لم يكن اختيار اسم المشروع التدريبي السنوي للقوات المسلحة هذا العام من قبيل الصدفة (قادر 2020 )، فالجيوش الكبيرة لا تعرف هذا الأمر (الصدفة)، إنما تخطط بدقة وتنفذ باحترافية، وهو ما يقوم به الجيش المصري.
فجر الأربعاء الماضي كانت درجة حرارة الجو في القاهرة تقترب من 12 درجة مئوية، وعلى الحدود الغربية كانت 3 درجات مئوية، وفى بعض المناطق الحدودية وصلت إلى 1 درجة مئوية تحت الصفر.
رغم تلك الأجواء إلا أن أبطال القوات المسلحة، كانوا يواصلون تنفيذ مهمتهم باحترافية شديدة على كافة المحاور الاستراتيجية (الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية) وفى توقيت متزامن، لتنفيذ المهمة (حماية وطن) وتأكيد ما عاهدوا عليه الوطن (قادرون).
وصلنا إلى مطار شرق القاهرة للتوجه إلى ” قاعدة برنيس العسكرية” في جو قارص البرودة إلا أننا وجدنا ابطال القوات الجوية وكأنهم في أجواء مختلفة .. إنها المسئولية والحياة العسكرية، والعمل المتواصل لحماية الوطن.
توجهنا إلى الطائرة العسكرية لتقلنا إلى موقع الاحتفال، الذي يبعد على القاهرة مسافة تزيد على الـ900 كم ، قطعتها الطائرة في 90 دقيقة تقريبا.
كانت تلك الدقائق هي عمر الرحلة، ولكن في الحقيقة أن الطريق إلى “قاعدة برنيس العسكرية” كان بمثابة رحلة إلى مصر القوية، بدأت عندما أدركت القوات المسلحة حجم المخاطر والتهديدات التي تحيط بالبلاد في الوقت الذى غابت عن الكثير منا تلك الحقائق، وقدم البعض مصالحه الشخصية على الوطن.
كانت القوات المسلحة ومازالت هي القوة، وعمود الخيمة، والسند، والحامي لهذا الوطن.
ما إن دارت محركات الطائرة مقلعة من مطار شرق القاهرة، حتي دارت في ذهني أحداث كثيرة على صوتها مع ارتفاع صوت محركات الطائرة.
كنت قبل تلك الرحلة أتابع – كما كنا جميعا نتابع – أعمال المناورة الرئيسية للقوات المسلحة لهذا العام التي حملت اسم ” قادر 2020″ وجميعنا كان يشعر بالزهو والفخر بهذه الدرجة من الاحترافية في القتال، والدقة في التخطيط، وحجم القوة العسكرية التي باتت تمتلكها مصر بما قامت به من تحديث وتطوير لكافة أسلحتها وقواتها.
لكن دائما هناك نظرية عسكرية استطاع المقاتل المصري أن يسطرها وتدرسها كافة المدارس والكليات والمعاهد العسكرية على مستوى العالم؛ وهي أن المقاتل هو الرقم المهم في المعركة، فليس بتحديث السلاح فقط وإنما بتحديث السلاح وقوة المقاتل واحترافية، تكون النتيجة.
جاءت رؤية القائد مبنية على استشراف للمستقبل من خلال أحداث الماضي، وما كان يجري على الأرض من تحركات تستهدف تدمير الدول.
كان القرار: المهمة .. حماية وطن.
من هنا كانت البداية، لوطن كان يواجه أكبر المخاطر والتهديدات فى الداخل والخارج.
جماعة طامعة في ثروات الوطن ومقدراته ولا تكترث به، ولا تؤمن سوى بالقتل والتخريب والتدمير.. وقوى شر خارجية طامعة في مقدرات الدولة المصرية.
كان التوجيه الاستراتيجي من البداية ” بلدنا هنحميها”… واقسم الرئيس عبدالفتاح السيسي يمينا ” والله العظيم اللي هيقرب منها لهشيله من على وش الأرض ”
لم يكن القسم استعراضا، ودغدغة لمشاعر المصريين في تلك الأثناء، لكنه كان يمينا؛ هو يعلم تماما، أن المؤسسة العسكرية الوطنية، والشعب المصري سيعينونه على أن يبر بقسمه.
قبل عام 2011 كانت الدولة المصرية قد أصابتها حالة من الترهل، وهو ما جعل الطامعين يسيل لعابهم علي مقدراتها، ولكنهم كانوا يخشون ذلك الأسد (الجيش) الذي يدافع عن عرينه (الوطن).
ومع أحداث 2011 وما تبعها ظنوا أن الدفع بالقوات المسلحة إلى الأزمات المتتالية ومحاولة إدخال الدولة في أتون الفوضى، قد يضعف تلك المؤسسة، ويبعدها عن مهمتها الأساسية.
لكن سرعان ما استقام الأمر، واستطاع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أن ينجوا بالدولة من ذلك المخطط .. إلا أن دولة بهذا الشكل هل تستطيع أن تواصل مسيرتها لمواجهة المخاطر والتهديدات والتي كان في مقدمتها الإرهاب، والاوضاع الاقتصادية، وإعادة بناء الدولة التي ترهلت بنيتها التحتية؟.
الإجابة لم تكن سهلة، والرؤية كان لابد أن تكون دقيقة، فكان الطريق مليء بالمعوقات لكن التخطيط الجيد والقيادة الحكيمة، والرؤية المبنية على الصدق والشفافية والعمل المتواصل والاخلاص، كانت بمثابة نقطة العبور لذلك المنعطف الخطير.
