رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

سياسة «اليوم التالى للحرب».. خطة إسرائيل لفرض الأمر الواقع فى غزة ولبنان

469

لا تلوح نهاية الحرب فى قطاع غزة بالأفق لمجرد اغتيال الاحتلال لقائد حماس يحيى السنوار، إذ يبحث رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ورفاقه عن السيناريوهات، التى يجب القيام بها من أجل تحقيق ما يطلقون عليه «النصر الكامل»، وسط دعوات شعبية بالإسراع فى إتمام صفقة إطلاق سراح الأسرى من القطاع ووقف إطلاق النار وانتهاء الأمر بمقتل السنوار، بينما ترى الصحف الإسرائيلية، أن استمرار الحرب والوجود العسكرى الإسرائيلى فى غزة أصبح هو السيناريو الأقرب للتحقق.

سمر شافعى

ويعتقد العديد من الإسرائيليين أن نتنياهو يريد إطالة أمد الحرب فى غزة لتأجيل يوم الحساب عن دوره فى الإخفاقات الأمنية التى سمحت للسنوار ورجاله باقتحام إسرائيل، وتأجيل- ربما إلى أجل غير مسمى- استئناف محاكمته بتهم فساد خطيرة، فى الوقت الذى ينفى نتنياهو هذه الاتهامات، ويصر على أن ما يسميه بـ «النصر الكامل» على حماس فى غزة هو فقط الذى سيعيد الأمن لإسرائيل.

إضافة إلى إصرار إسرائيل على ضرب إيران رغم قطع أذرعها باغتيال قادة المقاومة فى لبنان وقطاع غزة، وعلى رأسهم إسماعيل هنية وحسن نصر الله ويحيى السنوار، وأظهرت وثائق أمريكية تم تسريبها لمخططات إسرائيل أن ضرب إيران بهدف إلحاق أضرار كبيرة بالمشروع النووى الإيرانى.

وتزعم دولة الاحتلال أن هجومها على إيران قد يكون الفرصة الأخيرة لإعادة بناء توازن القوى فى الشرق الأوسط، وأنه إذا تخلت تل أبيب تحت ضغط الولايات المتحدة عن إمكانية تأخير القنبلة النووية الإيرانية، فستجد نفسها وكذلك المنطقة برمتها فى غضون سنوات قليلة فى مواجهة ميليشيات إيرانية قوية، تدعمها إيران كدولة نووية، وهذا يشكل خطرا وجوديا على إسرائيل، بجانب احتمالية حدوث سباق تسلح نووى فى واحدة من أكثر المناطق غير المستقرة فى العالم.

كما تخطط دولة الاحتلال لمواصلة عملياتها فى غزة ولبنان، علما بأن الأصوات تتعالى من أكبر الحلفاء لإسرائيل لاستغلال ما جرى وإيقاف إطلاق النار، وهو ما جاء مؤخرا على لسان وزير الدفاع الأمريكى لويد أوستن.

وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن جيش الاحتلال يُخطط لمنع عودة النازحين اللبنانيين إلى القرى الحدودية فى أى اتفاق مستقبلى، وكشفت وسائل إعلام لبنانية، عن أن واشنطن نقلت إلى المسئولين اللبنانيين أن إسرائيل تريد الدخول إلى لبنان بعمق 3 كيلومترات وتحويل هذه المساحة بكاملها إلى منطقة محروقة.

أما على مستوى غزة، أصبح «مخطط اليوم التالى»، من وجهة نظر نتنياهو، يتمثل فى تحويل حركة حماس، على إثر الخسائر الكبيرة فى قادتها السياسيين والعسكريين، إلى كيان لا وزن له على الساحتين الفلسطينية والإقليمية، الأمر الذى قد يجبرها على القبول بشروط إسرائيل.

وهناك أيضا إشارة قوية فى الأوساط الإسرائيلية إلى وجود مخططات عسكرية وسياسية بشأن غزة واليوم التالى للحرب، تشمل سيناريوهات عدة، منها إرساء إدارة مدنية فى غزة وعودة السلطة الفلسطينية للقطاع أو حتى الحكم العسكرى الإسرائيلى.

