رئيس التحرير
باقون ولن نترك أرضنا
By amrأبريل 09, 2025, 17:47 م
290
«باقون هنا ولن نذهب لأي مكان، فلسطين راح تتحرر إذا بدكن وإذا ما بدكن»
«نحنا غزة وإذا بدك تهجَّرنا منها، بس بنطلع من بلادنا بتوابيت»
«أنا أكبر منك ومن حكومتك»
«نحن باقون ما بقي الزعتر والزيتون، المحتل إلى زوال وسنبقى على أرضنا»
كلمات عبّرت عن إرادة شعب صامد ويقين أمة قررت فكان قرارها جزءًا من عقيدتها الراسخة مهما حدث.
وقفت الطفلة ذات العشرة أعوام وهي تتحدث بصوتٍ مرتفع وتُشيح بيدها فى وجه جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين أحاطوا بها، فكانت كلماتها أقوى من رصاص الاحتلال، تقول لهم “باقون هنا ولن نذهب لأي مكان”.
وأكدها الشاب الفلسطيني ذو الـ ٣٠ ربيعًا، قائلاً «نحنا غزة وإذا بدك تهجرنا منها، بس بنطلع من بلادنا بتوابيت» رسالة واضحة قوية برفض التهجير.
أما السيدة الفلسطينية التي وقفت فى أحد شوارع القدس يحيط بها جنود الاحتلال فأشاحت بيدها فى وجوههم وبصوتٍ عالٍ قالت لهم: «أنا أكبر من حكومتك» إنها المرأة الفلسطينية التي تربى أبناءها على النضال والصمود لا يتزحزحون عن أرضهم، لم لا وهي من علَّقت فى عنق أبنائها مفاتيح بيوتهم، فى رمزية ذات دلالة قوية عن أن أبناء فلسطين لن يتركوا ديارهم فمفاتيح أبوابها معلقة فى أعناقهم حتى وإن هدمت البيوت، فيوما ما سيعيدون بناءها من جديد ويفتحون أبوابها.
وذلك الشيخ الفلسطيني الذي تحدث وهو يقف وسط آثار القصف والتدمير وركام المنازل المهدَّمة جراء القصف الإسرائيلي الوحشي، فجاءت كلماته بمثابة العهد الذي ارتبط بأبدية القضية.. قضية الأرض، قالها قوية «نحن باقون ما بقي الزعتر والزيتون» وكأنه يقسم على ذلك.

(1)
إنها رسالة الشعب الفلسطيني إلى العالم الذي فقد قدرته على القيام بمهامه، فمات ضميره أمام إرهاب دولة منظَّم، وأكبر عملية إبادة جماعية فى العصر الحديث، لتمثل أكبر جريمة حرب يشهدها العالم.
كانت رسالة الشعب الفلسطيني التي شاهدناها صباح يوم العيد، فى فيديو لم تتجاوز مدته 4 دقائق، ليأتي الرد من الشعب المصري عقب صلاة العيد وفى كل الساحات تؤكد دعم المصريين للشعب الفلسطيني ورفض التهجير وتصفية القضية، ومطالبة المجتمع الدولي بوقف العدوان الإسرائيلي.
العدوان الذي راح ضحيته أكثر من 50 ألفًا و423 شهيدًا وأكثر من 114 ألفًا و638 مصابًا منهم 1066 شهيدًا و2597 مصابًا خلال الفترة من 18 مارس الماضي وحتى الآن بحسب بيانات الهلال الأحمر الفلسطيني.
وأكدت مصر رفضها للعربدة الإسرائيلية فى الأراضي العربية محذرة من محاولات العبث بالمقدسات الإسلامية بالقدس، والذي يعد بمثابة إشعال فتيل نار لن يستطيع أحد أن يعلم مداها.
التحذيرات المصرية جاءت من واقع ثوابت ترتكز عليها مصر وهى ضرورة الحفاظ على السِّلم والأمن الدوليين فى المنطقة.
إن استمرار حالة التوتر وعدم الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط تؤثر على الأمن والسِّلم الدوليين.
كما أن مواصلة إسرائيل أعمال العدوان والعربدة فى الأراضي الفلسطينية والسورية فى ذات الوقت يعد انتهاكًا لسيادة الدول وهو ما يخالف القانون الدولي.
ففي الوقت الذي تحدثت فيه إدارة الرئيس الأمريكي عن السلام فى منطقة الشرق الأوسط وجدنا كل التصريحات الأمريكية والتصرفات وأحاديث المبعوثين لا تتخذ ذلك المسار منهجًا؛ بل تواصل المزيد من الدعم للمعتدي، وتعمل ليل نهار على المستوى اللوجيستي والاقتصادي والعسكري على تقديم مزيد من المساندة والدعم لحكومة نتنياهو المتطرفة، والتي لم تعمل من أجل السلام بل من أجل صناعة المزيد من الأزمات وعمليات الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني والتوسع على حساب أراضي الغير.
