بعد إشعال المنطقة بنيران ما سمى بالربيع العربى وإشغال الإقليم بالحرب على الإرهاب ومن قبل تدمير العراق تحت بند البحث عن أسلحة الدمار الشامل أصبحت الأمور واضحة فقد تعلمنا بأنه فى السياسة لا يحدث شئ بالصدفة وأن الخرائط الجغرافية والسياسية تم وضعها بشكل ممنهج ومنذ زمن وبشكل متدرج وفق مصالح الدول الكبرى والدول الإقليمية ومؤخرًا بدأت الإدارة الأمريكية فى فرض عقوبات على إيران، حيث تم تطبيق الحزمة الأولى منها فى 7 أغسطس الجاري، أدت إلى انهيار العملة بعد أن تجاوز الدولار الواحد نحو 130 ألف ريال.. لكن ربما يكون من أهم ما أنتجته العقوبات من تأثيرات هو تسببها فى تصاعد حدة الصراع السياسى الداخلي، بعد أن وضعت حكومة الرئيس حسن روحانى أمام ضغوط قوية، قد تكون نتيجتها مفتوحة على مسارات عديدة لا يمكن استبعادها، خاصة بعد أن تزايدت ظاهرة الاستقالات والإقالات من الحكومة، وكان آخرها على ربيعى وزير العمل الذى سحب البرلمان الثقة منه، فى 8 أغسطس الجاري، بسبب فشله فى التعامل مع ارتفاع مستوى البطالة، الذى من المتوقع أن يستمر خلال المرحلة القادمة، على ضوء العقوبات الأمريكية الجديدة.. وهنا تحاول واشنطن من خلال هذه الإجراءات تقليص النفوذ الإيرانى فى سوريا وإعطاء رسائل تطمين لدول الخليج بأنها تعمل على تحطيم الفزاعة الإيرانية وتدخلاتها ورعايتها لبعض التنظيمات الإرهابية والتى تحارب الأمن والاستقرار فى اليمن والبحرين ولبنان وفى المقابل تسعى واشنطن للحصول على الثمن من كل الدول الخليجية لكن فى المقابل هناك من يقف إلى جوار إيران فى روسيا والصين، ولذا فالمنطقة مشحونة بالتقلبات والتحالفات وتوزيع النفوذ وتأتى خطوة الصراع المفتوح مع إيران متزامنة بالحصار الاقتصادى على تركيا.
والسبب الظاهرة هو القس الأمريكى آندرو برونسون، أما السبب المخفى فهو كثير من الترتيبات السياسية التى يتم إعدادها حاليا فى منطقة الشرق الأوسط بمجموعها الشامل – العرب – إيران – تركيا – إسرائيل, لكن كيف تتعامل تركيا مع الضغط الأمريكى هنا ترى بعض مراكز الأبحاث ومن بينها مركز دراسات مستقبل للأبحاث والدراسات المتقدم أنه على الأرجح، سوف ترضخ تركيا للمطالب الأمريكية، لا سيما فى وقت يعانى فيه الاقتصاد من صعوبات عديدة لعل أبرزها استمرار تدهور الليرة أمام العملات الصعبة.
ومن المتوقع، حسب عدة ترجيحات، أن تمتد العقوبات لتطال كيانات وشركات تركية أخرى، لا سيما فى ظل دعم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لتشديد العقوبات على تركيا إذا لم تطلق سراح القس، وسبق أن اتبعت الإدارة الأمريكية النهج نفسه، فى فبراير الماضي، بعدما أعلنت تركيا عن نيتها شراء نظام الدفاع الصاروخى الروسى S400.
رفض العقوبات على إيران حيث تصر أنقرة على مواصلة استيراد النفط والغاز من إيران رغم تطبيق العقوبات الأمريكية على الأخيرة، فى 7 أغسطس الجاري، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية التركى مولود أجاويش أوغلو بقوله إن تركيا تعارض العقوبات الأمريكية على إيران وليست ملزمة بتطبيقها، فى الوقت الذى أكد فيه وزير الطاقة التركى فاتح دونميز مواصلة تركيا شراء الغاز الطبيعى من إيران. ولتركيا مصلحة واضحة فى استمرار واردات الطاقة من إيران تتمثل فى القرب الجغرافى من الأخيرة، وجاذبية أسعار النفط والغاز الإيرانى فضلا عن جودته.
خلافات سياسية حول الأكراد: لا زال الدعم الأمريكى المستمر للفصائل العسكرية الكردية فى سوريا وأبرزها “قوات حماية الشعب” أحد الخلافات الأساسية بين البلدين، إذ يثير هذا الدعم مخاوف تركيا بشدة خشية أن يزيد من القوة العسكرية للأكراد عمومًا فى المنطقة بما فيها “حزب العمال الكردستاني” فى شمال شرق تركيا، وهو ما قد يهدد الأوضاع الأمنية والسياسية.
وعلى أقل تقدير، سوف يؤدى التوتر الحالى إلى تقويض الثقة الدولية فى الاقتصاد التركي، وربما تتزايد خسائره إذا ما نفذ ترامب تعهداته بتشديد العقوبات على تركيا.. وهناك من المؤشرات الدالة على جدية الإدارة الأمريكية فى مواصلة هذا الاتجاه، حيث وافقت لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشيوخ، فى 26 يوليو الماضي، على مشروع قانون يلزم الولايات المتحدة الأمريكية بمعارضة منح أى قروض لتركيا من جانب المؤسسات الدولية مثل مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي.
وبحسب ترجيحات عديدة، قد تتجه الإدارة الأمريكية أيضًا إلى إعداد قائمة من شخصيات وشركات تركية لفرض عقوبات عليها، وذلك على غرار العقوبات الأمريكية المفروضة على مؤسسات وشركات وشخصيات روسية.
وإذا كانت الإدارة الأمريكية على استعداد لتقليص شراكتها مع تركيا بسبب أزمة القس، لا يبدو أن تركيا لديها استعداد لخسارة الدعم الأمريكى لها على المستوى الاقتصادى على أقل تقدير، وهو ما دفع وزيرة التجارة التركية روهصار بيكجان مؤخرًا إلى تأكيد أنه لا ينبغى أن يسمح الجانبان التركى والأمريكى لأزمة ليست لها أرضية اقتصادية بأن تعيق التعاون الاقتصادى بين البلدين.. وجاء ذلك على هامش لقائها مع ممثلى 30 شركة أمريكية خلال الاجتماع التشاورى للعلاقات الاقتصادية التركية- الأمريكية.
وربما تتجه تركيا نحو احتواء تأزم علاقاتها السياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية، تجنبًا لتعرض الاقتصاد إلى مزيد من الخسائر خلال الفترة المقبلة.