رئيس التحرير
مصر تقود الاصطفاف العربي فى مواجهة التهجير
By amrفبراير 17, 2025, 16:59 م
430
تتسارع الأحداث فى المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط بشكل يفوق سرعة عقرب الثواني، بل إن المنطقة باتت درجة حرارة مناخها السياسي تفوق بمراحل درجة حرارة مناخها الطبيعي فى تلك الفترة.
ما بين تصريحات متلفزة أو رؤى تحليلية، أو استفزازات بتحركات لجيش الاحتلال، أو متابعات لما يتم تداوله على السوشيال ميديا التي أصبحت لاعبًا أساسيًا فى تحريك الأحداث، الأمر الذي جعل البيت الأبيض يمنح تصريحًا لعدد من منشئ المحتوى لحضور المؤتمرات الصحفية وتغطية الفعاليات.
الأكاذيب المتناثرة رفيعة المستوى الصادرة للأسف على لسان مسئولين سواء فى الإدارة الأمريكية أو حكومة الاحتلال هي الأخرى تزيد من شدة حرارة المنطقة سياسيًا.
كل تلك الأحداث والمتغيرات صنعت حالة من التوتر والقلق تشهدها المنطقة العربية منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض فى العشرين من يناير الماضي، تصريحات أمريكية غير منضبطة، وتضامن ودعم أمريكي غير محدود مع حكومة الاحتلال، لترسيخ مفاهيم تتعارض مع القوانين الدولية، فى محاولة من جانب الاحتلال لكسب مزيد من الأرض العربية على حساب تصفية القضية الفلسطينية، وهو ما رفضته مصر بشدة وحذرت من عواقبه مرارًا.
التحذيرات المصرية ليست مجرد تصريحات لكنها عبّرت عن ثوابت راسخة لدى الدولة المصرية، إن الحل لعملية السلام فى منطقة الشرق الأوسط ليس بتصفية القضية إنما بإعلان حل الدولتين وإعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
(1)
جاءت تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي حاسمة وقاطعة أنه لا يمكن السماح بالتهجير للفلسطينيين وإذا كان هناك طريق لتحقيق السلام فمن الممكن أن يتحقق إذا تم إعلان الدولة الفلسطينية وليس بتهجير شعبها.
لقد حاولت الحكومات الإسرائيلية على مدى عدة عقود تسويق الكذب والزيف من أجل التوسع على حساب الأراضي الفلسطينية، وفى كل مرة كان مخطط التوسع يزداد بدعم من القوى الغربية والولايات المتحدة.
فتعددت مسميات المخططات الإسرائيلية لإفراغ الأراضي الفلسطينية من أهلها وفى كل مرة كانت الدولة المصرية تقف لذلك المخطط وتستجمع الصف العرب فى مواجهته.
حاولت إسرائيل ذلك فى النصف الثاني من القرن الماضي وبعد يونيو 1967 بدأت فى التوسع ببناء المستوطنات على حساب الأراضي الفلسطينية متدثرة بقانون أملاك الغائبين.
لم تكتفِ إسرائيل بذلك بل كانت تستغل الأزمات لتحولها إلى فرص تكسب بها مزيدًا من الأراضي الفلسطينية، وخلال العقدين الأخيرين عمدت الحكومات الإسرائيلية على تنفيذ مخططها الذي أطلق عليه فترة مسمى “صفقة القرن” للوصول إلى الهدف (تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم) لتصفية القضية.
تصدت الدولة المصرية لذلك المخطط بقوة ووقفت حجر عثرة أمام تنفيذه وواصلت دعم الأشقاء الفلسطينيين الصامدين على أرضهم.
تجدد تنفيذ المخطط مرة أخرى عقب السابع من أكتوبر 2023 وعملت إسرائيل والإدارة الأمريكية وعدد من الدول الغربية على الوصول لهدفها الأساسي وهو إفراغ فلسطين من الشعب الفلسطيني على حساب دول الجوار أو بأكبر عملية إبادة جماعية فى التاريخ الحديث فقتلت أكثر من 55 ألف فلسطيني ودمر قطاع غزة بالكامل ليصبح منطقة غير صالحة للحياة.
كشفت مصر المخطط وسيناريوهات تنفيذه مبكرًا وحذرت من آثار ذلك على السِّلم والأمن الدوليين وكذا على أمن واستقرار المنطقة.
كما حذرت من عملية تصفية القضية الفلسطينية بتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم.
قادت إسرائيل حملة من الأكاذيب أدارتها بالتعاون مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، وتحت مزاعم الحرب على حماس قامت بتدمير القطاع.
