https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

تونس..حكاية استرداد وطن مختطَف منذ عشر سنوات

إيديكس 2025.. امتلاك القوة

68

في المناطق المضطربة ينبغي عليك أن تدرك أهمية امتلاك القوة؛ فحالة عدم الاستقرار فى المحيط الاستراتيجي للدول بالتأكيد ستدفع بأثارها عليها مما قد يجعلك فى لحظة ما طرفا.. الأمر الذي يستوجب عليك امتلاك القوة؛ لكن هل هذا يكفي فى تلك الحالة؟! أم أن هناك نقاطا أخرى وأدوات ذات أهمية ينبغي عليك امتلاكها أيضا.

هنا على الدول القوية أن تدرك وتتابع بدقة وتكون أكثر استعدادا لمواجهة تلك الآثار حتى لا يصيبها ما أصاب غيرها.

منذ أحداث يناير 2011 وقبلها بعدة أشهر والمنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط تموج بالاضطرابات وعدم الاستقرار، الأمر الذي دفع ببعض دول المنطقة نحو منزلق الفوضى فسقط فيها البعض؛ والبعض الآخر يحاول الفكاك منها، لكن الدولة المصرية استطاعت أن تفلت من هذا المنزلق

فلم يكن الدفع بالمنطقة فى ذلك الاتجاه وليد العقدين الأخيرين بل كان أبعد من ذلك بأكثر من خمس عقود تقريبا.

هنا كان امتلاك الدولة المصرية للقوة أحد أهم دعائمها فى التصدي لهذا المخطط المسموم..

ولأن قوة الدولة متعددة العناصر، بدءا من القدرات (القدرة الاقتصادية، القدرة السياسية، القدرة العسكرية) إضافة الى كتلتها الحيوية (السكان والأرض) فتلك العناصر تساهم بشكل كبير فى القرار الذي تتخذه الدولة.

(1)

الأسبوع الماضي شهدت مصر انعقاد الدورة الرابعة للمعرض الدولي للصناعات الدفاعية إيديكس 2025، والذي بدأ أول دورات انعقاده فى عام 2018.

فى ذلك التوقيت كانت مصر وما زالت تواجه أكبر خطر على استقرارها؛ حربا من حروب الجيل الرابع، الحروب اللامتماثلة.

كانت الحرب على الإرهاب معركة غير تقليدية خاصة فى ظل دعم لوجستي واقتصادي لتلك العناصر تقوم به أجهزة مخابرات عدد من الدول، مما جعل المواجهة ليست بالتقليدية، بل إن التخطيط لتلك العناصر والتدريب على تنفيذ المهام كانت تدور على مسرح عمليات بعض الدول ثم يدفع بالعناصر عبر الأنفاق للمواجهة مع الجيش المصري.

 لذا كان قرار أهمية تطوير وتحديث الجيش المصري عقب 2011 قرارا استراتيجيا، فالأوضاع تزداد توترا والحفاظ على الدولة ومقدراتها يستوجب امتلاك القوة (القوة العسكرية) كما يتطلب أيضا امتلاك القدرة.

من هنا كانت استراتيجية الدولة المصرية عقب تولى المشير عبد الفتاح السيسي حقيبة وزارة الدفاع والإنتاج الحربي خلفا للمشير محمد حسين طنطاوي (رحمه الله) أن يتم العمل على بدء تحديث وتطوير القوات المسلحة بكافة أسلحتها وأفرعها الرئيسية والعمل على تنوع مصادر السلاح.

هذا الأمر لم يكن وليد صدفة أو رغبة فى تغيير فقط، لكن جاء نتيجة دراسات وتقديرات مواقف بالغة الدقة ورؤية دقيقة لمشهد يلوح فى الأفق برزت بعض إرهاصاته الأولى فى تلك الفترة.

لكن هل العمل على تطوير وتحديث القوات المسلحة وتنوع مصادر السلاح فقط سيفي بالغرض وسيكون الحامي للدولة فى ظل المتغيرات الجيواستراتيجية التي تضرب أركان المنطقة بل وتحطم بعضها إلى غير رجعة حسب السيناريوهات المتشائمة؟ بالتأكيد لا.

فالمشهد يزداد تعقيدا فى ظل تضارب المصالح، ومحاولات البعض الحصول على مكانة لا يستحقها، مما يدفعه لدعم سيناريوهات لا تساهم فى عودة الاستقرار للمنطقة بل تدفع بها لأن تكون أكثر عنفا وانقساما لتنفيذ سيناريو حدود الدم.

خلال العقد الأخير درست مصر رغم التحديات ضرورة امتلاك القوة، لكنها أيضا تعلمت من دروس التاريخ جيدا وقرأت المشهد مبكرا مما جعلها تمتلك القوة والقدرة معا.

