رئيس التحرير
ماذا يريد الرئيس؟
By m kamalمايو 25, 2025, 17:52 م
510
الأربعاء الماضي، وخلال افتتاح المرحلة الأولى من مدينة «مستقبل مصر للتنمية الصناعية»، وموسم حصاد القمح بعدد من المناطق المستصلحة ضمن المشروع القومي “مستقبل مصر”، وأثناء العرض الذي قدّمه العقيد الدكتور بهاء الغنام، المدير التنفيذي لجهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، علّق الرئيس على عدد من النقاط.
والحقيقة أن السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي يحرص دائمًا على توضيح الصورة، أو كما يحب أن يوجّه المسئولين دائمًا بقوله: “خلّوا الناس تعرف الحكاية”.
هذا التعبير يُبرز حرص الرئيس على إطلاع المواطن على كل التفاصيل، لأنه شريك وفاعل وله دور مهم في بناء المشروع الوطني المصري.
مداخلات الرئيس، سواء مع الوزراء أو المحافظين أو المسئولين خلال عرضهم لبعض المشروعات، تستهدف دائمًا تعريف المواطن بكل التفاصيل، فى ظل الشفافية التى يحرص عليها رئيس الجمهورية، وكذلك التعرف على الأهداف الأساسية لمثل تلك المشروعات.

توقّف الرئيس خلال كلمة الدكتور بهاء الغنام عند عدة نقاط، ليضع المواطن أمام تفاصيل ما تم إنجازه خلال الفترة الماضية، لكى نعلم جميعًا أن تضحيات هذا الشعب، وتحمّله للأوضاع الاقتصادية، لم تذهب سُدى، بل تُصنع وتُبنى بها مستقبل هذا الوطن، وسيجنى ثمار ما بُنى فى القريب بإذن الله.
إن التعريف بحجم التحديات، وكيف تم التغلب عليها، ليس مجرد عرض، إنما هو عملية استنهاض للهمم كى تواصل مسيرة التنمية والبناء، عندما يدرك الجميع أن ما يُجرى يتم وفق تخطيط دقيق، وعمل احترافى، وجهود مخلصة، ورجال لا يعرفون لغة سوى بناء الوطن وصون الأمانة.
(1)
توقّف الرئيس عند نقطة مهمة للغاية، وهى “الفرصة البديلة”، وكيف أن ما قامت به الدولة من إنجاز خلال الفترة الماضية، لو تأخر، لارتفعت التكلفة وتضاعفت، فتحوّل إلى معوق، وخسرت مصر ما تحصده اليوم من إنجاز، يُسهم بشكل كبير فى تقليل فاتورة الاستيراد، ويُعظّم من حجم الصادرات المصرية.
وهو تحدٍّ ليس بالهين، لكن الإرادة أيضًا تمثل تحديًا آخر؛ فلولا وجود الإرادة لدى الدولة المصرية حاليًا، لما تم إنجاز مثل هذه المشروعات.
وهنا، كان التخطيط الجيد أحد أهم عوامل النجاح، ففى القطاع الزراعي، تتراوح تكلفة استصلاح الفدان الواحد ما بين 200 إلى 300 ألف جنيه، أى أن عملية استصلاح مليون فدان تكلّف من 200 إلى 300 مليار جنيه، وهو مبلغ ليس بالقليل، مما يجعله تحديًا أمام عملية الوصول إلى الهدف.
كما أن الدولة المصرية تواجه تحديًا آخر، وهو ضرورة توفير السلع الاستراتيجية والغذاء، فى ظل تقلبات اقتصادية عالمية، وأزمات فى سلاسل الإمداد، وإدراك أن الأمن الغذائى بمفهومه الشامل جزء رئيسى من الأمن القومي، وأحد النقاط المهمة لتحقيق استقرار الدول.
الأمر الذى يتطلب السير بشكل سريع نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي، لتأمين الغذاء للمواطن.
من هنا، كان لابد من التوسع فى الرقعة الزراعية، فى ظل محدودية الرقعة الزراعية القديمة، وزيادة النمو السكاني، والتكاليف الضخمة لإنشاء بنية تحتية داخل الأراضى الصحراوية، التى يمكن أن تصلح للزراعة بعد تأهيلها لذلك.
ولأن التجارب التى تمت على مدى عدة عقود سابقة بشأن التوسع فى استصلاح الأراضى من خلال القطاع الخاص لم تصل إلى الهدف المرجو منها، نظرًا للتكلفة العالية، فقد أُهملت المشروعات، وتم “تسقيع” الأراضي.
هنا، اتخذت الدولة المصرية قرارها المبنى على إرادتها القوية، ورؤية مدروسة بدقة، تستهدف تجنّب أخطاء الماضي، لذا، كان على الدولة أن تتحمّل العبء الأكبر، وتقوم بإنشاء البنية التحتية واستصلاح هذه المساحة الضخمة، التى تصل، باكتمال مراحلها، إلى نصف مساحة الرقعة الزراعية القديمة فى مصر، التى تكوّنت عبر آلاف السنين.
