رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

تونس..حكاية استرداد وطن مختطَف منذ عشر سنوات

ليبيا الأزمة.. والطريق إلى الحل

2895

ليبيا.. كلمة السر ومفتاح السيناريو القادم لاستهداف المنطقة.. فقد تحولت الدولة الأكبر مساحة بين الدول العربية بعد المملكة العربية السعودية (1.8 مليون كيلو متر مربع) إلى أكبر ساحة لتقاسم النفوذ، ومسرحًا واسعًا لتدريب العناصر الإرهابية.
تحولت الدولة التي بلغ متوسط دخل الفرد فيها 14.4 ألف دولار قبل فبراير 2011 إلى دولة بلغ متوسط دخل الفرد فيها عام 2018 نحو 758 دولارًا.
تحولت ليبيا إلى مناطق نفوذ متعددة.. مؤتمرات ومبادرات ومباحثات وميليشيات مسلحة، وتنظيمات إرهابية مدعومة بقوى دولية خارجية.. وجيش وطني يحاول لملمة شمل الدولة الوطنية والحفاظ عليها.. ومبعوثون دوليون.. يجيدون الحديث ولا يمتلكون مفاتيح الحل على الأرض.
لم يظن الليبيون يوما أنهم سوف يسقطون فى تلك الهوة السحيقة التى قطعت أوصال وطنهم فحولته إلى ثلاثة تقسيمات كبرى تتخللها فروع متناثرة.
سبع سنوات قضتها ليبيا وهى تعانى من اللا دولة رغم وجود ممثلين لها فى المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها وكذا الجامعة العربية، فلم يفرغ مقعدها مثلما هو الوضع فى سوريا، إلا أن الوضع فى ليبيا لا يقل تعقيدا عن سوريا.

(1)
عقب الثورة التى ساندتها قوات حلف الناتو (حلف شمال الأطلسى) والتى أسقط على أثرها نظام العقيد معمر القذافى أُدخلت فى الفوضى، ولكن بشكل مختلف وعبر أساليب ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.. تم اختيار «مجلس وطنى» وأجريت انتخابات فى يوليو 2012، وتسلم المجلس الوطنى المنتخب السلطة وعين رئيس حكومة.. فى الوقت الذى كانت فيه الجماعات المسلحة قد استغلت حالة ما بعد الثورة ( فبراير 2011) للحصول على أكبر قدر من الأسلحة التى ألقى بها «الناتو» على أرض ليبيا.
وتزايدت سخونة الأوضاع بعد وقوع أكثر من حادثة أثبتت أن الفوضى فى ليبيا قادمة بقوة.. كان منها حادث مسجد الصوفية بوسط طرابلس ثم حادث مقتل السفير الأمريكى فى ليبيا، كريستوفر ستيفنز، فى القنصلية الأمريكية ببنغازى.
ولم يكن الحادث عاديًا بل كان بداية ظهور سطوة الجماعات المتشددة وامتلاكها القوة باستعراض ضم أكثر من 500 سيارة دفع رباعى محملة بالأسلحة فى عرض ضخم.
وعلى مدار ثلاث سنوات عقب الثورة لم يستقر الوضع فى ليبيا وزادت شوكة العناصر الإرهابية قوة بدعم من الغرب وبقوة نفوذ عناصر جماعة الإخوان التى قامت بتجميع عناصرها الهاربة فى الخارج خاصة بعض القيادات فى ليبيا، وتم فتح باب الانضمام إلى ما سمى بالمجالس العسكرية فى كل مدينة من المدن الليبية بهدف السيطرة على موارد الدولة (النفط).. خاصة وأن النفط كان يمثل 94% من دخل الدولة فى ظل ما تمتلكه من مخزون واحتياطى ضخم جعلها هدفًا استراتيجيًا للقوى الخارجية التى تعاونت مع المجالس العسكرية مثل مجلس مصراتة وغيره.
تحولت تلك المجالس إلى قوى مسلحة تبحث عن مناطق نفوذ بدلا من حماية المدن، ودخلت حلبة الصراع، وكان الهلال النفطى هدفًا إلا أن القوى الخارجية كانت أكثر قدرة على الحركة فدعمت أدواتها (الجماعات الإرهابية) بالقوة العسكرية للسيطرة عليه من أجل نهب ثروات ليبيا.

