رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

منظومة الدعم حائرة ما بين العيني والنقدي

655

لا يزال النقاش مستمرًا بعد إعلان الحكومة دراسة تحويل الدعم العينى إلى نقدي، وما أثير بشأن آليات وخطط الحكومة خلال الفترة المقبلة، وكيفية حساب الفئات المستحقة ومدى الاستفادة التى سوف تعود عليهم فى حالة التطبيق، وتأثيره على المستفيدين من الدعم فى ظل الارتفاعات المستمرة فى الأسعار.

ومنذ تطبيق منظومة الدعم فى مصر خلال منتصف العشرينيات من القرن الماضي، تبرز قضية الدعم العينى كإحدى أكثر القضايا جدلًا بين المواطنين وصناع القرار وخبراء الاقتصاد،  وكشف عدد من الخبراء والمختصين عن توجهات الحكومة حول تحويل الدعم النقدى للمواطنين كبديل عن الدعم العيني، بالإضافة إلى الإيجابيات والسلبيات التى سوف تظهر عند تطبيق هذه القرارات بعد دراستها، وهذا فى الوقت الذى سجلت فيه قيمة الدعم خلال العام المالى الماضى نحو  ٥٢٩.٧ مليار جنيه، بجانب تسجيلها فى موازنة العام المالى الحالى ٢٠٢4/٢٠٢5 حوالى  ٦٣٥.٩ مليار جنيه.

محمد الشرقاوي

قال وزير التموين والتجارة الداخلية الدكتور شريف فاروق: فكرة تحويل الدعم العينى إلى نقدى ليست خارج إطار دول العالم ومع ذلك تم عرض كل الأفكار فى الإطار على مجلس النواب وفى مجلس الحوار الوطنى للخروج بأفضل القرارات.

وأضاف أنه لا يوجد قرار تم اتخاذه فى هذا الأمر ولكنه ما زال مطروحا للدراسة، كما أن كل نظام سواء للدعم العينى أو النقدى له بعض المميزات والعيوب، ولذلك ستعمل الوزارة على مصلحة المواطن بعد مناقشة كل شيء للخروج بأفضل آلية لصالح المواطن.

وأوضح أن الوزارة فى انتظار دعوة من مجلس أمناء الحوار الوطنى بالتعاون مع وزارة الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، مؤكدا أن وزارة التموين جاهزة لعرض الملف بكل سيناريوهاته وستتم دراسة كل التفضيلات فى إطار هذا التحول.

وأشار إلى أنه إذا تم التوافق على قرار بشأن الدعم بعد طرحه للحوار المجتمعى ومشاورات الحوار الوطنى والبرلمان، فإن الحكومة مستعدة لتطبيق التحول من الدعم العينى وذلك مع بداية العام المالى الجديد، والذى يكون فى شهر يوليو، حيث تبدأ الدولة فى تقديم دعم نقدى للفئات المستحقة، ويشكل هذا التاريخ بداية العام بالموازنة الجديدة.

وأوضح الوزير أن الحكومة اعتمدت موازنة العام الحالى فيما يخص الدعم العيني، ومع بداية الموازنة الجديد التى سيتم العمل بها بداية من شهر يوليو المقبل، ستبدأ الحكومة فى تطبيق الدعم النقدى إذا ما تم التوافق بشأنه، وتضع له مخصصات جديدة فى الموازنة.

من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد، ورئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب الدكتور فخرى الفقى إن التحول للدعم النقدى يتم مناقشته حاليا فى الحوار الوطني، وتأثيره على رفع معدل التضخم. مضيفا أنه فى حال التحول من منظومة دعم الخبز العينى إلى النقدي، فإن المواطن سيحصل على ٢٠٠ جنيه  كقيمة الدعم النقدى الشهرى لرغيف الخبز ولكن بسعر تكلفة الرغيف ١.٢٥ جنيه، بالإضافة إلى ٥٠ جنيها مستحقة للفرد فى السلع التموينية، أى أن الأسرة المكونة من ٤ أفراد سيتم تخصيص ١٠٠٠ جنيه لها، بواقع ٨٠٠ جنيه للخبز و٢٠٠ جنيه للسلع.

وأضاف أن قيمة الدعم النقدى للخبز ستتضاعف بحسب عدد أفراد الأسرة المسجلة على بطاقات التموين، موضحا أن هذه القيمة لن تكون ثابتة بل سيتم مراجعة قيمتها بشكل دورى لمواكبة معدل التضخم.