فتم استهداف زراعة 4.5 مليون فدان جديدة، وباكتمال المشروع، سيتغير وجه الدولة المصرية.
لكن، هذا الأمر ليس بالهين، فى ظل تحدٍ آخر، وهو توفير المياه والطاقة، فكانت أكبر عملية معالجة ثلاثية لمياه الصرف، طبقًا للكود العالمي، لكى تصلح للزراعة.
إن حرص الدولة على سرعة إنجاز مثل تلك المشروعات، وتعظيم القيمة المضافة لها، فى تحدٍّ مع الزمن، يقلل من حجم التكلفة، ويزيد من حجم العوائد.
ولأن الدولة تدرك دور القطاع الخاص فى تحقيق النمو الاقتصادى وزيادة الناتج القومي، فقد طرحت مثل تلك المشروعات لدخول القطاع الخاص لاستكمال عملية الزراعة والإنتاج، بعد أن تحملت الدولة عبء أكبر تحدٍّ أمام مشروعات التنمية الزراعية، وهو إنشاء البنية التحتية (الطرق، الكهرباء، المياه، وتجهيز الأرض للزراعة).
كما أن الدولة تعمل على سرعة إنجاز المشروع القومي، الذى شهد حتى الآن إنجاز إضافة 2.2 مليون فدان للمساحة المنزرعة، ويُجرى العمل على استكمال باقى المساحة، بعد أن استفادت مصر من تجاربها، وأصبحت لديها خبرة كبيرة فى مثل هذه المشروعات، ومن المنتظر أن يُضاف 800 ألف فدان فى شهر سبتمبر المقبل.
إن زراعة مليون فدان توفر مليون فرصة عمل، ما يعنى إقامة مليون أسرة، ما يقارب من 3 إلى 4 ملايين فرد، وهو عدد سكان محافظة كاملة من المحافظات كثيفة السكان.
الأمر الذى يساعد فى إعادة توزيع السكان، للخروج من الوادى الضيق، وتحقيق الرؤية التى كثيرًا ما كان يردّدها البعض، لكنها لم تتحوّل إلى واقع، لتتحقق اليوم، ويتم إنشاء تجمعات سكانية بالقرب من تلك المشروعات التى تتوافر بها فرص العمل، فى ظل إنشاء تجمعات صناعية تعمل على المنتجات الزراعية، لتحقيق قيمة مضافة قبل تصدير الفائض منها إلى الخارج.
لقد تحدّث الرئيس عن زراعة 500 ألف فدان فى سيناء، وهو مشروع من أهم المشروعات الزراعية، الذى يُحقق عملية “زراعة سيناء بالبشر”.
لقد استطاعت “الدلتا الجديدة” أن توفّر مليار دولار من الصادرات الزراعية.
(2)
توقّف الرئيس عند نقطة أخرى، وهى ما تم بشأن تنمية الثروة الحيوانية، وما تحقق فيها، ليذكّر الجميع بأنه تحدّث فى تلك النقطة أكثر من مرة، ومنذ ثلاث سنوات، كان ذلك بالتحديد فى 13 يونيو 2022.
وأتذكر أننى كنت ضمن الحضور، خلال افتتاح مشروع مجمع الإنتاج الحيوانى والألبان فى مدينة السادات، وكان وزير الزراعة حينها السيد القصير، وطلب الرئيس من الوزير ضرورة وضع خطة لعملية إحلال للثروة الحيوانية، بسلالات ذات إنتاجية أعلى من اللحوم والألبان، خاصة بعد العرض الذى قدّمه رئيس جهاز الخدمة الوطنية، ووزير الزراعة.
وأكد الرئيس حينها أن مثل هذه السلالات، حال إحلالها بدلًا من السلالات المحلية، ستوفّر حجم احتياجات السوق من اللحوم والألبان، كما سترفع من دخل المزارع.
لكن عملية الإحلال تعثرت، ولا أحد يعرف السبب، وعندما طرحنا الأمر على عدد من المسئولين فى وزارة الزراعة والطب البيطري، على صفحات المجلة قبل عامين، لم نجد ردًا عن سبب تأخر مشروع إحلال الثروة الحيوانية.
ليتحدث الرئيس من جديد حول هذا الأمر، وضرورة الإسراع فى تنفيذ مشروع إحلال الثروة الحيوانية، لما له من عائد إيجابى على المزارع، ليتضاعف حجم إنتاج الرأس الواحدة من الماشية من الألبان أربع مرات، وكذلك فى حجم تحويل اللحم، ليصل إلى 1.5 كيلو فى اليوم، مما يُساهم فى توفير منتجات الألبان، وتخفيض الفاتورة الاستيرادية.
