رئيس التحرير
سيناريوهات مستقبل الأوضاع فى سوريا
By amrديسمبر 11, 2024, 18:51 م
410
فى مارس 2011 كان المتصفح لأطلس الخرائط الخاص بالمنطقة العربية يرى ألوان الدول الاثنين والعشرين كل منها يحمل لونًا واحدًا وفق الحدود الدولية الفاصلة بين الدول.
لم يكن أحد يدرك أن تلك المنطقة على موعد مع مشهدٍ مختلفٍ، متجهة نحو شكلٍ جديدٍ، تتغير فيه الألوان داخل الدولة الواحدة على صفحات الأطلس بعد سيطرة بعض الفصائل عليها، أو مناطق نفوذ عناصر الحرب بالوكالة عنها.
بل قد تشهد عملية تقسيم وفق عرقيات أو طوائف مذهبية، أو دينية، أو ولاءات سياسية، فتتغير حدودها وفق ما سُمى بخرائط الدم.
عقب الثورة السورية ضد نظام الأسد فى 2011 بدأ المشهد يتجه إلى ذلك المسار، وتحولت صورة الخريطة السورية عبر الشاشات الفضائية وصفحات الصحف والمواقع الإلكترونية ملونة بأكثر من لون.
13 عامًا مضت منذ بدء اشتعال الأزمة السورية وما بين هدوء وارتفاع درجة حرارة المواجهة بين المعارضة والنظام، ظلت سوريا واقعة تحت وطأة الأزمة التى راح ضحيتها ملايين السوريين ما بين لاجئين قُذِف بهم إلى البحر، وسكان خيام، ومناطق دمرتها آلة الحرب الغاشمة، وخلال هذا العام بدأت بشائر نحو عودة الهدوء إلى سوريا، وجرى الحديث عن حوار سياسي، لكن يبدو أنه كان الهدوء الذى يسبق العاصفة، لتعود سوريا من جديد تعلو فيها صافرات الإنذار وأصوات المدافع ودوى وأزيز الطائرات وطلقات الرصاص التى لا تفرّق بين المدنيين والعسكريين، إنما تستهدف إعلان سيطرة فصيل دون الآخر على المشهد ويبقى الوطن السورى جريحًا ينزف مزيدًا من الدماء من أجل وكلاء الحرب.
عادت العناصر الإرهابية إلى المشهد، كما عادت مجموعات الحرب بالوكالة بقوة، وفى المواجهة قوات النظام الذى لم يستوعب الدرس على مدى 13 عامًا.
عاد المصطلح الذى جاء على لسان جون كيري، وزير الخارجية الأمريكى الأسبق فى 2016 (المعارضة المعتدلة المسلحة)، عادت مجموعات المعارضة المسلحة تحمل فى طياتها التنظيمات الإرهابية الباحثة عن فرصة لكى تُبعث من جديد فى المنطقة، بعد أن دمرتها على مدى أكثر من 10 سنوات ما بين ثورات الربيع العربى بحسب وصف قناة الجزيرة لها، مرورًا بثورات الياسمين حتى وصلت عقب انتهائها أو الهدوء النسبى الذى حدث لها ليطلق عليها البعض بعد ذلك اسم الربيع العبرى (دليل على أن ما حدث لم يكن سوى استهداف لتدمير دول المنطقة لصالح إسرائيل).
عقب إعلان وقف إطلاق النار فى لبنان، كانت إشارة البداية لإعادة بعث التنظيمات الإرهابية من جديد تحت مسمى المعارضة المسلحة، وخلال عدة أيام استطاعت السيطرة على عدد من المحافظات والمناطق فى شمال وشرق سوريا.
أيام قليلة أعادت الألوان المختلفة إلى خريطة سوريا التى قضت سنوات بين مؤتمرات هنا وهناك بحثًا عن عودة الاستقرار إلى الوطن السوري، لكنها جميعًا لم تكن تستهدف استقرار سوريا لكنها كانت مؤتمرات لتقسيم النفوذ، ما بين روسيا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وقوى أخرى، وفى النهاية تأتى الدولة السورية التى أصبحت لا دولة.
يوم الأربعاء 27 نوفمبر الماضي، استيقظ الجميع على قيام مجموعة ممن يسمونهم المعارضة المسلحة بشن هجومٍ مباغتٍ ضد قوات الجيش السورى فى حلب وخلال ساعات قليلة سقطت “حلب” اتبعها بعد ذلك سقوط محافظة “إدلب”، ثم “حماة” التى سقطت قبل ساعات من نهاية الأسبوع الماضى لتسيطر المجموعات الإرهابية المدعومة من تركيا على شمال شرق سوريا ويعود إلى المشهد من جديد أصحاب العصابات الحمراء.