وأوضح الفقى أنه فى حال توفير المواطن من استهلاك رغيف الخبز يمكنه استخدام هذا الدعم لشراء سلع أخرى من المنظومة التموينية، مثل الزيت والسكر، مشددًا على أنه لن يتم إقرار المنظومة قبل الانتهاء من إجراء حوار مجتمعى عليها.

ولفت إلى أن الدولة تدرك جيدًا أعداد المواطنين المستحقين للدعم؛ نتيجة وجود قاعدة البيانات المدققة، موضحًا أن عدد المستحقين لدعم رغيف الخبز يبلغ ٧٠ مليون مواطن، بعدد ٢٤ مليون بطاقة خبز لرب الأسرة، بينما يستفيد ٦٣ مليون مواطن من البطاقة التموينية.

وأشار الفقى إلى أنه رغم هذه المزايا، إلا أن التحول للدعم النقدى يواجه أيضًا تحديات عديدة، أبرزها القدرة على تحديد الفئات الأكثر استحقاقًا بدقة، وإيجاد آلية فعالة لتوزيع المساعدات النقدية. كما أن ارتفاع معدلات التضخم قد يؤثر سلبًا على قيمة الدعم النقدي، مما يستلزم مراجعة دورية لقيمته لضمان بقائها ملائمة لاحتياجات المستفيدين.

كفاءة التوزيع

وفى نفس السياق، قال أستاذ التمويل والاستثمار الدكتور هشام إبراهيم إن التحول للدعم النقدى خطوة ضرورية لتحسين كفاءة توزيع الدعم خاصة فى ظل الأزمات الاقتصادية التى تعانى منها مصر، مؤكدًا أن الدعم العينى يعانى من مشكلات كبيرة، منها سوء الاستهداف وعدم وصول الدعم للفئات الأكثر احتياجًا بشكل فعال مما يجعل التحول للدعم النقدى ضرورة حتمية.

وأوضح أن التحول من الدعم العينى إلى النقدى يمثل تحديًا كبيرًا يتطلب دراسة شاملة وتحقيق توافق مجتمعى لضمان نجاحه، إذ يبقى الأمل معقودًا على مناقشات الحوار الوطنى للخروج بتوصيات تحقق توازنًا بين الحفاظ على الدعم للفئات الأكثر احتياجًا وضمان استدامة الميزانية العامة للدولة.

وفى السادس من أغسطس الماضي، ناقش الحوار الوطنى فى اجتماعاته قضية الدعم، وقرر إجراء المناقشات على مرحلتين، الأولى تضم جلسات عامة بمشاركة متخصصين وخبراء، وممثلين لأحزاب وقوى سياسية ونقابية وأهلية تعبر عن مختلف الاتجاهات، فيما تضم المرحلة الثانية جلسات مغلقة للخروج بالقرار المناسب لمصلحة المواطن.

ويرى الخبير الاقتصادى الدكتور هانى توفيق أن التحول إلى الدعم النقدى يعتمد على عدة عوامل رئيسة، أبرزها التوافق المجتمعى حول هذا التغيير، وضمان وجود آليات تنفيذية فعالة لتحديد المستحقين وصرف الدعم بشكل سليم.

تجارب الدول

وأضاف، أن التحول من الدعم السلعى إلى النقدى هو النظام الأنسب لوصول الدعم إلى مستحقيه، ولنجاح تلك المنظومة الجديدة لا بد من إصدار قانون أو قرار ينص على ضرورة زيادة سنوية فى الدعم تتناسب مع معدلات التضخم، كما يتطلب توافر بنية تحتية تقنية قوية، خاصة فيما يتعلق بنظام المدفوعات الرقمية لضمان وصول الدعم إلى المستحقين بطرق آمنة وسريعة.

وشدد على ضرورة أن تتم دراسة تجارب الدول الأخرى التى طبقت الدعم النقدي، مثل البرازيل وإندونيسيا للاستفادة من نجاحاتها وتجنب الأخطاء التى وقعت فيها مع ضرورة وضع ضوابط لضمان وصول الدعم لمستحقيه من خلال حصر المواطنين المحتاجين، مع إصدار بطاقات كاش للصرف تتيح للمواطنين اختيار السلع التى يحتاجونها، مما يعزز من فاعلية الدعم.

وأوضح أنه بالرغم من الصعوبات التى قد تواجه عملية التحول، فإن هناك العديد من المؤشرات التى تدعم هذا التوجه، خاصة فى ظل السعى لتقليص عجز الموازنة وتحقيق الكفاءة الاقتصادية.