لقد كان حديث الرئيس موجّهًا للحكومة ورجال الأعمال والمستثمرين، بضرورة تضافر الجهود للنهوض بالدولة فى هذا القطاع، خاصة أنه من القطاعات التى تُساهم بشكل كبير فى سد الفجوة الغذائية.
كما أن عملية الإحلال ستزيد من حجم إنتاج الألبان، مما يُتيح الفرصة لإنشاء مصنع لألبان الأطفال يغطّى حاجة السوق المحلي، فى ظل استيراد مصر لكميات كبيرة من ألبان الأطفال.
إن ما طرحه الرئيس من إمكانية إحلال للثروة الحيوانية من خلال مسارات مختلفة، منها على سبيل المثال أن يكون ضمن هذه المسارات قيام بعض برامج تقديم الدعم للأسر الأولى بالرعاية فى الريف بتحويل هذا الدعم إلى عملية إحلال للثروة الحيوانية لدى تلك الأسر، مما يُحقق لها عائدًا ماديًا، ويحوِّل هذه الأسر إلى أسر منتجة، وهى رؤية من الممكن تطبيقها على الأسر التى ترعاها مظلة “تكافل وكرامة”، أو “حياة كريمة”، أو أى من مبادرات المجتمع المدنى الأخرى.
ثم توقّف الرئيس عند تطوير البحيرات، وأهمية الحفاظ عليها من قِبل كل جهات الدولة، وكذلك وعى المواطن بأهمية الالتزام بالإجراءات والقرارات الخاصة بمواعيد الصيد، لتنمية الثروة السمكية، وزيادة الإنتاجية، والحفاظ على البيئة البيولوجية بها.
لقد أراد الرئيس تسليط الضوء على حجم ما تحقق من إنجاز خلال السنوات الماضية، من إعادة تلك البحيرات إلى طبيعتها، وتطهيرها، وإزالة المخالفات التى ظلّت تحتلها لعقود، لتعود إليها الحياة من جديد، ويزيد حجم الإنتاج بها، الأمر الذى يتطلب من الجميع أن يتكاتف للحفاظ على ما تحقق، وعدم السماح بأى مخالفة تقع فى تلك البحيرات، من أجل توفير احتياجات السوق المحلى من الأسماك.
لقد أراد الرئيس أن يلفت النظر إلى حجم ما تم إنجازه خلال الفترة الماضية من مشروعات، ومساهمتها فى توفير فرص العمل، ودور ذلك فى إعادة توزيع السكان، وهو ما تعمل عليه الدولة حاليًا.
يقع مشروع “مستقبل مصر” على امتداد طريق محور الضبعة، فى نطاق مشروع “الدلتا الجديدة”، ويُعد بمثابة بوابة مصر الزراعية الغربية.
يتميّز المشروع بموقعه الاستراتيجي، بالقرب من عدد من الموانئ البحرية والمطارات، منها ميناء الإسكندرية، وميناء الدخيلة، ومطارا سفنكس وبرج العرب، مما يُسهل عمليات النقل والتصدير.
يمتد المشروع على مساحة 2.2 مليون فدان، وتُعد هذه المساحة واحدة من أكبر مشروعات استصلاح الأراضى الزراعية فى مصر خلال العقود الأخيرة.
أحد أبرز جوانب المشروع هو الاعتماد على التكنولوجيا الزراعية الحديثة، والميكنة الشاملة فى جميع مراحل الزراعة، من الحرث والغرس إلى الحصاد.
وتضم الأراضى الزراعية التابعة للمشروع شبكة رى حديثة تعتمد على الرى بالتنقيط والرى المحوري، لتقليل الفاقد من المياه وزيادة كفاءة استخدامها.
كما يتم استخدام أنظمة مراقبة ذكية (Smart Farming) لقياس مستويات الرطوبة والتغذية بالتربة، ومراقبة نمو النباتات، وتوجيه عمليات الرى والتسميد بناءً على بيانات دقيقة، ما يؤدى إلى مضاعفة الإنتاجية وخفض التكاليف.
لم يقتصر المشروع على الزراعة فقط، بل يشمل فرصًا واسعة للاستثمار فى الصناعات الغذائية، والتعبئة والتغليف، وسلاسل الإمداد، بما فى ذلك إنشاء مصانع للفرز والتعبئة، ومراكز لتجميع المحاصيل، ووحدات تبريد وحفظ، مما يضمن استدامة سلاسل القيمة المضافة.
كما أن قرب المشروع من عدد من المناطق الصناعية الكبرى يعزّز من فرص إقامة مشروعات تكاملية تعتمد على الإنتاج الزراعى كمادة خام أولية، مما يضاعف القيمة المضافة من الناتج الزراعي.