هبة مظهر
دخلت الهند على خط المواجهة في قائمة الحروب التجارية التي يشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على شركائه التجاريين حول العالم، ومن بينهم الصين والاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك، بعد دخول رسوم جمركية فرضتها نيودلهى على الولايات المتحدة حيز التنفيذ خلال الأيام الماضية والتي جاءت كرد فعل من الهند على قرار واشنطن سحب مميزات تجارية أساسية كانت ممنوحة لنيودلهي.
وكانت واشنطن قررت سحب الهند من نظام الأفضليات المعمم، وهو أكبر وأقدم برامج التفضيل التجارى الأمريكية، والذى يسمح بالدخول المعفى من الرسوم الجمركية إلى الأسواق الأمريكية لمجموعة معينة من السلع لمواجهة الفوارق الاقتصادية، لاسيما العجز التجارى الثنائى.
ورفضت واشنطن العام الماضى إعفاء الهند من الرسوم الإضافية التى فرضها ترامب على الحديد والصلب والألمونيوم المصدر من عدد من السلع الأمريكية.
من جانبها، أجلت الهند زيادة الرسوم عدة مرات على أمل التفاوض لحل المسألة، ولكن بعد إطلاق جولة جديدة من العلاقات التجارية مع الهند أعلن الرئيس ترامب عن إلغاء توصيف الهند كإحدى الدول النامية المستفيدة من البرنامج التجارى المعروف باسم نظام الأفضليات المعمم بعد تقديره أن الهند لم تقدم للولايات المتحدة الضمانات الكافية المعنية بتوفير الدخول المنصف والمعقول إلى أسواقها.
وأعلن ترامب عدم منح الهند تفضيلات فى المعاملات التجارية وفرض تعريفات جمركية عليها بدءا من
5 يونيو الحالى، حيث تقول الإدارة الأمريكية إن الهند وهى أكبر الدول المستفيدة من برنامج الأفضليات فشلت فى تقديم ضمانات بأنها ستسمح بالوصول المطلوب إلى أسواقها وعملت أيضا على نصب عوائق تجارية تخلق تأثيرات سلبية كبيرة على تجارة الولايات المتحدة.
فى المقابل، أقدمت الهند على فرض رسوم إضافية على 28 سلعة مستوردة من أمريكا، وكانت القائمة تضم فى البداية 29 سلعة لكن تم حذف الارتيميا أو الروبيان الملحى منها، وتطبق الرسوم الإضافية على منتجات بينها اللوز والتفاح والجوز، وفق ما أفادت الهيئة المركزية للضرائب غير المباشرة والجمارك فى الهند، حيث أوضحت فى مذكرة أن الهند ستطبق رسوما انتقامية على 28 سلعة محددة مصدرها الولايات المتحدة، وبناء على القرار الجديد تم رفع الرسوم على استيراد الجوز من 30% إلى 120% وعلى الحمص والعدس من 30% إلى 70%.
وتعد الهند السوق الثانى فى العالم للوز المنتج فى كاليفورنيا والتفاح الذى تنتجه واشنطن.
وقدر اتحاد منظمات التصدير الهندية أن 6,35 مليار دولار من التجارة من أصل قيمة التجارة الثنائية البالغة 51 مليار دولار هى المستفيدة من الأفضليات التجارية الأمريكية ليس أكثر، وأنه يمكن للهند استيعاب هذه الصدمة تماما.
وقال المعلق سانغيا بارو، إن الهند تملك فائضا تجاريا مع الولايات المتحدة ولكن شكوى ترامب من ذلك هى أشبه بالرجل الثرى الذى يشتكى من أنه كثيرا ما يقدم الهدايا لأصدقائه الأكثر فقرا وأنهم لم يعطوه أى هدية فى المقابل، وكانت الهند فى واقع الأمر ترسل هدايا من نوع آخر فقد كانت تصدر أجيالا من المهندسين المحترفين والموهوبين الذين أسهموا فى ضمان صدارة الولايات المتحدة على مستوى العالم فى مجالات المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة.
وأوضح بارو، أنه فى معرض اندفاع ترامب لوقف الصين عن مواصلة طريقها وجذب الحلفاء الأوروبيين والآسيويين للوقوف بجانبه اعتبر ترامب عن طريق الخطأ الهند هدفا محتملا لإجراءاته التصحيحية، وبصرف النظر عن قطاع من جملة القطاعات مثل الأدوية فإن الصناعات الهندية فى مجملها لا تشكل تحديا تنافسيا كبيرا للشركات والأعمال فى الولايات المتحدة.
وقال ريتشارد كومار سيينج، المدير المساعد الأسبق للجنة المالية الهندية، إن الخطوة الأمريكية تأتى فى وقت تعرضت فيه التجارة الهندية مع الولايات المتحدة لأضرار بسبب إجراءات أخرى مثل الرسوم الجمركية العالمية التى فرضتها الإدارة الأمريكية على الصلب والألمونيوم، وكذلك تشديد قواعد الهجرة للعمالة الماهرة إلى الولايات المتحدة والتى ألحقت أضرارا فادحة بالهند، وفى الأثناء ذاتها تعرضت الصادرات إلى أسواق أخرى مثل الاتحاد الأوروبى والصين إلى ضغوط كبيرة بسبب تباطؤ الاقتصاد العالمى.
ومن جانبها، توقعت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن تتسبب الخطوة الأمريكية التى دخلت حيز التنفيذ فى 5 يونيو الحالى تعميق الصدام بين أمريكا والهند بسبب إجراءات هندية لحماية أسواقها المحلية، ولفتت الصحيفة إلى أن ترامب يزيد من حدة الخلافات مع دولة تصفها إدارته بأنها حليف واشنطن فى مواجهة الصين.
ويشار إلى أن الهند والولايات المتحدة ترتبطان بعلاقات تجارية وثيقة لكن الأمريكيين يعتبرون الهند من الدول التى تفرض رسوما تجارية مرتفعة على وارداتها وهو ما يحد من قدرة الشركات الأمريكية على الدخول إلى السوق الهندية الضخمة.
ويعتقد العديد من المراقبين الهنود أن ترامب غاضب من محاولة حكومة ناريندار مودى زيادة الرسوم الجمركية على الاستيراد بهدف تخفيض العجز التجارى المتضخم فى البلاد ودعم مبادرة «صنع فى الهند».
كل هذا فى الوقت الذى تتصاعد فيه التوترات التجارية العالمية التى بدأت منذ مارس 2018 بين الولايات المتحدة من جهة وكل من الصين والاتحاد الأوروبى وكندا والمكسيك من جهة أخرى، بسبب
ما تصفها الولايات المتحدة بقوانين غير عادلة تؤثر على ميزان تجارتها مع تلك البلدان.
وتخطت الحرب التجارية التى أشعلها ترامب مؤخرا حدود تأثيرها بشكل سلبى على تلك البلدان فقط بل امتدت إلى بلدان أخرى بشكل دفع عدة أطراف دولية إلى التحذير حيال تدهور الأوضاع من أزمة مالية جديدة قد تعصف باقتصاديات العالم.