قدم نتنياهو وعدد من أعضاء حكومته ووسائل الإعلام الإسرائيلية سيلاً من الأكاذيب لتزييف المشهد للحصول على مزيد من الدعم.
فقد صفق له الكونجرس بعد جلسة عقدت فى 25 يوليو 2024 أشبه بمسرحية قدم فيها نتنياهو دور البطل الأوحد ومعه مجموعة من العناصر على المسرح استعطف بهم المتفرجين من أعضاء الكونجرس على مدى 52 دقيقة حصل خلالها على 81 مرة تم التصفيق له فيها، زاعمًا أن حربه ضد الفلسطينيين هي للحفاظ على أمن الولايات المتحدة.
وقدم عدد من الجنود كأبطال فى تلك المعركة لنجد الشيطان يعظ والجميع ينصت ليحصل على مزيد من الدعم الاقتصادي والعسكري من واشنطن لتواصل إسرائيل حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.
(2)
فى الوقت ذاته أخذت مصر على عاتقها كشف تفاصيل ما يحدث ضد الشعب الفلسطيني والمجازر الإسرائيلية التي تُرتكب ضده، والتي تعد جرائم حرب حسب القانون الدولي، وعرقلة إسرائيل وصول المساعدات إلى القطاع.
كما قادت تحركات دبلوماسية واسعة على مستوى العالم لكشف حقيقة ما يجرى فى الأراضي المحتلة، ليرى العالم المشهد المرعب من الدمار والقتل.
ليقف الأمين العام للأمم المتحدة فى مؤتمر صحفي عالمي من أمام معبر رفح يطالب بضرورة وقف إطلاق النار فى غزة فى 20 أكتوبر 2023 قائلاً: “إن مليوني شخص فى قطاع غزة يعانون خلف هذه الأسوار، ولا يوجد لديهم طعام ولا غذاء ولا وقود”.
مشددًا على أنه “يجب عدم معاقبة الشعب الفلسطيني مرتين، بالحرب ومنع المساعدات”.
ثم يكرر زيارته لمعبر رفح فى مايو 2024 ويدين ما تقوم به إسرائيل من جرائم ضد الإنسانية.
هنا بدأت إسرائيل أكبر حملة تشويه ضد “أنطونيو جوتيريش” بل إن سفيرها لدى الأمم المتحدة وصفه بالبغيض.
وتجاهل مندوب إسرائيل المجازر التي ترتكبها بلاده فى حق المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ والشباب فى القطاع بل تدمير المستشفيات والمدارس والمنازل.. بل إن وزير الخارجية الإسرائيلي “إيلي كوهين” هو الآخر طالب الأمين العام للأمم المتحدة بالاستقالة خاصة بعد إعلان جوتيريش تفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي نادرًا ما تستخدم وتخوّله “لفت انتباه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حماية السِّلم والأمن الدوليين”.
هكذا تدير إسرائيل مخططها من خلال شن الهجوم وتشويه صورة كل من يحاول إيقاف مخططها المسموم لتصفية القضية الفلسطينية.
وكذا محاولة جر المنطقة إلى حرب شاملة وهي لا تدرك خطورة ذلك على السِّلم والأمن الدوليين.
تطورات الأوضاع وتسارعها فى الفترة الأخيرة استوجب ضرورة الاصطفاف العربي وهو ما أزعج إسرائيل وحكومتها بشكل كبير، خاصة بعد أن بات واضحًا اتفاق الأمة العربية على مسار واحد، وهدف واحد، وهو رفض التهجير؛ وأيضًا ضرورة وقف إطلاق النار والعمل على إعادة الإعمار وتحقيق سلام مبني على العدل وضرورة إعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
(3)
الاصطفاف العربي أصبح واقعًا من خلال تصريحات القادة والمسئولين العرب.
فأعلنته مصر وأكدت عليه السعودية والأردن والإمارات وقطر والبحرين والكويت وعمان ولبنان والجزائر والمغرب وفلسطين.
الجميع يرفض التهجير وتصفية القضية.. الجميع يطالب بإحلال سلامٍ عادلٍ وشاملٍ وإعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.. الكل يطالب بإعادة إعمار غزة وضرورة أن يتحمل المجتمع الدولي والقوى الدولية مسئوليته.
الأمر الذي جعل عمليات صناعة وتصدير الشائعات للمنطقة من قِبل دولة الاحتلال ومعاونيها فى أعلى درجات إنتاجها.
مستهدفة العقل الجمعي، والتأثير على الشعوب العربية ومحاولة إفقادها الثقة فى قادتها، كما حدث عقب المؤتمر الصحفي للملك عبد الله بن الحسين مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فحرّفت الترجمات واستقطعت الصور وأطلقت كتائب التشويه لخلخلة حالة الإجماع العربي غير المسبوقة باتجاه قضية العرب المركزية ـ القضية الفلسطينية ـ فى مواجهة المخطط الإسرائيلي الأمريكي.