(2)
إن حديث الإدارة الأمريكية عن عملية عسكرية محتملة قد توجه للبرنامج النووي الإيراني فى الوقت الحالي، هو بمثابة دعم إضافى لإسرائيل، وتأكيد أن الإدارة الأمريكية الجديدة لم تتحرك باتجاه عملية سلام حقيقي فى منطقة الشرق الأوسط، إنما تستهدف خلق مزيد من بؤر التوتر فى منطقة غير مستقرة منذ 14 عامًا وحتى الآن.
لن يحدث استقرار فى منطقة الشرق الأوسط ما لم يكن هناك حل نهائي لعملية السلام بين فلسطين وإسرائيل، وعلى الأخيرة أن تدرك خطورة استمرار تلك الحرب التي لن تستطيع بها أن تحقق أمن إسرائيل كما يردد قادتها.
فاستمرار القصف وقتل المدنيين والعربدة واحتلال الأراضي الفلسطينية سيزيد من حالة الغضب التي لا يستطيع أحد أن يتوقع رد الفعل جراء تلك الاعتداءات من جانب الشعوب المعتدى عليها.
إن إدارة الرئيس ترامب وكما ذكرت فى مقال الأسبوع الماضي ينبغي عليها قراءة المشهد بشكلٍ صحيح لا أن تواصل دعمها لإسرائيل من جانب ومن جانب آخر تتحدث عن السلام.
فحالة التوتر الموجودة بالمنطقة كان أحد تداعياتها عدم استقرار جنوب البحر الأحمر، وهو ما أثر بشكل كبير على التجارة الدولية ما بين الشرق والغرب فى ظل الارتفاع المتزايد لأسعار النقل البحري نظرًا لزيادة مسافة النقل، وكذا ارتفاع تكلفة التأمين على الشحنات.
إن ما قام به ايتمار بن جفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف، من اقتحام للمسجد الأقصى وسط حراسة أمنية مشددة يرافقه عشرات المستعمرين على شكل مجموعات، من جهة باب المغاربة، وأدائهم لطقوس تلمودية عنصرية فى ساحات المسجد الأقصى، يعد انتهاكًا للقوانين الدولية التي تحمي المقدسات، ويمثل تصعيدًا خطيرًا واستفزازًا مرفوضًا وانتهاكًا لحرمة المسجد الأقصى، وللوضع التاريخي والقانوني القائم فيه.
فلا سيادة لإسرائيل على مدينة القدس المحتلة ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، فالمسجد الأقصى المبارك بكامل مساحته البالغة 144 دونم، هو مكان عبادة خالص للمسلمين، وأن إدارة أوقاف القدس وشئون المسجد الأقصى التابعة لوزارة الأوقاف والشئون والمقدسات الإسلامية الأردنية هي الجهة القانونية صاحبة الاختصاص الحصري بإدارة شئون الحرم القدسي الشريف وتنظيم الدخول إليه.
لقد حذَّرت مصر مرارًا من تكرار مثل تلك التصرفات الاستفزازية والمحاولات الإسرائيلية لخلق مزيد من الكراهية، وهو ما يجب على واشنطن إدراكه، وتنبيه الحكومة الإسرائيلية إلى خطورة ذلك المسار.
فإذا كانت تبتغي تحقيق السلام فلتوقف آلة الحرب ولتستجيب بشكلٍ حقيقي للمقترحات الخاصة بوقف إطلاق النار بشكل دائم، وتسهيل وصول المساعدات للفلسطينيين، وإعادة الإعمار للوصول إلى اتفاق سلام شامل يحقق الاستقرار للدولتين.
لقد حذرت مصر مرارًا من محاولات توسيع نطاق الأزمة، وهو ما لم تنتبه له الإدارة الأمريكية، كما حذرت من خطورة الاستمرار أو الحديث أو الدعم لمخطط التهجير للفلسطينيين، لأن التحرك بهذا الاتجاه سيحوّل المنطقة إلى كتلة من اللهب تمتد آثارها إلى العديد من الدول بل إلى الدول الكبرى.
أمن البحر الأحمر
فى 6 يناير 2020 تأسس مجلس الدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، ضم المجلس ثمانية دول (مصر، السعودية، الأردن، السودان، إريتريا، جيبوتي، اليمن والصومال) كتكتل إقليمي يتبنى رؤية للتعاون بين الدول الأعضاء، يتم من خلاله تعريف المصالح والتهديدات الجماعية، بما يضمن أفضل استجابة للتهديدات وأعظم استفادة من الفرص.
