أعتقد أنه من الأمور المتوقعة والطبيعية أن يتراجع حجم ونسب فرص العمل المتاحة فى بعض القطاعات التى تعتمد على الاستيراد من الخارج لمدخلات الإنتاج أو المنتج النهائى، بسبب الظروف الدولية الطارئة ونقص الدولار فى السوق المحلى فى الفترة الماضية.

وهو ما حدث فى قطاعات الصناعة التحويلية، وتجارة السيارات، والطباعة، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة كبيرة خاصة لورق الطباعة وقطع الغيار، كما توقف استيراد السيارات لتراجع حجم الإنتاج فى بعض الدول التى يستورد منها التجار المصريون.

ولكن الطريف فى الموضوع أن “المركزية الشديدة” مازالت مسيطرة على سوق العمل فى مصر، فقد كشف الحصر والتحليل أن “إقليم العاصمة” استحوذ على 87% من الوظائف التى توافرت فى الربع الأول من العام المالى الحالى، وهكذا الأمر فى المحافظات، فقد استحوذت طنطا – على سبيل المثال – على توفير أو إنتاج 62% من الوظائف فى الغربية، وكذلك العاشر من رمضان فى الشرقية بنسبة 58%!

ووجه الطرافة أو الغرابة هو انتشار الجامعات فى جميع المحافظات المصرية، ومن الطبيعى أن يبحث خريجوها عن فرصة العمل الممكنة فى نطاق إقامتهم، حيث يتوافر السكن والأهل، واجتناب الغربة الصعبة معيشيا والمؤلمة نفسيا!

هذه النتائج من النسب والأرقام فى مجال الوظائف خلال الفترة الماضية كشفت عنها دراسة المركز المصرى للدراسات الاقتصادية بعنوان “تحليل الطلب على الوظائف فى مصر”، وهى دراسة دورية يقوم بها المركز بهدف تحقيق التوافق بين مهارات الراغبين فى العمل، واحتياجات الشركات والمصانع لعمالة ماهرة ومؤهلة.

ولم يكتف المركز بذلك، بل إنه بدأ فى توفير معلومات تفصيلية حول “موقع مصر” على الخريطة العالمية للعمل الحُر؛ حجم السوق؛ الفرص غير المستغلة، كيفية تواجد الشباب المصرى فى هذا السوق، وذلك لمساعدة الشباب الراغب فى العمل الحر من خلال الإنترنت.

وقد أشارت بعض البيانات إلى نجاح الشباب المصرى فى التواصل مع شركات عالمية والعمل معها “أون لاين” أى من خلال المنزل.

وقد كشف المشاركون فى المناقشة لنتائج الدراسة عن بعض الأخبار السارة.. منها مثلا إنشاء مصنعين جديدين فى مجال الورق المخصص للتغليف والتعبئة بديلا عن الاستيراد من الخارج، وأيضا تحسن نتائج اختبارات القدرات للشباب المتقدمين للعمل فى البنوك، مقارنة بالسنوات الثلاث الماضية.

والخلاصة أنه أصبح لدينا “قاعدة بيانات” تتراكم تفاصيلها حول الطلب والعرض فى سوق العمل المصرى، ويبقى أن تعمل الحكومة على تحسين مناخ الاستثمار وإزالة العقبات حتى تتوفر فرص العمل للراغبين فيه والباحثين عنه!