رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

الأغنية الوطنية (كانت) حناجر تقاتل!

2035

المصريون هم أكثر من تغنى عشقا بوطنهم فقد تقلدوا المركز الأول على الإطلاق بين عموم القوميات وسائر الأجناس، حتى أن الزخم الفنى شكل وعيًا جمعيًا بقضايا الوطن ومزج وجدان الأجيال بتراب الأرض حتى صارت الأغنية كبارود الأسلحة واصطفت الأغنية بجوار الدبابة والمدفع فى طابور الحرب سلاحا يُعتد به، بل وتجاوزت إلى أن أضحت من عناصر القوى الناعمة التى تشحذ الهمم وتلهب الحماس ليس فقط فى صدور المقاتلين على جبهات القتال التى تعددت (الآن) إنما أيضاً فى نفوس المواطنين حتى تبين للعدو قبل الصديق أن هذا المجتمع (المرابط) يتغنى شعبه على نغمات أقدام الجنود، فكان الآخر يخشاها ويعمل ألف حساب لأثر الأغنية الوطنية بين المصريين ومغبة أن يقع هدفًا لكتائب الشعراء والملحنين والمطربين.
وأثمرت شجرة الأغنية الوطنية فنانين عظام اتشح أحدهم بالزى العسكرى من رئيس الدولة تكريما لفنه وإبداعه الوطنى الذى أكمل مشوارًا خالد الذكر فى النشيد الوطنى (بلادى بلادى لك حبى وفؤادى.. مصر يا أم البلاد)، كما استطاع توحيد العرب فى أغنية، بل وسعى غير المصريين من العرب إلى اللهجة المصرية والأغنية الوطنية لتكون لهم جواز مرور وانتشار بين ربوع الوطن العربى، حتى إن أحد أعظم الحناجر الجبلية تحول بالغناء إلى فلسفة قومية (..إذا مصر قالت نعم أيدوها.. وإن أعلنت لاءها فاسمعوها)، وزادت قيثارة الشرق (..مصر عادت شمسك الذهب) ومن قمم أطلس المغرب العربى شدت وردة الغناء (..وأنا على الربابة بغنى يا حبيبتى يا مصر) التى خلقت على الجبهة مقاتلًا ينشد الاستشهاد عشرات المرات عشقاً فى مصر وغير تلك النماذج الكثير والكثير لهم كل التحية على ما قدموه من إبداع فنى كان بمثابة ذخيرة حية تدفع بالمقاتل إلى النصر وتهزم العدو بالرعب قبل اللقاء.
والذكر موصول بسيدة الغناء العربى التى جندت صوتها فى صفوف المقاتلين تذكرهم بتاريخ الوطن المجيد وتحذر الأعداء من نهايات غيرهم كعقبى التعدى، وتحفز العمال على الإنتاج فلا حرية إلا لمن داس على الصعب، وتبنى دولة العلم والأخلاق مع الطلاب والتلاميذ، تلك الرائعة التى قادت فنانى جيلها للتبرع بالمال والجهد والفن لتسليح الجيش وإلى ربابة الوطن أول من تغنى بثورة المصريين وأهدافها وثمارها (.. بالأحضان يا مدافع يا مصانع) وهمس إلى المقاتل (.. ابنك يقولك هاتى انتصار) ونادى على الكسالى والمترددين إلى الدخول فى الصورة، وترسم الشادية الجميلة بالأغنية الأمل فى طريق المصريين والبسمة على وجوههم (.. ما شفش الأمل فى عيون الولاد)، ومازال الأستاذ يذكرنى بدرسه الخالد (.. يا نيل ياساحر الوجود)، أتساءل معكم الآن هل حوى النيل الساحر بلهارسيا وهى علميا نتاج البشر لا دخل لنيل جار فى مجراه بها، وليس المبتغى شخصنة الأمور (وإن وجب ألا نتغافلها) إنما التفهم الحثيث لأسباب التحول الدراماتيكى فى حالة الفن العام، والإجابة عن سؤال من وراء المهرجانات؟ الأكيد أنها ليست التطور الطبيعى (طبقًا لنظرية النشوء والارتقاء) للأغنية المصرية بوجه عام وأغانى المقاومة والسير الشعبية والتاريخ والوطنية بشكل خاص، وأزيد من الشعر بيتًا: ما السبب وراء تحول المطربين المصريين من الغناء بالمصرية إلى الخليجية والشامية والمغربية مع كل الاحترام لها جميعًا؟ إنما أخشى أن المحطة القادمة والمنتظرة هو التغنى بالسواحيلية أو لا قدر الله باللغة التى تجاورالعربية غصبًا!)، ونعيد السؤال بصياغة ثانية: إذا كانت معظم الأناشيد الوطنية للخليج والمغرب العربى من تلحين موسيقيينا الكبار، وغالبية العازفين والفرق الموسيقية التى أطربت قاعات السمع والطرب فى بلدان عربية عديدة كانت للمصريين لماذا تتداخل على أسماعنا آلات الطبل والقرب على غير ما تعودنا الطرب؟!، والسؤال الثالث: كانت الحفلات الغنائية للمطربين المصريين والعرب تقام فى مصر فى مناسبات قومية ودينية وفى أعياد الربيع والعمال وغيرها وتكون كمصدر من مصادر الدخل القومى وتشجيع السياحة العربية بل وسببًا قويًا للتأكيد على أن مصر قبلة الفن والطرب وتجمع العرب على اللغة المصرية التى تعد من عناصر القوى الناعمة للدولة، لماذا هاجر المطربون المصريون إلى خارج الحدود بل ويتغنون بغير المصرية؟ ولماذا لم يأت الخليجيون والشوام والمغاربة إلى مصر كما تعود أسلافهم؟ أخيرًا: ما ذنب المصريين الذين كانوا السبب الأول فى شهرة هؤلاء الحناجر ورفع أجرهم إلى (الملايين) ثم يكون استعلاؤهم على جمهورهم بالغناء خارج الحدود؟، وفى النهاية وترك الساحة إلى المهرجانات التى تصيب بالاغتراب للأجيال الشابة ونفور وتحسر الكبار وتخلق فراغًا وجدانيًا، فضلًا عن رسائلها المسمومة التى تدعو إلى البطولة فى الخروج على القانون، وذيوع المفردات الساقطة، حتى إن ما كنا نخجل من التلفظ به أصبح مجالاً للغناء! ولأن نذر الشؤم قد لاحت إذ لم تكتف المهرجانات باحتلال وتغيب ساحات التكاتك (ألغام الجريمة فى الشارع المصرى) إلى أن غزت الميكروباصات وهوت بها من علياء مواويل الأغنية الشعبية، وليس على استحياء تستضيف برامج التسطيح بالفضائيات والمحطات الإذاعية من يلقبون بمطربى المهرجانات ويفردون لهم المساحات الزمنية لعرض بضاعتهم المخدرة على جمهور لا حول له ولا قوة، وعندما يحين الحساب لن يذكركم التاريح ويكفى انتقاما وعقابًا ألا يردد الجنود لكم كلمة.
كنا نتعلم فى المدارس أن مصر تمتاز وتتفوق بهبة من الله على غيرها بمناخ دافئ معتدل على مدار العام، فهل تغير المناخ وعكست الأرض دورانها؟! مصرالدافئة.. ماذا ألم بصوتك؟ هل تصحر الإبداع فجفت الحناجر إلا من نبات الشوك؟ أم تجمد الوجدان فتبلدت الألحان وماتت الكلمات؟!
أصبح المنقذ للأغنية الوطنية هو أن يؤلفها ويلحنها ويغنيها المقاتلون على الجبهة! كل التحية لمن أشجانا برائعة (المنسى بقى أسطورة) بعد أن تخلت حناجر الغناء الوطنى عن دورها وقت الحرب!




503 Service Unavailable

Service Unavailable

The server is temporarily unable to service your request due to maintenance downtime or capacity problems. Please try again later.

Additionally, a 503 Service Unavailable error was encountered while trying to use an ErrorDocument to handle the request.