https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

مصر «المديرة»

77

سعيد صلاح

أكدت الأحداث الأخيرة وتحديدًا ما جرى فى «قمة شرم الشيخ»، على حقيقة ستظل عصية على التشكيك والمزايدة أو حتى النكران والمنافسة، وهى أن مصر هى مبتدأ الخبر العربى ومنتهاه، أقول ذلك ليس لكونى مصريًا وأنا أفخر وأتمنى لو لم أكن لكنت.. ولكن لأن هذه طبيعة كونية،
بل هى طبيعة الأشياء عندما يجب أن ترتدي لباس «المنطق والعقل».

فى مفاوضات وقف إطلاق النار الأخيرة بغزة والتى انتهت لهذا الاتفاق التاريخى، وعلى مدار سنوات الصراع العربى الإسرائيلى لم تكن مصر طرفًا عاديًا، ولم تكن وسيطا بل كانت لاعبًا رئيسيًا وأساسيًا، وكانت هى دوما الأولى فى المواجهة عندما يكون هناك صراع واقتتال وحرب و«المديرة» لكل خطوات المفاوضات والمباحثات عندما تكون هناك مساع للتهدئة والاتفاق.

واجهت مصر وحاربت وانهزمت وانتصرت من أجل أن تحمى حقها وحق العرب وجنحت للسلم أيضا من أجل أن تحمى حقها وحق العرب، وفى كل الحالات كان قرارها فى الحرب وقرارها فى السلام، قرارًا وطنيًا سياديًا لا تخاذل فيه ولا خيانة، رغم ما طاله على مدار التاريخ من تجاوز وادعاء ومحاولات سرقة للدور والمكانة والمهابة والإخلاص للعروبة والقضية.

أتذكر فيما قرأت عندما كان يرتب الرئيس السادات لزيارة تل أبيب، وكيف انقلب العرب عليه وأولهم الفسطينيون، وكيف كانوا أول من عادوا عندما كشفت الأيام والأحداث صحة وجهة نظر مصر، وأتذكر أيضا ما قاله السادات فى أحد أحاديثه لهيكل: «لقد تعوّد هؤلاء على أن يعيشوا على الشعارات.. أما نحن فقد اخترنا طريق السلام ونحن نملك القرار».

نعم.. نحن نملك القرار والنية للسلام  ونعلم أين صالح مصر ومصلحتها، وأين صالح القضية ومصلحتها، وها هى الأيام تعود لتثبت من جديد أن مصر صاحبة القرار، وهى من تدير وليس فقط من تتوسط، شاء من شاء وأبى من أبى، فلقد أثبتت الأحداث الأخيرة أن مصر  لعبت دورًا فاعلاً ورئيسيًا فى مجريات الأحداث بالمنطقة كلها وتحديدًا فى ملف غزة والصراع الدائر على حدودها الشرقية، فموقعها الجغرافى بين فلسطين ودولة الاحتلال، وشبكة علاقاتها المتوازنة مع القوى الإقليمية والدولية، جعلتها قادرة على الجمع بين أدوات القوة الخشنة عبر سياساتها الأمنية والحدودية، وأدوات القوة الناعمة من خلال الدبلوماسية التقليدية ومكانتها الرمزية كصانع للسلام منذ مبادرة الرئيس أنور السادات عام 1977، وصولا إلى اتفاق وقف اطلاق النار فى غزة وجهود الرئيس عبد الفتاح السيسي فى إخراج قمة السلام بشرم الشيخ على هذا النحو.

فلقد سعت قطر إلى تفعيل قنوات الاتصال مع فصائل المقاومة الفلسطينية وخاصة حماس، وركزت أمريكا على ضمان مصالح إسرائيل خاصة الأمنية، فيما كانت مصر تدير المفاوضات وتتولى الوساطة بشكل يجمع بين الضمانات الأمنية، والحوافز الاقتصادية، والرموز الدبلوماسية لبناء أرضية مشتركة تُرضى الأطراف المتصارعة وتستعيد الشرعية الإقليمية للمفاوضات، حيث بدأت مصر مبكرًا فى تفعيل أدواتها الدبلوماسية والأمنية، ففتحت قنوات اتصال مع الولايات المتحدة، وقطر، والأمم المتحدة، مؤكدة منذ اللحظة الأولى أن احتواء الصراع ومنع تمدده إقليميًا أولوية وطنية وإقليمية، وأن الحل لن يأتى إلا عبر مسار سياسي يضمن الحقوق الفلسطينية ويعيد الاستقرار إلى المنطقة.