استطاعت قوات ما سُمى بالمعارضة المسلحة أن تسيطر حتى الآن على 40 ألف كيلو متر مربع أى 22% من إجمالى مساحة سوريا، بالتزامن مع استمرار تقدم قواتها فى شمال ووسط سوريا.
فى الوقت ذاته استمرت قوات ما يعرف باسم سوريا الديمقراطية (قسد) والمدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، تسيطر على شرق سوريا محافظات (الحسكة، الرقة، ودير الزور) وباقى قوات النظام تسيطر فقط على حمص وطرطوس واللاذقية ودمشق ودرعا؛ وسط تطور لعمليات المواجهة بين قوات النظام السورى والمعارضة المزعومة فى الشمال والشرق.
المشهد السورى يعيش أحداثًا متسارعة، ما بين قوى مؤيدة للنظام السورى وترفض سقوطه مُقدمة المزيد من الدعم العسكري، وقوى مؤيدة لما يسمى بالمعارضة المسلحة وتقدم لها دعمًا لوجيستيًا وماديًا واستخباراتيًا.
الآن تشهد سوريا أكبر مسرح عمليات للحرب بالوكالة، لكن المشهد ينذر بخطر محدق قد تتناثر آثاره لتصيب المنطقة من جديد.
أنجيليتا كاريدا، المديرة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى المجلس النرويجى للاجئين، قالت:
“إن التصعيد الأخير فى سوريا يهدد بجر البلاد إلى أحلك أيام هذا الصراع الذى دام قرابة 13 عامًا.
فتتزايد أعداد الضحايا المدنيين بسبب القصف والغارات الجوية، كما نزحت آلاف الأسر”.
“لقد تدهور الوضع الإنسانى بشكل كبير فى الأيام الأخيرة.
فى حلب، أفادت فرق المجلس النرويجى للاجئين بوجود نقص فى المواد الغذائية مع إغلاق المخابز والمحلات التجارية.
كما أدى الضرر الذى لحق بشبكات المياه إلى تقليص إمدادات المياه المنزلية، ومع احتياج ما يقرب من 17 مليون شخص بالفعل إلى المساعدات الإنسانية وآلاف النازحين مؤخرًا من لبنان، اضطر السوريون إلى التعامل مع ظروف اقتصادية بائسة، ومن شأن الصراع المفتوح أن يزيد من تآكل قدرتهم على إعالة أسرهم”.
إن الوضع فى سوريا ينذر بنزوح أكثر من 7 ملايين لاجئ سورى يندفعون إلى دول المنطقة فرارًا من الحرب.
وتكمل أنجيليتا كاريدا تصريحاتها قائلة: “لا ينبغى السماح للأحداث العنيفة الأخيرة بالتحول إلى فصلٍ مميت آخر فى هذا العقد من المعاناة.
تحمل السوريون سنوات من النزوح والألم والخسارة، وهم يتوقون إلى السلام ومستقبل أفضل وأكثر أمانًا لأطفالهم”.
لكن تعقيدات المشهد الحالى تجعلنا نراجع تفاصيله الدقيقة، فى ظل حديث متصاعد حول إمكانية تقسيم سوريا، وهو السيناريو المرسوم لها وفق ما سُمى بمشروع “حدود الدم” المستهدف إعادة تقسيم حدود الدول فى منطقة الشرق الأوسط.
فبزعم محاربة “داعش” بسطت قوات سوريا الديمقراطية نفوذها على 25% من مساحة سوريا، وحصلت على دعم مالى وعسكرى ضخم من واشنطن وفق شهادة الجنرال جوزيف إل فوتيل، رئيس القيادة المركزية الأمريكية وفق شهادته أمام الكونجرس الأمريكى عام 2018.
المواجهات العسكرية فى سوريا الآن بين النظام والمعارضة المسلحة، كشفت عودة التنظيمات الإرهابية للمشهد من جديد وبدعم من بعض القوى الدولية وبعض دول المنطقة.
لكن هل يدفع ذلك سوريا باتجاه التقسيم فى الوقت الحالى أو وقت قريب؟! لا أظن ذلك من الممكن أن يحدث لكنه ليس مستحيلاً ما لم تدرك القوى الدولية الدافعة بقوة نحو رفع درجة حرارة تلك المواجهة، والداعمة للعناصر الإرهابية أو ما تسميها بالمعارضة المسلحة، أنها لن تجنى من ذلك سوى المُر.
بالتأكيد سيكون الشعب السورى هو من سيدفع الثمن باهظًا، بدءًا من فقده لوطنه، وانتهاءً بحجم ضحايا لا نعرف إلى أين سيتوقف الرقم.