(2)
فى الغرب (طرابلس) سيطرت الجماعة الإرهابية – الإخوان – على العاصمة واستطاعت أن تنتزع اعترافًا دوليًا بحكومتها (حكومة فايز السراج) فى الوقت الذى كان البرلمان الانتقالى المنتخب قد اختار عبدالله الثنى لرئاسة الحكومة فى الشرق (بنغازى).
هنا انتشرت الانقسامات وتقطعت أوصال الدولة الليبية الموحدة بعد ظهور ما عرف بـ (جيش الصحراء.. العناصر التابعة لتنظيم داعش الإرهابى) المدعوم من قبل بريطانيا وقطر وتركيا وبعض الدول التى تستهدف إيجاد موطئ قدم لها فى ليبيا.
وتنامى وجود العناصر التابعة للتنظيم الإرهابى فى الوسط، وامتد شمالا حتى وصل إلى درنة وبعض المناطق المجاورة لها، وحاولت السيطرة على الهلال النفطى.
وفى عام 2014، جاء المشير خليفة حفتر ليطلق عملية عسكرية من الشرق سميت «الكرامة» بعد أن استطاع إعادة بعض من عناصر الجيش الليبى وإعادة تكوين جيش وطنى تحت اسم (القوات المسلحة العربية الليبية) ليبدأ الجيش الوطنى الليبى فى عملية عسكرية من أجل القضاء على العناصر الإرهابية التى كانت قد استطاعت أن تضم إليها مسلحين مناوئين لحكومات بلادهم فى أفريقيا ومتطرفين قادمين من دول أفريقية، وآخرين فارين من مناطق القتال فى العراق وسوريا، وانخرط مرتزقة من هؤلاء فى الهجوم على الهلال النفطى.
وواصلت قوات الجيش الوطنى الليبى عملياتها لتطهير بنغازى ودرنة وشمال ليبيا من العناصر التكفيرية، فى الوقت الذى قرر فيه مجلس الأمن وقف تسليح الجيش الليبى.
رغم أن المبعوث الأممى السابق، مارتن كوبلر، كان قد أكد خلال تصريحات صحفية فى 19 أكتوبر 2016 على ضرورة تسليح الجيش الليبى وضرورة كونه موحدًا تحت قيادة المشير خليفة حفتر.
وقد أثر قرار مجلس الأمن سلبًا على تقدم العمليات العسكرية التى قادها الجيش الوطنى الليبى فى مواجهة تنظيم داعش الإرهابى الذى كان يتلقى دعما ماليًا ولوجيستيًا وعسكريًا من ثلاث دول هى تركيا، وقطر، وبريطانيا.
وتقاسمت عدة قوى النفوذ فى ليبيا هى الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر فى الشرق، وداعش فى الوسط، والقوات الموالية لحكومة السراج فى الغرب، وبعض العناصر الموالية لنظام القذافى من الجيش الليبى وعناصر متمردة من بعض الدول الأفريقية فى الجنوب.

(3)
استطاع المشير خليفة حفتر أن يسيطر على بنغازى ويتقدم شمالاً لتطهير منطقة الهلال النفطى والسيطرة عليها وبالفعل تم تسليمها إلى الحكومة لإدارته.
وفى الوقت الحالى حكومة فايز السراج تعانى من انقسامات داخل صفوف القوات الموالية لها، والعناصر الموالية لتنظيم الدولة، تزداد قوة خاصة بعد دعمها بعناصر قادمة من سوريا.
ومازالت بعض الدول تقدم للتنظيمات الإرهابية الأسلحة والمعدات.