وسقط البعض فى عملية تدويل وإعادة نشر لعبارات سابقة التجهيز كان الهدف منها خلخلة صف الوحدة العربية فى دول المواجهة.
وتحولت صفحات السوشيال ميديا إلى أكبر ساحة للتحليل السياسي وتحليل لغة الجسد، وهم فى الحقيقة قد سقطوا ضحايا لأكبر عملية تزييف جاءت عقب تأكيد الملك عبد الله على رفض بلاده لتهجير الفلسطينيين وتأكيده على توحد الصف العربي خلف الرؤية المصرية لإعادة إعمار غزة.
بل أكد على الخطوط الحمراء التي حددتها مصر.
إن المنطقة العربية تعيش رغم الأزمة الطاحنة التي تضرب بها والأوضاع غير المستقرة فى العديد من دولها، إلا أن الاصطفاف العربي فى تلك المرحلة هو أحد أسلحة إدارة المعركة فى مواجهة المخطط الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية.
هنا لابد علينا جميعًا أن ندرك أهمية تدقيق المعلومات وعدم الانجراف وراء محاولات تشويه الصورة العربية، أو إلقاء تهم قد يكون لها تأثير سلبي.
إننا أمام معركة من أخطر المعارك التي واجهتها المنطقة العربية بعد أن أصبحت الحرب النفسية لاعبًا رئيسيًا فيها.
فالقرار العربي واضح ولابد للشعوب أن تواصل اصطفافها خلف قيادتها، كي تكون الرسالة أكثر وضوحًا أمام المجتمع الدولي.
علينا ألا نستبق الأحداث ولا نجعلها تحمل أكثر مما هي عليه؛ مادامت ليست لدينا معلومات صادرة عن مصادر موثوقة.
فلا يطلق البعض منا لنفسه العنان محللاً لحدثٍ أو تصريحٍ يمس تطورات الوضع فى المنطقة، وكأنه محلل سياسى رفيع المستوى عليم ببواطن الأمور، وهو على غير ذلك تمامًا.
مثل تلك القضايا ليست طبخة تُطهى فى حلقة لكل منا طريقة فى طهيها، وليست مباراة كرة قدم كل منا يتحول خلال مشاهدته لها إلى مدير فني للفريق الذي ينتمي إليه فيضع خططًا فنية له، وهو جالس مشاهدًا للمباراة.
إننا نحتاج أمرًا واحدًا فى ذلك الظرف الدقيق الذي تمر به المنطقة، نحتاج إلى الاصطفاف الوطني والثقة فى قادتنا وإدارتهم للأزمة.
كما علينا ألا نندفع وراء مروِّجي الشائعات حتى وإن كانت إيجابية طالما لم تصدر عن مصادر موثقة، فالحرب ليست شائعات سلبية فقط فالشائعات الإيجابية التي تُبنى على غير الحقيقة تستهدف رفع سقف طموح المتلقي ثم بعد ذلك تكشف له الحقيقة فيصاب بالإحباط.
إنها أكبر عملية تأثير نفسي على الشعوب لخلخلتها والنيل منها فى توقيتات محددة.
وفى النهاية لابد أن نثق أن الموقف المصري والعربي ثابت لن يتغير من رفض التهجير وضرورة إعادة الإعمار وإعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
إن قوافل التعمير التي وصلت إلى معبر رفح خلال الساعات الماضية تثبت أن الدولة المصرية متمسكة بثوابتها ولن يستطيع أحد أن يجعلها تغيّر منها قيد أنملة.
فهي لن تدفع إلا باتجاه ما تقرره للحفاظ على الأمن القومي المصري والعربي.
فمصر تمتلك القوة والقدرة على تنفيذ قرارها متى شاءت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أسد الدبلوماسية
الجولات المكوكية والتحركات الدبلوماسية لوزير الخارجية دكتور بدر عبد العاطي، خلال الفترة الماضية خاصة فى ظل الأحداث المتلاحقة ومحاولات الجانب الإسرائيلي ترويج الأكاذيب وقلب الحقائق.
جاءت سرعة الرد المصري وقوته والبيانات الصادرة عن وزارة الخارجية المصرية، بمثابة ترمومتر كشف حجم التأييد الشعبي للرؤية والتحركات الدبلوماسية المصرية فى مواجهة مخطط التهجير، فلقَّبه المصريون بأسد الدبلوماسية المصرية.
فتحية للدكتور بدر عبد العاطي والفريق المعاون له من رجال وزارة الخارجية المصرية.