وشاهدنا جميعا كيف نجحنا فى ذلك بشكل  واضح وكبير جدًا، اعترف به العالم كله وأشاد به ووضح جليًا فى الحضور العالمى المكثف والقبول العالمى لما حدث وأسفر عنه، ليتحقق بالفعل ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي «القيادة الحقيقية ليست فى شنّ الحروب بل فى القدرة على إنهائها»، وهو ما يمثل تطويرًا للنهج المصرى فى القدرة على المواجهة وخوض الحروب والانتصار فيها وأيضا القدرة على الانخراط فى أى مساع جادة للسلام العادل والشامل وهو ما قاله السادات: «أما نحن فقد اخترنا طريق السلام ونحن نملك القرار».

هذا النجاح منقطع النظير لقمة شرم الشيخ ومفاوضات وقف الحرب على غزة بلا شك يرسخ موضع مصر ومكانة القاهرة كركيزة أساسية فى هندسة السلام فى الشرق الأوسط، وكعرّاب للوساطة المتوازنة والإدارة القوية والرشيدة لمثل هذا النوع المعقد والمركب من الوساطات والمفاوضات، والتى تشبه كثيرًا ما جرى فى معاهدات السلام قبل نصف قرن فى عمر الصراع العربى الاسرائيلى، فقد أعادت القاهرة تعريف الوساطة، وقالت للعالم كله بملء الفيه «أى سلام فى الشرق الأوسط لن يمر إلا من القاهرة»، ولعل قرار الأمم المتحدة اعتماد «آلية متابعة شرم الشيخ» برئاسة مصر، لتقييم التقدم فى تنفيذ بنود الاتفاق كل ستة أشهر، وهو اعتراف مؤسسى أممى وعالمى بأن الاستقرار الإقليمى لا يمكن أن يتحقق دون البعد المصرى.. وأن السلام كما قلت يجب أن يمر من هنا.. «القاهرة».

ويبقى للحديث شواجن عن دولة فلسطين وحل الدولتين والقضية الفلسطينية التى يتاجر بها البعض ويدعى كذبا أنها أهدرت وتناست وتلاشت فى خضم تزاخم الاحداث وتعاركها، فهذا لم يحدث فقد نجحت القاهرة فى إعادة إحياء فكرة حل الدولتين بعد سنوات من الجمود، ليس كشعار دبلوماسى، بل كهدف مرحلى ضمن خطة التنفيذ التدريجى فقد تبنت مصر رؤية تقوم على تسوية تبدأ ببناء الثقة ثم الانتقال إلى الاعتراف المتبادل، تسوية تنتهى إلى سلام يقوم على موازنة المصالح لا على مثالية الشعارات، وهى فرصة أظنها مثالية وواقعية إلى حد بعيد للتقارب العربى الأكبر من أجل قضيتهم الأولى «القضية الفسطينية» فيجب أن نستغل هذا الجهد المصرى الكبير والرؤية المستقبلية وألا يفعل العرب مثلما فعلوا أيام الرئيس السادات وأخذوا موقفًا غريبًا ومناهضًا للرؤية المصرية والذى سرعان ما أثبتت الأيام صحتها ورجاحتها، علينا أن نسعى إلى تأسيس نظام عربى مشترك يستند إلى مبادئ احترام السيادة، ونبذ التدخلات الخارجية، ودمج إسرائيل – مع الحفاظ على أنها العدو التاريخى وعدم نسيان ذلك – فى ترتيبات أمنية مشروطة بسلام دائم، ونستغل أيضا التحول الواضح فى الموقف الأمريكى تجاه الصراع بالمنطقة والدعم المطلق لإسرائيل، وأيضا قنوات الاتصال الجديدة مع تركيا وإيران لتجفيف كل منابع التوتر فى المنطقة وتحجيم المساعى المدفوعة بالطمع والشرور والتدخلات غير المبررة والمدفوعة بمصالح مكشوفة ومرهونة للبيع سلفا.. تحصنوا بمصر ولا تنازعوها فهى الملاذ الحقيقى والآمن للعرب.

حفظ الله الجيش.. حفظ الله الوطن