الرئيسية سياسة انكماش اقتصاد الصين وروسيا.. أمريكا تلاعب اقتصاديات العالم
سياسةشئون دولية
انكماش اقتصاد الصين وروسيا.. أمريكا تلاعب اقتصاديات العالم
By amrأغسطس 22, 2022, 14:32 م
1287
صفاء مصطفى
نجحت سياسات البنك الفيدرالي الأمريكي فى خفض معدلات التضخم غير المسبوقة منذ أربعة عقود، بالتزامن مع تراجع معدل البطالة، والقدرة على الاحتفاظ بالهيمنة الأمريكية على صناعة السلاح العالمية، ما يؤكد أن صناع القرار فى الولايات المتحدة استطاعوا قيادة سفينة الأزمات العالمية فى اتجاه نجاة الاقتصاد الأمريكي من تداعيات الأزمات العالمية، وذلك على الرغم من انكماش الاقتصاد الصيني ثاني أكبر الاقتصادات العالمية إلى معدلات قياسية أحدثت هزة فى الأسواق العالمية بالتزامن مع انكماش اقتصاد روسيا الدولة النووية ذات الثقل الاستراتيجي العالمي سياسيا وعسكريا والمحرك الأساسي لأسعار الطاقة، علاوة على معاناة دول العالم بما فيها الدول النفطية الغنية والدول الأكثر تقدما، نتيجة لتداعيات أزمات اقتصادية طاحنة خلفتها التوترات العسكرية والسياسية المصاحبة للحرب الروسية الأوكرانية، والتي اندلعت فى بداية مرحلة تعافى الاقتصاد العالمي من التداعيات السبية لوباء كورونا.
تعقيبا على هذه المؤشرات كشفت تقارير وسائل إعلام دولية ورؤى تحليلية لخبراء دوليين عن تناقض فى مؤشرات أداء الاقتصاد الأمريكي ومفارقات ما بين تصريحات صناع القرار والأداء الفعلي للنشاط الاقتصادي على أرض الواقع، ومن أهم هذه التناقضات التي رصدتها وسائل إعلام أمريكية.
الولايات المتحدة فى حالة تشغيل كامل.. وربما فى حالة ركود، الاحتياطي الفيدرالي يشدد.. والأوضاع المالية تتراجع، ثقة المستهلك متزعزعة.. لكنهم ينفقون بجنون!، الرؤساء التنفيذيون قلقون من التضخم..المستثمرون متفاؤلون ويجنون الأرباح! وتعقيبا على هذه التناقضات اتفقت غالبية الرؤى على أن الاقتصاد الأمريكي يرسل إشارات متناقضة ويعبر الأزمات على جسر التوترات العالمية.
مخاطر اقتصادية عالمية
من جانبها حذرت صحفية فايننشال تايمز الأمريكية، من أن خطرًا مزدوجًا متمثلا فى تباطؤ النمو وارتفاع التضخم، أو ما يسمي
بـ «الركود التضخمي»، سيضرب الاقتصاد العالمي العام الجاري نتيجة لتفاقم الحرب الروسية الأوكرانية علاوة على التباطؤ الاقتصادي الذي تسببت فيه جائحة «كوفيد-19».
وبحسب الصحيفة الأمريكية كشفت بيانات رسمية، أن الاقتصاد العالمي يتجه على نحو متزايد نحو تباطؤ خطير على ما يبدو مع رفع بنوك مركزية أسعار الفائدة بنسب مرتفعة مقارنة مع سياسة نقدية شديدة التيسير خلال فترة الجائحة لدعم النمو.
انكماش اقتصادي صيني مقلق
سجلت الصين تراجعا حادا فى نموها الاقتصادي فى الربع الثاني من العام الجاري 2022، محققه أسوأ أداء منذ 2020 نتيجة للتأثيرات السلبية للقيود الصحية وأزمات القطاع العقاري، على الاقتصاد الصيني علاوة على تداعيات التوترات العسكرية والسياسية الإقليمية والعالمية.
وكشفت إحصائيات رسمية، صادرة مؤخرًا، أن نمو إجمالي الناتج المحلي لثاني أكبر اقتصاد فى العالم لم يتعد 0.4 % خلال الفترة من أبريل إلى يونيو، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي.
