رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

“موت ستالين”.. هجاء ماكر للديكتاتورية

1313

يبدو لأول وهلة أننا أمام هجاء ساخر للديكتاتورية فى الفيلم الكوميدى الجيد، محكم الصنع، الذى يحمل اسم “موت ستالين”، وهو من إخراج أرماندو لانوتشى، الذى اشترك أيضا فى الكتابة، ولكنى لم أسترح فى الحقيقة لمكر الفيلم، الذى يحتمل بالتأكيد سخرية من الروس عموما، مما يجعلنا نضعه بشكل ما فى إطار هذه الموجة من الأفلام الغربية، التى تذكرنا بأجواء الحرب الباردة، والتى شاهدنا نماذج كثيرة منها فى الفترة الأخيرة، لا أعتقد أن تذكّر ديكتاتورية ستالين ودموية بيريا، رجل الأمن الشرس، يتم استدعاؤهما هنا بدون معنى، خصوصا أنه لا يوجد نموذج روسى جيد واحد فى الفيلم، لا بين الشعب، ولا بين المسئولين، حتى الفتاة عازفة البيانو التى تتجرأ فتكتب رسالة تهاجم فيها ستالين، وتدعو عليه بالموت، وتتسبب هذه الرسالة فى موت الديكتاتور، حتى هذه الفتاة توافق على أن تعزف على البيانو مرة أخرى مقابل آلاف الروبلات، وتبدو شجاعتها غير منطقية، وسط هذا الطوفان من الخوف والنفاق. الشعب نفسه الذى عانى من مجازر ستالين، نراه وهو يتدفق بالقطارات، لكى يلقى النظرة الأخيرة على قاتله.هناك خيط رفيع بين السخرية من الديكتاتور ومعاونيه، والسخرية من الروس عموما، وقد سقط هذا الخيط، بشكل لا يبدو بريئا، خصوصا أن فكرة إطاحة كل حاكم بمن كان قبله، وتجرع كل قائد من نفس الكأس، يمكن أن يمتد معناه إلى الحاضر الروسى، وبينما يبدو مقبولا بالطبع السخرية من ستالين وبيريا وحتى من خروتشوف، فإن السخرية وصلت بشكل غير لائق من شخص مثل زوكوف، الذى يعتبر من أبطال الاتحاد السوفيتى فى الحرب العالمية الثانية، وفى النهاية، فإن ما يصل للمتفرج هو التذكير بأن هذه البلاد الروسية هى موطن الديكتاتورية، أو على الأقل، من السهل أن تحكم بالحديد والنار، وأن تمثل نقيضا واضحا لقيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.

 

 

إذا تركنا هذه الملاحظة الواضحة، فإننا أمام كوميديا سوداء جيدة تستحق المشاهدة، ستالين كما يظهر فى الفيلم شخص مفزع، يتملقه كل من حوله، وهو يطلب اسطوانة مسجل عليها حفلة موسيقية مذاعة على الهواء، فيتم تنفيذ الأمر فورا: يعيدون الجمهور، ويحضرون مايسترو من بيته بالبيجاما، ولكن عازفة البيانو التى قتل ستالين والدها وشقيقها تتجرأ فتضع بجوار الاسطوانة ورقة فيها هجوم على ستالين،فيموت الديكتاتور فجأة، ومن هنا يبدأ بيريا الرهيب، وبقية أعضاء اللجنة المركزية، فى الصراع على السلطة، تظهر فى الفيلم شخصيات مثل خروتشوف ومولوتوف وزوكوف، وينجح الأخير فى الإطاحة برجل العمليات القذرة بيريا، الذى تتم إدانته، ثم يعدم فى دقائق، ونعرف فى النهاية، أن خروتشوف انفرد بالسلطة، ثم انقلب بريجنييف على خروتشوف وأطاح به، أجواء تذكرنا عموما بأجواء أفلام الستينيات، التى تنقل للمشاهد عالم ما وراء الستار الحديدى، وهو أمر لابد أن يؤخذ ببعض الحذر الواجب، حيث يبدو هدف إدانة الديكتاتورية مثل العسل الذى يوضع فيها هدف دعائى مستتر، وهو التحذير من الحاكم الفرد، الذى يحكم من الكرملين، فى كل زمان ومكان!