ففي الوقت الذي عملت فيه على التحديث والتطوير كانت تتخذ مسارا موازيا وهو ضرورة توطين الصناعة وتطوير وتحديث الصناعات العسكرية فى ظل ما تمتلكه مصر من قلاع صناعية فى هذا المجال. فاستطاعت أن تصل بها لمراحل متقدمة من التصنيع العسكري.

(2)

 قبل يونيو 67 كانت الصناعات العسكرية المصرية تشهد تطورا متسارعا بشكل كبير؛ لكن كبوة الهزيمة أوقفت المشروع، ثم عمدت مصر عقب انتصار أكتوبر 1973 إلى أن تقيم قلعة عربية للتصنيع العسكري تكون قادرة من خلالها على مواكبة التطور الكبير فى الأسلحة التقليدية وتمتلك المنطقة العربية القدرة على إنتاج جزء كبير من سلاحها.

 فى عام 1975 تحت رايات النصر اتفق كل من مصر والإمارات والسعودية وقطر على إنشاء هيئة عربية دولية مستقلة (الهيئة العربية للتصنيع) لتكون بمثابة قلعة اقتصادية للصناعات العسكرية الدفاعية للعرب جميعا فقد ضمت إليها بعض المصانع، منها مصنع الطائرات والذي أنتج الطائرة فى عام 1965القاهرة 200 والقاهرة 300، فى الوقت ذاته كانت وزارة الإنتاج الحربي تمتلك 17 مصنعا لإنتاج العديد من الأسلحة والذخائر بمختلف أنواعها والمعدات.

لكن المشروع العربي سرعان ما واجه أزمة بعد 4 سنوات من انطلاقه عقب دخول مصر فى عملية السلام فتخارجت الدول الثلاث من الهيئة وأصر الرئيس محمد أنور السادات على أن يظل قانون الهيئة ولائحتها كما هي.

ظلت مصانع الهيئة تعمل وتحرص على التطوير لكن ليس بالقدر الذي كان مخططا له أن تسير به تلك القلاع الصناعية قبل تخارج الدول الثلاث.

 لكن العمل لم يتوقف، فواصل مصنع الطائرات إنتاج الطائرة الالفاجيت والتوكانو وأجزاء طائرات داسو.

واصلت مصانع الهيئة العمل وحرصت على التطوير، كما انضمت إليها عدد من المصانع لتمتلك 7 مصانع فى الصناعات الدفاعية والمدنية و7 مصانع فى الصناعات المدنية فقط.

(3)

إلا أن العقد الأخير شهد تطورا كبيرا داخل مصانع الهيئة العربية للتصنيع وجاءت السنوات الثلاث الأخيرة لتشهد مصانع الهيئة تطورا كبيرا وعقد شراكات واسعة ساهمت مع عدد من الشركات العالمية الصينية والفرنسية جعلها تقدم خلال النسخة الرابعة من معرض إيديكس 57 منتجا منهم 18 منتجا جديدا منها العربة المدرعة قادر 2 وتطوير القدرات النيرانية وكذا الحماية بالإضافة الى المسيرات والمعدات غير المأهولة منها المسيرات جبار 150 و200 و 250 والتي تعد أحد أحدث الطائرات المسيرة والتي أحدثت زخما كبيرا خلال المعرض، والطائرة المسيرة الانتحارية ومقذوفات الطائرات المسيرة نيزك 1 و2 و3 والمسيرة العقرب والمسيرات التي يستخدمها الأفراد بالتعاون مع الصين لأول مرة.

وكذا التعاون مع شركة داسو الفرنسية فى انتاج 15 قطعة من الطائرة الرافال ما بين القطع الكبيرة والصغيرة.

وإنتاج أجزاء من الطائرة F-16 بالتعاون مع جنرال دينامكس.

بالإضافة الى التعاون مع كوريا الجنوبية فى تصنيع مدفع الهاوتزر ذاتى الحركة  K9 عيار 155 مم أحد أبرز الصفقات التي أبرمتها القوات المسلحة ووطنت صناعتها محليًا بالشراكة مع شركة هانوا الكورية الجنوبية.

كما نجحت المصانع الحربية فى تصنيع راجمة الصواريخ المتعددة المصرية “ردع 300” والتي أحدثت حالة زخم كبيرة خلال المعرض لقدراتها النيرانية التي تصل إلى 300 كيلومتر، بالإضافة إلى قدرتها على إطلاق أعيرة مختلفة ما بين 122 ملمتراً، و300 ملمتر.

ومركبة الإصلاح والنجدة “سينا 805” المصنعة محليا بالكامل، وللمرة الأولى تجهيز مركبة خفيفة بالمدفع الثنائي 23 ملم المضاد للطائرات بعد تطويره بتقليل الارتداد.