ولأن الأقوياء لا يستطيع أحد الاقتراب من مقدراتهم، فكان لابد من إعادة تسليح القوات المسلحة، وبنائها لتكون قادرة على حماية الأمن القومي ومواجهة أي تهديد يستهدف المساس بتراب الوطن.
كان القرار صعبا، ولما لا وقد كان أشبه بقرار دخول معركة غير متكافئة، والنتائج كما كان يتوقعها الكثيرون قد تدفع بالبلاد إلى أزمة، وظلت قوى الشر تمني نفسها بذلك، ظنا منها ان الشعب المصري لم يتعلم الدرس بعد عام كان من أصعب أيام الدهر التي مرت على البلاد واستطاع الشعب أن يزيح الغمة فى 30 يونيو 2013، ليقف الجيش في ظهر الشعب المسترد لوطنه، ويرى القائد في الافق حجم المؤامرة، وما يحاك، ضد مصر، من تخطيط لأعمال قتل وتدمير وتخريب، ليكفر المصريون بوطنهم.
كان القرار أن يتلقى أبطال القوات المسلحة والشرطة المصرية بصدورهم رصاصات الغدر والخيانة التي تطلقها العناصر الإرهابية باتجاه الوطن.
وتقدم القوات المسلحة والشرطة الأبطال فداء لمصر، ليأمن المصريون ويستقر الوطن.
وصلنا إلى “قاعدة برنيس العسكرية” فى الساعة الثامنة صباحا، فقد هبطت الطائرة في مطار برنيس العسكرى وهو داخل القاعدة وإلى جواره مطار برنيس الدولي.
المشهد كان مهيبا، حجم القوات المصطفة في القاعدة، الطائرات على المدرج، من مختلف الطرازات الحديثة والتي حصلت عليها مصر خلال السنوات الخمس الماضية.
تذكرت عندما زرت عام 2009 مطار برنيس العسكري، وأنا في طريقي لعمل موضوع صحفي عن تلك المنطقة وصولا إلى منفذ رأس حدربه على الحدود بين مصر والسودان عند دائرة عرض 22
تغير كبير حدث للمنطقة بإنشاء “قاعدة برنيس العسكرية” ومطار برنيس الدولى ومحطة تحلية مياه البحر وحجم شبكة الطرق العرضية التي ربطت بين تلك المنطقة وقنا واسوان على النيل.
في القاعدة كان الاصطفاف للقوات المشاركة في العمليات ضمن المرحلة الرئيسية للمناورة، حجم الطائرات على الممرات ثم انطلاقها مع بدء العمليات بتلك الكثافة القتالية في منطقة واحدة، أكدت براعة ومهارة الطيارين المصريين، وكيف تمت السيطرة على كل هذا العدد فى توقيت واحد وبدقة شديدة وجميعها نفذت مهامها بنجاح فشاركت طائرات الرافال والميج 29 فى أول ظهور لها فى العمليات القتالية بعد انضمامها للقوات الجوية وf16 والهليكوبتر k52 الملقبة بالتمساح والمتعددة المهام، إلى جوار الأباتشي وطائرات النقل وطائرات الاستطلاع في عملية غاية في الدقة.
وتذكرت مع هذا العدد الضخم معركة المنصورة الجوية التى مازالت تدرسها المعاهد والكليات العسكرية التي سطرت فيها قواتنا الجوية أعظم البطولات.
كما شاركت القوات البرية وقوات الدفاع الجوي حماة السماء، وقوات الصاعقة والمظلات، وقوات التدخل السريع.
إنهم بحق رجال لا يهابون الموت أقسموا أن يموتوا فداء لهذا الوطن.
وانتقلنا إلى القاعدة البحرية ببرنيس حيث قامت القوات البحرية بمعاونة القوات الجوية والصاعقة البحرية بعملية التصدي لقوات معادية واستطاعت باحترافية شديدة تنفيذ المهمة بنجاح.
إن ما حدث خلال الأسبوع الماضي وكان يوم الاربعاء تتويجا له بافتتاح قاعدة برنيس العسكرية لم يأت صدفة ولكنه العمل والتخطيط لأجل مستقبل أفضل لوطن يواجه تحديات وتحيط به المخاطر.
فلولا شبكة الطرق الضخمة ما استطاع كل هذا الكم من القوات من القيام بالفتح الاستراتيجي المخطط للعمليات في توقيت متزامن وعلى كافة المحاور الاستراتيجية، دون ان تتأثر حركة الطرق في أي مكان.
ولولا تحديث أسلحة كافة أفرع القوات المسلحة لما شاهدنا تلك القوة المصرية، وقدرتها على تنفيذ المهام المكلفة.
ولولا المقاتل المصري والتدريب المتواصل ما شاهدنا هذه الاحترافية العالية التي شاهدناها من طياري القوات الجوية من سرعة التحرك ودقة تنفيذ المهام وإصابة الاهداف.
ولولا الشهداء ومصابي العمليات العسكرية في مواجهة الإرهاب الذين ضحوا بأرواحهم لتبني مصر طريق مستقبل أفضل لأبنائها، ما كانت عملية التنمية التي تشهدها مصر فى كافة المناطق.
تحية لكل شهيد ومصاب من مصابي العمليات فى مواجهة الإرهاب وتحية لأسرهم الذين قدموا فلذات اكبادهم فداء لهذا الوطن.
تحية للذراع الإعلامية للقوات المسلحة (إدارة الشئون المعنوية) على الدور الذي قاموا به لنقل صورة ما تقوم به قواتنا المسلحة عبر وسائل الاعلام فمنحونا الفرصة لكي نزداد فخرا بقواتنا المسلحة، فشكرا لهم على ما يقومون به من دور مهم فى المعركة يقدمونه باحترافية عالية.