ودعمًا للآليات المشتركة لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي ومجابهة التحديات..
واستهدف المجلس:
تعزيز أمن الملاحة وحماية التجارة العالمية فى البحر الأحمر وخليج عدن.
التعاون السياسي والاقتصادي بين أعضاء المجلس.
تعزيز الأمن إقليميًا وعالميًا.
التنسيق والتشاور حول الممر المائي للبحر الأحمر وخليج عدن.
تأتي أهمية البحر الأحمر لكونه رابع أكثر الممرات المائية فى العالم ازدحامًا، فهو الرابط بين دول الخليج “منتجي النفط” والأسواق الأوروبية، فضلًا عن دوره فى الملاحة الدولية فإن اكتشافات الطاقة حديثًا فى حوض البحر الأحمر زاد أيضًا من الأهمية الاستراتيجية للمنطقة التي حظيت باهتمام الشركات العالمية العاملة فى التنقيب، ونظرًا للأهمية الاستراتيجية.
وقد باتت منطقة البحر الأحمر مسرحًا لجملة من التهديدات وتدخلات القوى الإقليمية والدولية التي يتزايد تنافسها فى هذه المنطقة، خاصة فى ظل التطورات السياسية والأزمات الإقليمية والدولية التي يشهدها العالم اليوم.
وقد حرص مجلس الدول المشاطئة على الحفاظ على أمن واستقرار البحر الأحمر، فى أبريل عام 2022 تأسست القوة المشتركة 153 والتي تضم قوات من 39 دولة، تستهدف مواجهة القرصنة وحفظ أمن الملاحة فى الخليج العربي وخليج عدن والبحر الأحمر، واتخذت تلك القوة مقرًا لها فى البحرين.
وقد حاولت القوى الكبرى استغلال حالة التوتر فى منطقة القرن الأفريقي واليمن لعسكرة جنوب البحر الأحمر، فى ظل صراع محتدم بين الصين والولايات المتحدة تم نقل جزء منه إلى البحر الأحمر.
وقد تولت القوات البحرية المصرية قيادة القوة المشتركة 153 فى ديسمبر عام 2022 لمدة عام وفق الآلية القانونية المُنظمة لعملها.
عملت تلك القوة على تأمين الملاحة الدولية فى البحر الأحمر ومواجهة أي أعمال خارجة عن القانون (القرصنة الاتجار فى البشر، تهديد الأمن والسلم الدوليين الأعمال الإرهابية) ورغم قيام تلك القوة بمهامها ونجاحها فى تأمين الملاحة البحرية جنوب البحر الأحمر، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية وقبل تصاعد الأحداث فى الأراضي الفلسطينية المحتلة قامت بزيادة قدرات ما أسمته استطلاع المخاطر، فى الخليج العربي فزادت من حجم القوة العسكرية أيضًا فى البحر الأحمر، متخذة من العمليات التي قام بها الحوثيون زريعة لزيادة القوة العسكرية جنوب البحر الأحمر، ففي ديسمبر 2023 أسست ما أسمته «حارس الازدهار» وهو قوة دولية جديدة تم الدفع بها لجنوب البحر الأحمر، وهو ما خلق تأثيرًا سلبيًا على حركة التجارة، نظرًا لأن مثل تلك الإجراءات تجعل شركات النقل البحري ووكالات التأمين على السفن تعتبر تلك المنطقة منطقة خطر.
فرغم أن الولايات المتحدة عضو فى القوة المشتركة 153 إلا أنها أنشأت تلك القوة تحت زعم مواجهة تهديدات الحوثيين، وهي فى الحقيقة مزيد من العسكرة لجنوب البحر الأحمر.
وقد أكدت الدكتورة نورا علي معروف، الباحثة فى الشئون الأفريقية، أن هناك تهديدًا قويًا وواضحًا لأمن البحر الأحمر من قِبل الأطراف الإقليمية غير العربية والدولية، لذا ينبغي عند صياغة تصور استراتيجي عربي لحماية أمن البلدان العربية المطلة على البحر الأحمر، وتأمين الملاحة فيه، وتحقيق التعاون والاستثمار المشترك لثروات هذا الممر المائي وفق مشروع عربي متكامل، تتقاطع حوله الأبعاد السياسية والأمنية والاقتصادية، يجب أن ينطلق هذا المشروع من الدائرة الوطنية لكل دولة ومن دائرة التعاون الثنائي، وكذلك من دائرة المشروع الوحدوي للدول المشاطئة ضمن أبعاده العربية والإقليمية، وذلك فى المجالات العسكرية، والأمنية، والسياسية، والاقتصادية، والبيئية.