جدير بالذكر أنه فى الربع الأول من 2022، سجلت الصين نموا فى إجمالي ناتجها المحلي بلغت نسبته 4.8% على أساس سنوي، إلا أنه بحسب تحليلات خبراء ومختصين واجه الاقتصاد الصيني أوضاعا غير عادية للغاية إنعكاسا للتوترات والأزمات الدولية، بالتزامن مع تفشي وباء كوفيد – 19 فى الصين، وفقا لتصريحات المسؤول فى مكتب الإحصاءات الوطني الصيني فو لينغوي، الذي أكد أن هذه الأوضاع كانت نتيجتها انكماش نمو العملاق الآسيوي بنسبة 2.6 % من ربع سنة لآخر بعد تسجيل ارتفاع بنسبة 1.3 % خلال الربع الأول ما بين يناير ومارس.
وتعقيبا على هذه المؤشرات أوضح الخبير الاقتصادي الدولي، راجيف بيسواس، بمؤسسة ستاندارد أند بورز جلوبال ماركت إنتليجنس، أنه على الرغم من أن الأسواق كانت تتوقع انكماشا، فى الاقتصاد الصيني إلا أن حجمه شكل «صدمة» عنيفة للأسواق.
انكماش الاقتصاد الروسي
كشفت بيانات اقتصادية صادرة عن البنك المركزي الروسي، عن انكماش الاقتصاد الروسي خلال الربع الثاني من العام الحالي، وذلك لأول مرة منذ أكثر من عام، رغم أن الانكماش جاء أقل من التوقعات.
وبحسب البيانات التي أصدرها البنك المركزي الروسي، تراجع إجمالي الناتج المحلي لروسيا خلال الربع الثاني من العام الحالي بنسبة 4% على أساس سنوي على خلفية تداعيات الحرب الروسية فى أوكرانيا والعقوبات الغربية ضد روسيا.
وذكرت وكالة بلومبرج الأمريكية، أن انكماش الاقتصاد الروسي خلال الربع الثاني أعاد حجم إجمالي الناتج المحلي لروسيا إلى مستواه قبل 4 سنوات، ليسجل أطول فترة تراجع على الإطلاق رغم أنه أقل من التوقعات.
فى الوقت نفسه، نشر البنك المركزي الروسي مسودة توقعاته للسنوات الثلاث المقبلة، حيث
لا يتوقع عودة الاقتصاد الروسي إلى النمو بمعدل يتراوح بين 5ر1% و5ر2% قبل حلول 2025، كما أبقى البنك على توقعاته للاقتصاد للفترة من 2022 حتى 2024، حيث يتوقع انكماش الاقتصاد بمعدل يتراوح بين 4 و6% خلال العام الحالي ثم بمعدل يتراوح بين 1 و4% خلال العام المقبل.
وكانت وزارة الاقتصاد الروسية، توقعت أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.8%، خلال 2022، فى سيناريو أساسي، أو بنسبة 12.4% فى ظل سيناريو أكثر تحفظا، وهو دليل آخر على التأثيرات السلبية للعقوبات، بحسب «رويترز».
وتتفق التوقعات المتحفظة مع توقعات وزير المالية السابق أليكسي كودرين، الذي قال فى وقت تصريحات سابقة إن الاقتصاد فى طريقه للانكماش بأكثر من 10% هذا العام، فى أكبر انخفاض فى الناتج المحلي الإجمالي الروسي منذ 1994.
ومن جانبه، قال ألكسندر إيزاكوف المتخصص فى الاقتصاد الروسي، إن اقتصاد روسيا ستفقد حصيلة 4 سنوات من النمو ويعود إلى حجمه عام 2018 خلال الربع الثاني، وأنه من المتوقع تباطؤ وتيرة الانكماش حتى الربع الأخير من العام المقبل نتيجة استمرار الطلب الاستهلاكي الناجم عن السياسة النقدية المرنة من جانب البنك المركزي الروسي، ومع ذلك من المتوقع انكماش الاقتصاد الروسي بنسبة 2% من إجمالي الناتج المحلي خلال العام المقبل نتيجة تراجع الصادرات بسبب الحظر الأوروبي على استيراد النفط الخام من روسيا.
خفض معدلات التضخم الأمريكية
انخفض معدل التضخم السنوي فى الولايات المتحدة الأمريكية خلال شهر يوليو الماضي دون التوقعات مسجلا 8.5%،
وبحسب بيانات نقلتها شبكة سي إن بي سي، الأمريكية انخفض التضخم مدفوعًا بتباطؤ وتيرة ارتفاع الأسعار بسبب انخفاض أسعار البنزين إلى حد كبير، مشيرة إلى أنه على أساس شهري، كانت الأسعار ثابتة، حيث انخفضت أسعار الطاقة على نطاق واسع بنسبة 4.6٪ وانخفض البنزين بنسبة 7.7٪، فى مقابل زيادة شهرية بنسبة 1.1٪ فى أسعار المواد الغذائية وزيادة بنسبة 0.5٪ فى تكاليف المأوى.
