وقال لي إنه سوف يتم نقله بعيدا عن مكان الخطر إلا أنني علمت بعد ذلك أنه طلب نقله إلى سيناء واشترك في العديد من المداهمات وخدم في عدد من الأماكن إلا أنه لم يكن يحدثني عن عمله نهائيا حتى لا يثير قلقي وكان يروى لشقيقته، مضيفة :” أنا فخورة بابني فهو بطل وشهيد ولكن الفراق صعب وأتمنى لكل أبناء قواتنا المسلحة السلامة لأنهم يدافعون عن مصر ولولاهم لما كنا في أمن و أمان “.