(4)
ومع زيادة تعقيدات المشهد الليبى وكثرة المبادرات التى أطلقت للخروج من الأزمة إن صح التعبير.. حيث إن بعضها لا يستهدف إخراج ليبيا مما تعيش فيه حاليا، خاصة فى ظل استفادة تلك الدول من حالة الفوضى وعدم الاستقرار فى ليبيا مما يجعلها أحد أوراق الضغط على دول المنطقة، خاصة دول الجوار الليبى.
ورغم عدد المبادرات الضخم إلا أن المبادرة المصرية ومنذ اللحظة الأولى وهى تطالب بضرورة وحدة أبناء ليبيا، وأن يلتقى الفرقاء الليبيون لحل الأزمة من أجل عودة الدولة الوطنية والحفاظ على مقدراتها، وجاءت مبادرة فرنسا وإيطاليا وسبقتهما تونس، إلا أنها لم تنتج سوى تصريحات زادت الأزمة تعقيدًا خاصة وأن المبعوث الأممى، غسان سلامة، لم يستطع بشكل حقيقى تقريب وجهات النظر بين الشرق والغرب فى ليبيا وهما القوتان الأكبر فى المعادلة.

(5)
ويبقى السؤال.. هل ستواصل ليبيا المسير فى ذات الاتجاه؟
ونحو منزلق قد تكون نتائجه وخيمة ليس لأبناء ليبيا وحدهم بل سيطال دول الجوار ودول شمال المتوسط التى لا تدرك أن ليبيا مخطط لها أن تكون محطة انتقال للهجرة غير الشرعية وكذلك منطقة تجميع للعناصر الإرهابية، وهو ما يدفع بها لتكون بؤرة تهديد للمنطقة بأكملها.
وللخروج من الأزمة يجب:
أولًا: على المجتمع الدولى أن يدرك أن عدم تسليح الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر يصب فى صالح الجماعات الإرهابية خاصة فى ظل تواصل خطوط إمداد تلك الجماعات بالأسلحة والمعدات والذخائر.. الأمر الذى يتطلب من مجلس الأمن العدول عن قراره السابق وفتح المجال أمام تسليح الجيش الليبى.
ثانيًا: الحديث عن انتخابات قادمة فى ليبيا قبل السيطرة على الدولة وتجفيف منابع تمويل الإرهاب لن ينتج سوى فوضى متكررة ويعزز سيناريو التقسيم.
ثالثًا: على الجامعة العربية أن تظل متمسكة بتواجدها فى الملف الليبى وألا تترك الملف ليخرج من بيت العرب إلى طاولة قوى دولية لا تستهدف الخير لأبناء ليبيا.
وعلى العرب ألا يتركوا الملف الليبى تتقاذفه القوى الخارجية.
رابعًا: على الشعب الليبى أن يدرك أهمية الحفاظ على الدولة الوطنية فى ظل تدمير السنوات السبع الماضية لجزء كبير من موارد ليبيا النفطية.
خامسًا: ضرورة أن يكون الحل ليبيًا وتحت مظلة عربية، خاصة أن المبادرة المصرية كانت قد حققت تقدما خلال الفترة الماضية وهو ما يدعو للبناء عليها.
فقد توافق الفرقاء الليبيون الذين اجتمعوا بالقاهرة على وحدة التراب الليبى وحرمة الدم وأن ليبيا دولة واحدة لا تقبل التقسيم، وحدة الجيش الليبى إلى جانب شرطة وطنية لحماية الوطن والاضطلاع الحصرى بمسئولية الحفاظ على الأمن وسيادة الدولة، ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة الليبية ووحدتها واحترام سيادة القانون، وضمان الفصل بين السلطات وضمان تحقيق العدالة، وترسيخ مبدأ التوافق وقبول الآخر ورفض جميع أشكال التهميش والإقصاء، ورفض وإدانة التدخل الأجنبى وأن يكون الحل بتوافق ليبى، مع تعزيز وإعلاء المصالحة الوطنية الشاملة، والمحافظة على مدنية الدولة والمسار الديمقراطى والتداول السلمى للسلطة.