ونوه توفيق بأنه من المتوقع أن يشهد الحوار الوطنى مزيدًا من النقاشات حول هذا التحول، خاصة فيما يتعلق بكيفية ضبط قيمة الدعم النقدى لحمايته من تأثيرات التضخم، وتوفير شبكة أمان اجتماعى تكفل الحد الأدنى من المعيشة الكريمة للفئات المستحقة.

واتفق معه المحلل الاقتصادى الدكتور محمد أنيس، حول أهمية التحول إلى الدعم النقدي، مشيرا إلى أن الدعم النقدى يرفع كفاءة المبلغ الممنوح للمستحقين، ويحافظ عليه من الهدر أو السرقة.

وأضاف أنيس أن هناك عدة شروط يجب تنفيذها لضمان التطبيق السليم لمنظومة الدعم النقدي، لافتا إلى أن الدعم يجب أن يوجه من خلال بطاقات ذكية للمستحقين، مع ضرورة عدم السماح بسحبها نقديا، وتوجه فقط لشراء بعض السلع والخدمات الأساسية، لضمان الاستخدام الأمثل للدعم وعدم إهداره.

وأشار إلى أن هذه الطريقة تضمن وصول الدعم للمستحقين فقط، واشترط أنيس أيضا ربط الدعم النقدى الموجه للمستحقين بطريقة غير مباشرة بمعدلات التضخم، موضحا أن هذا الشرط يضمن الحفاظ على نصيب الفرد من الدعم سنويا.

من جهة أخرى ترى أستاذة الاقتصاد بجامعة عين شمس الدكتورة يمن الحماقي، أن الإشكالية التى تعانى منها الدولة منذ عدة عقود هى عدم قدرتها على محاربة الفقر، وأرجعت ذلك إلى أن الدولة تتبع آليات المنح والمبادرات دون الاعتماد على آليات التمكين الاقتصادي.

وقالت إن نظام الدعم النقدى فى المنظور الاقتصادى أفضل بكثير من الدعم العيني، ولكن يجب أن يطبق تدريجيا، وتحت أطر وأبحاث دقيقة جدا، مشددة على ضرورة رفع كفاءة المواطن قبل تطبيق منظومة الدعم النقدي، وزيادة مهارته من خلال برامج التمكين الاقتصادي، وفى تلك الحالة يجب تطبيق نظام الدعم النقدى على الفور.

وأضافت أن المرحلة الأولى من تطبيق نظام الدعم النقدى يجب أن يكون المستفيد لديه قدرة الاختيار فى المفاضلة بين الدعم النقدى والعيني، مشيرة إلى أن الدولة عليها فى هذه المرحلة تتبع سلوك المستفيدين من الدعم ومراقبة أدائهم من خلال دراسات ميدانية معمقة، لافتة إلى أنه بعد وقت طويل تستطيع الدولة تقليص فاتورة الدعم بنسبة كبيرة جدا، وبناء اقتصاد قوى مستدام يعتمد على قدرة وكفاءة مواطنيه، مستشهدة بتجربة دولة الصين.

بينما قال الخبير الاقتصادى ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاجتماعية الدكتور عادل عامر، إن فكرة الدعم النقدى ليست وليدة اللحظة، ولكن تم طرحها منذ عدة سنوات، خلال المؤتمرات الاقتصادية سواء فى الأنظمة الرئاسية السابقة أو فى النظام الحالي، وانتهى الأمر وقتها بأغلبية آراء خبراء الاقتصاد أن الدعم النقدى لن يؤتى ثماره، لأنه سوف يؤدى إلى زيادة السيولة النقدية لدى المواطنين لشراء أى مستلزمات خارج نطاق السلع التموينية.

فيزا مخصصة

وأضاف عامر أنه انتهى الأمر حديثًا بعد إجراء العديد من المناقشات أن استبدال الدعم العينى بالدعم النقدى يجب أن يكون مثلما فعلت العديد من دول العالم، عن طريق تخصيص فيزا مشتريات لا يجوز لحامل هذه البطاقة إلا الحصول بها على سلع استهلاكية بقيمة الدعم المخصص من الحكومة كل شهر، من المنافذ والمحال التجارية التى يتم الاتفاق مع وزارة التموين والتجارة الداخلية، وفقًا لسعر السوق للسلع المطروحة.