ووفق ما يجرى من مواجهات فى سوريا فهناك مجموعة من السيناريوهات المتوقعة فى ظل عودة أصحاب العصابات الحمراء (جبهة النصرة)، وهى من عناصر التنظيمات التكفيرية التى تم تدريبها للدفع بها فى توقيتات محددة من قِبل أجهزة استخبارات عدد من الدول، حيث انضمت إلى ما يُعرف باسم جبهة تحرير الشام، وقد استغلت تلك العناصر المسلحة سقوط حزب الله الداعم لنظام الأسد عقب المواجهات مع إسرائيل فى لبنان، وكذا انشغال إيران بتطورات الأوضاع الداخلية وتخوفها من الدخول فى مواجهة مباشرة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، وانشغال روسيا بالحرب الأوكرانية وزيادة الضغط التركى على نظام الأسد، فكانت الفرصة سانحة لاستعادة محاولة الانقضاض على سوريا وإسقاط الدولة الوطنية التى رغم جراحها إلا أنها لا تزال صامدة.
السيناريو الأول: أن تواصل قوات ما يعرف بالمعارضة المسلحة تقدمها فى مواجهة الجيش السورى باتجاه العاصمة، فى الوقت نفسه تواصل أيضًا عناصر هيئة تحرير الشام والتى يأتى ضمن عناصرها المسلحة عناصر جبهة النصرة (أصحاب العصابات الحمراء)، أيضًا الاتجاه نحو العاصمة، وبسقوط دمشق تحت سيطرة تلك العناصر يتم إسقاط النظام، وفى هذه الحالة سيكون اليوم التالى لهذا السيناريو هو تقاسم الغنائم بين الشركاء الذين سرعان ما يتحولون إلى فرقاء وتدخل سوريا فى حرب طاحنة لا تختلف كثيرًا عما عاشته خلال الفترة الماضية من الدمار والقتل.
السيناريو الثاني: توسع عناصر تحرير الشام وجبهة النصرة فى السيطرة على أراضٍ جديدة وصولاً إلى “حمص” وعند هذا الحد تكون لدى قوات تحرير الشام ما يقرب من 25% من الأراضى السورية هى الأغنى، فى ظل عدم وجود دعم حقيقى على الأرض للجيش السورى سوى التصريحات التى دفع بها حلفاء نظام الأسد وتأكيدهم على دعم النظام فى مواجهة التطورات الدراماتيكية فى المشهد السوري.
وبذلك يكون لدى جبهة تحرير الشام حال الحديث عن حل سياسى مناطق نفوذ تفرض سيطرتها عليها، ومن خلالها تكون نقطة انطلاق دائمة للعناصر التكفيرية فى المنطقة، ومركزًا لتدريب تلك العناصر ويمكن بها إعادة إحياء تنظيم داعش بقوة.
السيناريو الثالث: تقديم حلفاء النظام دعمًا عسكريًا فى مواجهة تلك التطورات لكن هذا السيناريو سيدفع بمزيد من السوريين للفرار من نيران تلك الحرب ويرفع عدد اللاجئين وهو ما قد ينذر بكارثة إنسانية إضافية فى ظل عدم التوصل إلى حل لوقف إطلاق النار فى الأراضى الفلسطينية واستمرار العربدة الإسرائيلية.
السيناريو الرابع: الاتجاه نحو تقسيم سوريا إلى ثلاث دول وهو السيناريو الأكثر إيلامًا والذى قد يدفع بالمنطقة إلى مشهدٍ جديدٍ، قد يطال دولاً أخرى فبدعوى تطلقها الإدارة الأمريكية الجديدة بضرورة وقف المواجهات العسكرية، يبدأ الحديث عن حلول سياسية مثل ما حدث فى 2017 لكن دون تنازل المعارضة عن أى من الأراضى التى سيطرت عليها، وبذلك تضمن واشنطن حليفًا قويًا فى تلك المنطقة صنعته على يديها (سوريا الديمقراطية).
كما تضمن تركيا أيضًا منطقة نفوذ جديدة، لكن ذلك السيناريو سيجد مقاومة من الحليف الروسى لنظام الأسد لما له من تأثير على منطقة نفوذه فى المياه الدافئة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
القاهرة والقضية الفلسطينية
استضافة مصر للنسخة الثانية من مؤتمر القاهرة الوزارى للاستجابة الإنسانية لقطاع غزة، جاءت تأكيدًا على حرصها المستمر على تحمل مسئولياتها تجاه القضايا العربية، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية التى تضطلع بدور تاريخى فى دعمها، ويؤكد أولوياتها فى التخفيف من حدة الأزمة الإنسانية فى القطاع، وجهودها المتواصلة من أجل إعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.