وفى الوضع الحالى، تواجه إسرائيل فعليا 3 خيارات أو سيناريوهات: أولها اتفاق لإطلاق سراح المختطفين وإنهاء الحرب (أو على الأقل وقف طويل لإطلاق النار)، وهو ما سيتضمن نوعا من التحرك السياسى، والثانى يتمثل فى استمرار حرب الاستنزاف الحالية فى المستقبل المنظور، على أمل إضعاف حماس وحزب الله إلى الحد الذى يجعلهما لا يشكلان تهديدا لإسرائيل- حسبما تزعم – وأخيرا تطبيق الحكم الإسرائيلى الكامل على القطاع، مع تطهيره من سكانه الفلسطينيين وإعادة المستوطنات.

ورغم مقتل السنوار، يبدو احتمال قبول نتنياهو بالخيار الأول ضعيفا، فرغم أنه من الممكن أن يغريه عقد صفقة، ومن ثم يمكنه الذهاب إلى الانتخابات باعتباره الشخص الذى قضى على «كبار قادة المقاومة» وإعادة المخطوفين أيضًا، لكنّ شركاءه فى الائتلاف بن غفير وسموتريتش، وربما جدعون ساعر لن يسمحوا له بذلك، ويبدو أنه أيضا ضد مثل هذا الخيار، الذى قد يعرض إرثه للخطر وهو إلغاء الخيار السياسى أمام الفلسطينيين، لكن وحده الضغط الأمريكى الشديد، الذى لا يلوح فى الأفق حاليا، والضغط الداخلى الذى يبدو أبعد، يمكن أن يقوده إلى هناك.

الخيار الثانى، استمرار حرب الاستنزاف، يبدو الأنسب لنتنياهو، لأنه الأقرب إلى الوضع الراهن الذى كرّسه طوال الـ 15 عامًا الماضية، رغم أن الوضع الراهن أكثر عنفًا واضطرابا مقارنةً بما كان موجودًا قبل 7 أكتوبر 2023، مع مقتل ما يقرب من 10 إسرائيليين أسبوعيًا، وتعرض المستوطنات لإطلاق النار وتدهور الاقتصاد، ولكن كما ذكر موقع «ذاماركر» الإسرائيلى، فإن الحرب، من وجهة نظر نتنياهو، مهما طال أمدها أفضل من التسوية السياسية مع الفلسطينيين.

الخيار الثالث، هو الطرد الكامل أو الجزئى للفلسطينيين من غزة وإعادة توطينهم فى المستوطنات، وحتى لو لم يتبنّى نتنياهو نفسه وربما قادة الجيش هذا الخيار رسميا، فإن ما يحدث حاليا فى جباليا هو تطبيقه فعليا.

وفى ضوء هذا، فإن إعلان نهاية الحرب لا يعنى انسحابًا من غزة، بل ستظلّ إسرائيل محتلة لها أو على الأقل مسيطرة عسكريًا وأمنيًا على محاور ومناطق بها، مثل محور «نتساريم»، الذى يفصل شمال القطاع عن جنوبه، بجانب السيطرة على حزام أمنى بداخله على طول الحدود مع غزة، وبالطبع الاحتلال الدائم للشمال.

وفى هذا السياق، فإن العملية العسكرية الإسرائيلية فى شمال غزة، ومحاولة تهجير السكان من الشمال إلى الجنوب، والإعلان عن الشمال منطقة عسكرية مغلقة، هى جزء من التصور الإسرائيلى لاقتراب الإعلان عن نهاية الحرب فى القطاع، وهذا يعنى أن إسرائيل تسعى لإعادة الوضع فى غزة إلى ما قبل 2005، أى قبل الانسحاب الإسرائيلى منها.

وذكرت صحيفة «معاريف»، أن نتنياهو سيحاول فى السيناريوهات المقبلة، المماطلة مجددا حتى إتمام مشروعه فى شمال غزة، وفرض وقائع على تصور اليوم التالى لغزة، كما سيربط بين ملف الأسرى وبين اليوم التالى فى القطاع، فبعد الربط بين الأسرى وتحقيق أهداف الحرب العسكرية، سيلجأ نتنياهو إلى ربطه بالملف السياسى المتعلق بمستقبل غزة، بحيث تكون الصفقة أو اتفاق وقف إطلاق النار تدشينًا لمرحلة سياسية جديدة بالقطاع تنسجم مع التصورات الإسرائيلية.