كما تم أيضاً تطوير الصلب المدرع حتى سمك 30 ملم، بعدما كان حتى 15 ملم، وعرض حتى 240 سم، بعدما كان حتى 150 سم.

لقد كانت النسخة الرابعة من معرض إيديكس بمثابة إعلان لنجاح الدولة المصرية فى توطين الصناعات العسكرية وجذب ثقة الشركات العالمية فى نقل وتوطين تكنولوجيا صناعة الأسلحة فى مصر بعد ما شهده هذا القطاع من تطور كبير خلال السنوات الأخيرة.

فقد استطاعت إدارة المركبات بالقوات المسلحة من خلال مجمع الصناعات الهندسية أن تصل بحجم المكون المحلى فى المركبات “تمساح 1و2و3 إلى نسبة 100 % وان يصبح المجمع قلعة صناعية كبرى فى صناعة المركبات المدرعة.

وكذا الترسانة البحرية التي نجحت فى تصنيع الفرقاطه الجبار طراز “ميكو” بالتعاون مع الجانب الألماني.

كما نجحت فى تصنيع فرقاطات من طراز جويند بالتعاون مع الجانب الفرنسي، كأحد برامج توطين الصناعة.

(4)

فى عام 2023 عقد لقاء بين اتحاد الصناعات والشركات والهيئات المصرية العاملة فى قطاع الصناعات العسكرية تم خلاله عرض عدد من الأصناف التي يتم استيرادها من الخارج ومن الممكن أن تساهم الشركات المصرية فى تصنيعها، وساهم برنامج التعاون هذا فى توفير 280 صنفا كان يتم استيرادها من الخارج تم توفيرها محليا، مما ساهم فى زيادة نسبة المكون المحلى فى الصناعات العسكرية وجارى حاليا دراسة 180 صنفا لإنتاجها محليا.

وهو الأمر الذى يجرى العمل عليه عالميا فالصناعات العسكرية من الصناعات الكبرى والتي تحتاج إلى صناعات مغذية تساهم فى زيادة حجم المكون المحلى بالصناعة ويخلق فرصا لنمو القطاع الصناعي.

 لقد شهدت النسخة الرابعة وجود جناح لاتحاد الصناعات المصرية عرض خلاله منتجات عدد من الصناعات المغذية للصناعات العسكرية الدفاعية وهو ما يشير إلى نجاح البرنامج الذي يستهدف توطين الصناعة وأيضا زيادة المكون المحلى.

كما قدمت الشركة العربية العالمية للبصريات العديد من منتجاتها فهى أحد الأذرع الثلاث للتصنيع العسكري فى مصر وحققت خلال الفترة الماضية طفرة كبيرة فى الصناعات العسكرية منها منظومة المراقبة طويلة المدى X34 (حرارية ونهارية وليزر) وجهاز الرؤية D99 ومنظار الرؤية الليلية “لوسي” التي تم عرضها فى معرض إيديكس 2025، بالإضافة إلى منظومات مراقبة وأجهزة تحكم واشتباك عن بعد وأجهزة رؤية متطورة أخرى.

لقد بلغ عدد الشركات المشاركة فى المعرض 500 شركة وعقد خلاله أكثر من 80 مذكرة تفاهم  واتفاق تعاون.

كما ساهم فى اطلاع ضباط القوات المسلحة على أحدث ما وصل إليه العالم فى نظم التسليح والتكنولوجيا التي وصل إليها فى إدارة المنظومة النيرانية.

إن النسخة الرابعة تشير إلى أن النسخة القادمة من إيديكس 2027 ستشهد استعراض لعدد أكبر من الأسلحة المصرية التي تم تصنيعها محليا وتؤكد قدرة الدولة المصرية على أن تصبح رقما مهما فى الصناعات العسكرية فى ظل التطوير والتنامي المتسارع فى هذا القطاع.

إن تطور الصناعات العسكرية جعل الدولة تمتلك القوة والقدرة وهو ما نجحت فيه خلال السنوات العشر الأخيرة فقد كانت أزمة الفترة من 2011 وحتى 2013 سببا فى التوجه لتطوير هذا القطاع بعد أن أوقفت الولايات المتحدة توريد بعض قطع الغيار لعدد من القطع الحربية، الأمر الذي دفع بالدولة المصرية فى 2014 إلى تطوير الصناعات العسكرية والاعتماد على المكون المحلى.

ففي هذا العام أنتجت مصر المدرعة تمساح 1 والآن تنتج المدرعة تمساح 5 وهو من أقوى المدرعات بما تمتلكه من قدرات قتالية وحماية.

إن من يملك سلاحه يملك قراره، وهو ما تعمل عليه الدولة المصرية، كما أن المعرض الدولي للصناعات الدفاعية إيديكس أصبح أكبر المنصات العالمية لعرض الأسلحة.