وكــــــــــــان اقتصاديون يتوقعون أن يرتفع مؤشر أسعــــــــــــــار المستهلكين الرئيسي بنسبة 8.7٪ على أساس سنوي فى يوليو الماضي .
التناقض على أرض الواقع
العلاقة بين مدخلات الاقتصــــاد الأمريكــــــــي ومتخذي القرار فــــــى الولايات المتحدة الأمريكية فى حالة من التغير المستمر تحاكــــــــي السلوك البشري منذ جائحة كورونا، وذلك ما تؤكده مؤشرات أداء الاقتصاد الأمريكي، ومن ثم الاقتصاد الأمريكي لا يخضع لقوانين إدارة النشاط الاقتصادي المتعارف عليها عالميًا، هذا ما أشارت اليه تحليلات تيم فيرنهولز المتخصص فى تغطية القضايا المشتركة بين السياسة والتكنولوجيا والأعمال ومراسل أول فى موقع الأعمال العالمي « كوارتز» لتغطية قضايا السياسة العامة والصناعات الناشئة، والتي نشرتها عدد من الصحف الأمريكية.
ورصد المحلل الاقتصادي الأمريكي عددا من التناقضات فى مؤشرات أداء الاقتصاد الأمريكي، إبان الأزمات الاقتصادية العالمية المصاحبة لجائحة كورونا والحرب الروسية، مؤكدًا أن العلاقات النموذجية بين مؤشرات أداء الاقتصاد الأمريكي تباعدت بصورة مدهشة.
تشغيل كامل..وربما ركود
أوضح المحلل الاقتصادي الأمريكي تيم فيرنهولز، أن معدل البطالة فى الولايات المتحدة الأمريكية بلغ 3.6٪ فى يونيو الماضي، وذلك على الرغم من أنه هذا التوقيت، كانت المؤشرات الأخرى، ولا سيما القياسات المبكرة للإنتاج الاقتصادي، سلبية بعض الشيء فى النصف الأول من العام الجاري، مما يشير إلى أن الركود وشيك أو يحدث بالفعل، لافتًا أن هذه المؤشرات على درجة كبيرة من التناقض المثير للدهشة، وذلك لأنه بعيدًا عن التفاصيل الدقيقة لتحديد ماهية الركود، فإنها تتضمن عادةً خسائر كبيرة فى الوظائف وارتفاع معدل البطالة، مؤكدا أن هذا المزيج من سوق عمل قوي وصورة نمو غير مؤكدة يعد مفارقة كبيرة فى النشاط الاقتصادي الأمريكي.
وأشار الخبير الأمريكي المتخصص فى قياس تأثير الأوضاع السياسية على النشاط الاقتصادي أن الاقتصاد الأمريكي يشهد حالة أخرى من تناقض المؤشرات الاقتصادية، وهى أن الطريقة الرئيسية التي يقيس بها الاقتصاديون النمو، الناتج المحلي الإجمالي (GDP) تشهد تباعدًا كبيرًا تاريخيًا عن إجمالي الدخل المحلي (GDI)، بينما يُظهر المقياس الأول انخفاض الإنتاج لربعين متتاليين، كان الأخير إيجابيًا فى الربع الأول
الأوضاع المالية تتراجع
أوضح المحلل الاقتصادي الأمريكي، أن رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر مؤشره الأساسي بنسبة 0.75٪ بهدف إبطاء التضخم بأسرع زيادة فى أسعار الفائدة منذ عقود، نتائجها فى الظهور فى قطاعات عديدة، مثل قطاع الإسكان، حيث ارتفع متوسط معدل الرهن العقاري لمدة 30 عامًا بنقطتين مئويتين منذ بداية العام ، وبدأت أسعار المساكن فى الانخفاض.
