صالون الرأي
آلامهم وآلمنا
By amrأبريل 22, 2019, 11:55 ص
1843
فزع العالم كله لمشاهد ألسنة اللهب وهى تتعالى على واحدة من أروع وأبدع ما أنتج الفكر الإنسانى وهى كنيسة نوتردام فى العاصمة الفرنسية باريس، كل إنسان يدرك قيمة الحضارة الإنسانية وإبداعها أصابه الحزن والغم، ليس لقيمتها الإنسانية والتاريخية فقط ولكن لتجلى الإبداع الفنى والمعمارى والحضاري، وتفردها كأحد المعالم البارزة فى أوروبا والعالم أجمع.
لكن هناك من كانوا أدنى من أى شعور إنسانى بقيمة نوتردام وفداحة ما حدث، ولم يكتفوا بجهلهم لكنهم أبدوا سخرية وشماتة تتناسب مع عقولهم الضامرة، وهؤلاء لا عتاب عليهم فهم غالبا محدودى الثقافة معدومى الشعور والإنسانية.
هؤلاء هم فئة نعرفهم ونعرف توجهاتهم وندرك اضمحلالهم، ونستطيع بكل سهولة تفسير مواقفهم الشاذة الضيقة التى بنيت على أفكار مشوهة، لكن الذى لا نستطيع تفسيره هو كيف انتفضنا جميعا لمشهد الكارثة التى حلت بكنيسة نوتردام واعتصرنا الألم، بينما لم تهتز مشاعر مجتمعات كاملة فى الغرب وكنائسنا ومساجدنا وآثارنا تتعرض لكل صنوف التخريب والدمار على يد التنظيمات الإرهابية حينا ويد الحروب والخلافات السياسية حينا آخر.
هم يشاهدون آلامنا وخسائرنا البشرية والحضارية فى كل يوم ولا يتحركون، لقد اعتادوا مشاهدة أوجاعنا وربما أصبحت مادة للتسلية لديهم، حتى إنهم لا يكلفون أنفسهم معرفة الحقيقة.
هى -إذا- تلك الفجوة التاريخية التى مازالت تلقى بظلالها على عالمنا، عالمنا الذى ينقسم بين غرب وشرق، بين أغنياء وفقراء، بين دول متقدمة متحضرة ودول متأخرة نامية. القضية هى ليست ما تنتجه البشرية من إبداع فقط، لكنها قضية تقسيمات استعمارية هى التى تحكم العالم حتى الآن .
كيف تألمنا هكذا لانهيار أحد المعالم الكبرى الذى هو فى النهاية مبنى يمكن استعادته وإعادة ترميمه وبعثه للحياة مرة أخرى، بينما الآلاف يقتلون يوميا ويشردون ويتركون بيوتهم وأهليهم ويهيمون فى الأرض بلا سند، وغيرهم يموتون جوعا وفقرا، وليتهم يعودون لحياة ذويهم مرة أخرى، ولا ينتبه إليهم أحد فقد تحولوا لمجرد أرقام فى تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، كما أصبحت بلادهم خرابا ولا يبكى عليهم أحد، ولا يغيثهم أحد.
هو نفس منطق الفقر والغنى فى كل الدنيا، كما لو كان الأغنياء فقط هم من يتألمون ويتوجعون وفقيدهم غالٍ، بينما الفقراء لا يشعرون ولا يتألمون لأن فقيدهم دائما فقير رخيص، والفقر أضعف صوتهم حتى وإن تألموا.
إذا لا يحدثنى أحد عن المعايير الدولية والمشاركة الإنسانية والقيم الأخلاقية والمنظمات المجتمعية والمساعدات الدولية وغيرها من المصطلحات، فكلها مسميات جوفاء، تفتقد المعنى الحقيقى للإنسانية والعدالة التى لا وجود لها على هذا الكوكب .