صالون الرأي
لماذا لا نتجه جنوبًا ؟
By mkamalنوفمبر 05, 2018, 15:26 م
1582
لفت نظرى تصريح وزير الزراعة بالبرلمان، بأن مصر لديها 8 مزارع نموذجية فى بعض الدول الأفريقية، وأن هذا العدد سوف يرتفع إلى 22 مزرعة بحلول عام 2022.
وبالطبع هناك تفاصيل أخرى.. منها أن هذه المزارع إرشادية، وأن الأخوة الأفارقة سعداء بتلك المزارع ويطمعون فى المزيد منها.
وأعتقد أن هذا خبر سار، وإن كنا تأخرنا كثيرًا مقارنة بإسرائيل التى يقود خبراؤها عمليات الزراعة فى أغلب الدول الأفريقية، ناهيك عن الصين التى تعتبر أفريقيا امتدادًا جغرافيًا لأراضيها.. ومن ثم تنوعت الأنشطة الصينية على الأراضى الأفريقية من زراعة وصناعة وخدمات مصرفية.. انتهاء بالتجارة!
وبالطبع لا يخفى على أحد أهمية الاتجاه جنوبا – فى الوقت الحالى – نحو أفريقيا بعد أن عانينا سياسيًا واقتصاديًا فى التعامل مع كل من أمريكا ودول الاتحاد الأوروبى وأيضا فى ظل «تلكؤ» الدول الآسيوية فى توسيع مجالات التعاون المشترك معنا، وخاصة الصين.. بحجة «دراسة مجالات التعاون»!
وأيضا فى ظل «تدلل» دول الاتحاد السوفيتى المنحل، وخاصة روسيا بعد الحادث المشئوم لطائرة السُيّاح الروس التى سقطت فى سيناء منذ ثلاث سنوات.
وأيضا لا يخفى على أحد أن أفريقيا هى ثانى قارات العالم بعد آسيا، وأنها تضم 54 دولة يعيش على أرضها أكثر من 1.5 مليار مواطن يمثلون حوالى 16% من سكان العالم.
ومع أننا دولة أفريقية إلا أن التبادل التجارى مع كافة دول القارة لا يتعدى 5.5 مليار دولار، من إجمالى 34 مليار مع دول العالم المختلفة، منهم حوالى 2.5 مليار دولار مع دول منظمة الكوميسا والتى أسسناها مع حوالى 9 دول أخرى.
وبالطبع أيضا لا يخفى على أحد النتائج السياسية لتعميق التعاون الاقتصادى والتبادل التجارى مع دول القارة، وقد كنا لديهم مثل أعلى.. بل ساعدنا أغلبها فى التحرر من القوى الاستعمارية المختلفة فى خمسينات وستينات القرن الماضى، فأفريقيا.. قوة تصويتية فى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، ومعظم قادتها الحاليين درسوا فى مصر وخاصة جامعة الأزهر، والتى مازالت تحتضن الطلاب الأفارقة فى مدينة البعوث الإسلامية.
وأفريقيا أيضا قوة اقتصادية صاعدة – بخلاف أنها سوق تجارى ضخم – فأغلب دولها تحقق حاليًا نسبًا مرتفعة فى معدلات نمو الناتج المحلى الإجمالى تتراوح بين 7 و8%.
وإذا كان إجمالى الناتج المحلى الإجمالى فى مصر يبلغ حاليًا حوالى 335 مليار دولار، فعندك نيجيريا 415 مليارًا وجنوب أفريقيا 315 مليار دولار.
وإذا لم تقتنع بما تقدم، فلديك «المثال» الأكثر إبهارًا، دولة تنزانيا والتى صنفت كأفقر بلاد العالم اقتصاديًا من قبل حاليًا وخلال السنوات الثلاث الماضية يمثل الاستثمار المباشر فيها نسبة 37% من الناتج المحلى الإجمالى، وينمو اقتصادها بمعدل 7%، وإجمالى الدين لا يزيد على 35% من الناتج المحلى، بينما تبلغ احتياطياتها من النقد الأجنبى والذهب حوالى 15 مليار دولار، وحجم ديونها الخارجية لا يزيد على 8 مليار دولار.
كما تبلغ صادراتها حوالى 6 مليارات، ووارداتها لا تزيد على 8.5 مليار دولار!
والمعنى.. أن الأفارقة قادمون.. سياسيًا واقتصاديًا وتجاريًا، خاصة بعد انتهاء عهد الحروب الأهلية، والاتجاه نحو الانتخابات الحُرة المراقبة دوليًا، وهو ما يعنى الاستقرار السياسى والاقتصادى، أى التعامل المستقر اقتصاديًا وتجاريًا مع كل دول العالم.. ونحن أولى من البعيد أو الغريب!
أما الحكايات التى صدّعنا بها بعض «المتكلمين» حول صعوبة نقل السلع، وعدم وجود خطوط طيران منتظمة مع دول القارة وكذلك النقل البحرى.. فهى حجة البليد قبل مسح التختة!
ومن قبل تعلمنا من أساتذتنا أنه إذا كان لديك إرادة وهدف واضح فيمكنك تحطيم الصخر، أما إذا كنت تنوى التقاعس.. فسوف تبحث عن مائة سبب لتقنع نفسك بعدم القدرة على التنفيذ.
أقول ذلك وفى ذهنى ما يفعله الإسرائيليون فى أفريقيا، وكذلك الصينيون الذين سيطروا على دول شرق أفريقيا تجاريًا.
ثم نأتى للأهم من كل ما تقدم.. وهو «الماء» الذى هو أساس الحياة والذى يحمله إلينا نهر النيل الخالد الذى ينبع من الجنوب.. من أفريقيا.. وخاصة دول الحوض.
وأعتقد أن العلاقات الاقتصادية العميقة، والسياسية الجيدة والمتوازنة، والتبادل التجارى الواسع.. كل تلك العلاقات مجتمعة يمكنها أن تسهل حل أى مشكلة طارئة أو محتملة.
بمعنى أنه لو كانت علاقتنا السياسية مع إثيوبيا كما كانت فى عهد الإمبراطور هيلاسلاسى، مع تعاون اقتصادى وتبادل تجارى.. ما كان هذا «الماراثون» من المفاوضات الطويلة حول التفاهم المائى بشأن سد النهضة الإثيوبى وأضراره المحتملة على حجم المياه الواردة إلى مصر.
نعم.. لا بأس من التعاون والتعامل مع أمريكا فهى الدولة العظمى حاليا للعالم، وكذلك دول الاتحاد الأوروبى.. حيث العلاقات التاريخية والتقدم التكنولوجى وسهولة الانتقال، وكذلك الدول الآسيوية.. حيث القوى الاقتصادية ومركز الثقل العالمى مستقبلا.
نعم كل ذلك مطلوب.. ولكن لماذا يكون على حساب إهمالنا «لكنز» ملىء بمجوهرات على بابا، على الرغم مما نهبته القوى الاستعمارية منه فى الماضى.
وهذا الكنز تحت أقدامنا جغرافيًا.. ونرتبط معه بروابط عدة.. عقائدية، وجغرافية، بخلاف مصدر حياة البشر الأساسى وهى المياه!
لا أرغب فى المبالغة بالقول إن أفريقيا هى المستقبل.. لأنها قارة فتية اقتصاديًا، ولكن يكفى القول إننا أفارقة، ولا يجب ألا ننسى أصلنا!
حفظ الله مصر.. وألهم أهلها الرشد والصواب