وأضاف أن جهود الاحتياطي الفيدرالي فى قياس الأوضاع المالية تشير إلى أنه رغم تطبيق إجراءات التشديد النقدي منذ بداية عام 2022، إلا أنه حدث تحول فى الاتجاه خلال الأسابيع الأخيرة، حيث أصبح الائتمان متاحًا بشكل طفيف وهو ما يعد انخفاضا فى مستوى المخاطر ما دفع المستثمرين إلى الإقبال على السوق، موضحا أن أحد التفسيرات غير المنطقية لإقبال المستثمرين رغم سياسات التشديد النقدي هو اعتقاد المستثمرين والشركات أن الركود المحتمل سيدفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الى إبطاء وتيرة حملته للمضي قدما لفترات طويلة فى سياسات التشديد النقدي.
ثقة مزعزعة..وإنفاق بجنون
أوضح المحلل الاقتصادي الأمريكي، أنه خلال شهر يونيو الماضي أفاد استطلاع جامعة ميشيجان لثقة المستهلك عن أدنى رقم لها منذ عام 2012، مما يشير إلى أن الأمريكيين كانوا يستعدون للأسوأ، لافتًا الى أن مدير الاستطلاع لاحظ أن «التشاؤم المستمر بشأن كافة الشئون المالية الشخصية، وعلى مستوى الاقتصاد يمكن أن يثبط الإنفاق الاستهلاكي فى المستقبل»، إلا أن قياس الإسبوعين الأخيرين للإنفاق الاستهلاكي الفعلي أظهر أن الأمريكيين لا يزالون يفتحون محافظهم، حتى بالقيمة الحقيقية، حيث يتآكل التضخم فى قوتهم الشرائية: وارتفعت نفقات الاستهلاك الشخصي بنسبة 4.3٪ فى النصف الأول من هذا العام.
وأضاف أن تقييم مشاعر المستهلك يعد أمرًا صعبًا لأن الناس يدمجون مشاعرهم حول الوضع السياسي، بالإضافة إلى ميزانية الأسرة، إلا أنه من الواضح أن هناك انفصالًا بين ما يقوله المستهلكون وما يفعلونه.
المستثمرون ليسوا كذلك!
أوضح المحلل الاقتصادي الأمريكي، أن الوقت الراهن على الرغم من مخاوف وقلق المديرين التنفيذيين على مستوى جميع القطاعات إلا أنه يمثل «موسم الأرباح» بالنسبة لرجال الأعمال ورواد النشاط الاقتصادي، مشيرًا إلى أنهم قادة العمل فى السوق الأمريكي يبعثون برسالة مفادها، «نعمل على خفض التكاليف ورفع الأسعار للتعامل مع التضخم والاستعداد للركود القادم».
أرباح الحرب فى أوكرانيا
ذكر تقرير أعدته شبكة بلومبرج الأمريكية، أن الحرب الروسية الأوكرانية تضمن استمرار سيطرة مصنعي الأسلحة الأمريكيين على صناعة الأسلحة العالمية لفترة مقبلة.
وأضاف التقرير أن أكبر خمس شركات لتصنيع الأسلحة فى العالم هى شركات أمريكية وهى (لوكهيد مارتن، ورايثيون، وبوينغ، ونورثروب جرومان، وجنرال دايناميكس)، كما يقع نصف أكبر 100 مصنع للأسلحة فى العالم فى الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن الكميات الهائلة من الأسلحة المنقولة من الولايات المتحدة إلى أوكرانيا ستجعل مصنعي الأسلحة الأمريكيين منشغلين لبعض الوقت فى المستقبل، وأنه على سبيل المثال، نقلت الولايات المتحدة حوالي ثلث مخزونها من صواريخ جافلين المضادة للدبابات إلى أوكرانيا، وأن مشروع رايثيون ولوكهيد مارتن المشترك سيستغرق من ثلاث إلى أربع سنوات لاستبدالها.
وردًا على ما يثار حول احتمال سيطرة الصين على سوق السلاح العالمية أوضح التقرير: لن تحل أسلحة الصين محل نظيراتها الأمريكية والأوروبية، التي تتصدر الهرم بفضل جودتها العالية وأسعارها المرتفعة، ولكن الصين يمكنها سد فجوة السوق المتخصصة التي يهيمن عليها مصنعو الأسلحة الروس، مما يزيد من دور بكين كواحدة من أكبر مراكز تصدير الأسلحة عالميا مما يحقق مكاسب سياسية واقتصادية تعزز من دور بكين فى اللقضايا العالمية، مؤكدا أن من أحد أكبر التحديات التي ستواجهها الصين هو إظهار فعالية أسلحتها خلال المواقع القتالية المباشرة.