وأشار إلى أنه مع إعلان البنك المركزى وصول نسبة الشمول المالى إلى حوالى ٧٥%، فإنه يفتح آفاقًا جديدة لتطبيق هذا الأمر، ويساهم فى حصول المواطنين على حقهم فى الدعم النقدي، بالإضافة إلى ضمان صرفه فى المكان المخصص له وشراء السلع التموينية بسهولة، عبر بطاقات الفيزا التى يتم تحديدها لذلك.

وعن قيمة الدعم النقدى المخصص لبطاقات التموين، أكد عامر، أنه من الصعب أن يتم تقييم قيمة الدعم النقدى للمواطنين بقيمة ثابتة، لأن هذه القيمة تتآكل بشكل مستمر فى ظل الارتفاعات المستمرة فى أسعار السلع بسبب التضخم، ولذلك فإنه فى حالة اتجاه الحكومة لتثبيت قيمة الدعم النقدى للمواطنين، سوف يكون هناك ظلم كبير للأسر المصرية المستحقة للدعم.

ويتمثل الدعم العينى فى توفير السلع الأساسية مثل الخبز، الزيت، السكر، والأرز بأسعار مدعومة تقل بكثير عن أسعار السوق. ثم توسعت المنظومة لتشمل العديد من السلع والخدمات، وتم تطويرها لتلبية احتياجات مختلف الشرائح الاجتماعية، خاصة فى ظل الزيادات السكانية المستمرة.

وتشكل فاتورة الدعم جزءًا كبيرًا من الموازنة العامة للدولة، حيث تتحمل الحكومة مليارات الجنيهات سنويًا لتوفير السلع الأساسية بأسعار مدعومة، ووفق رئيس الوزراء المصري، فإن فاتورة الدعم للسنة المالية الحالية تبلغ ٦٣٦ مليار جنيه بزيادة ٢٠% على السنة المالية الماضية.

منظومة قديمة

وأصبحت الزيادة المستمرة فى أعداد المستفيدين من الدعم، بجانب ارتفاع تكاليف السلع عالميًا، تزيد الأعباء المالية على الميزانية. وهذا الوضع دفع بالدولة لإعادة النظر فى فعالية منظومة الدعم العينى وضرورة البحث عن بدائل أكثر استدامة.

وتعود جذور منظومة الدعم العينى فى مصر إلى منتصف القرن العشرين، حيث بدأت الدولة فى تقديم الدعم بهدف حماية المواطنين من تقلبات الأسعار، خاصة فى ظل الأزمات الاقتصادية والحروب التى مرت بها البلاد.

وقبل ذلك لم تعرف الدولة المصرية الدعم بالشكل الرسمي، فإن ما كان يتم قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية على فترات لم يرتق إلى مسمى الدعم بمعناه المعروف. فعلى سبيل الذكر تصدى الملك فاروق لمشكلة دعم أبناء الطبقات الفقيرة عام ١٩٤١، وخصص ٢٠٠٠ جنيه لحل هذه الأزمة، وكان هذا المخصص أولى حلقات الدعم فى مصر، لكن بشكل غير مباشر وفقاً لدراسة أعدها المركز المصرى للدراسات السياسية والاقتصادية.

وأشارت الدراسة إلى أن الدعم فى مصر دخل فى منحنى جديد بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، التى نشبت بين دول الحلفاء فى مواجهة دول المحور فى سبتمبر ١٩٣٩ وحتى سبتمبر ١٩٤٥ التى تسببت فى إيقاف تبادل السلع بين دول العالم، وهو ما دفع الدولة إلى التدخل بشراء بعض السلع الأساسية، مثل القمح والدقيق والكيروسين وغيرها من السلع على نفقتها وضخها فى الأسواق مجاناً لتعبر تلك الأزمة لتلافى الآثار السلبية الناجمة عن الحرب، ومعها دشنت وزارة للشئون الاجتماعية التى تحولت تدريجياً، لتصبح وزارة التموين والتجارة الداخلية فى ما بعد.

وأوضحت أن الحكومة توسعت فى عهد الرئيس عبد الناصر فى تقديم الدعم بطرق متعددة، وكان فى صدارتها ما عرف آنذاك بـ»الإصلاح الزراعي»، علاوة على توفير خدمات اجتماعية تتضمن الصحة والتعليم، وإصدار البطاقات التموينية للمرة الأولى لعدد محدود من السلع، بهدف توفير السلع الأساسية للمواطنين، كإجراء لمواجهة النقص فيها.