تقاريرمصر
العيد في النوبة شكل تاني
By m kamalأبريل 03, 2025, 13:55 م
304
منى زكريا
بـ الجلاليب البيضاء و«الجرجار» وطلاء البيوت
تلوح أيام العيد، عندما تلوح مظاهرها اعتبارا من الأسبوع الأخير من شهر مبارك، وأنت ترى معظم الشرفات نشرت الستائر والسجاجيد المغسولة، وعبقت رائحة خبز الكحك والبسكويت الأجواء فى كل مكان، وازدحمت الشوارع التجارية بالأمهات والأطفال يشترون الملابس الجديدة احتفاء بقدوم العيد.
وتتشابه تلك المظاهر فى كل محافظات مصر تقريبا، إلا فى النوبة، فالاحتفال بالعيد فيها يختلف عن الاحتفال به فى أى مكان خارجها.
طلاء ورسم
وتبدأ مرحلة الاستعداد لاستقبال أول أيام عيد الفطر المبارك فى النوبة بحسب محمد أبو شنب الباحث فى الثقافة النوبية، بتجديد كل شيء من ملبس ومسكن، حيث يقوم الشباب، وخاصة من يتمتعون بفن الرسم والتخطيط، بطلاء جدران البيوت والمضيفة – وهو عبارة مكان فسيح، يتسع عدد كبير من أبناء القرية فى مختلف المناسبات الاجتماعية، الحزينة منها والسعيدة – من الداخل والخارج بألوان جذابة مستوحاة من طبيعة البيئة المحيطة (كاللون الأحمر المستمد من الجبال، والأزرق المستمد من النيل، والأخضر من النخيل، والأصفر من الرمال).
كحك وبسكويت
ويتولى آخرون مهمة أخرى تتمثل فى تنظيف شوارع القرية بأكملها من المخلفات والقمامة إن وجدت، أما السيدات فيقمن بتجهيز ما لذ وطاب من المخبوزات والأطعمة، وخاصة المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بهذه المناسبة السعيدة (كالبسكويت، والكحك، والشعرية) وغيرها من الحلويات، بحيث تقدم مثل هذه الأنواع من الأطعمة للضيوف أثناء الزيارة خلال أيام العيد.
ويستعد الشباب من الذكور والإناث للعيد، كما ذكر «أبو شنب»، بشراء الأقمشة الجديدة لتفصيل أبرز الأزياء التقليدية السائدة فى منطقة النوبة (كالجلاليب البيضاء التى يرتديها الرجال والشباب، والجرجار الأسمر الذى ترتديه الفتيات والنساء)، أما الأطفال الصغار فيتم شراء معظم ملابسهم جاهزة.
الجرجار تراث
و«الجرجار» واحد من أبرز أزياء النساء التقليدية استخدامًا وانتشارًا فى مختلف مناطق النوبة عمومًا فى مصر والسودان، ويتسم “الجرجار” بلونه الأسود، واعتادت المرآة النوبية، ارتداءه بشكل دائم، خاصة أثناء الاحتفالات والمناسبات، لذا حافظت عليه من حيث طريقة تصميمه ولونه، باعتباره رمزًا اجتماعيًا ثقافيًا خاصًا مميزًا، جزءًا أساسيًا لا يتجزأ من تراث النوبة الإنسانى الثقافى.
وفى الليلة الأخيرة من شهر رمضان، وبعد أداء صلاة العشاء والتراويح، تزداد جلسات الونسة والسمر بين الجميع من أبناء النوبة – رجالًا ونساء – لحين موعد آذان الفجر، وبمجرد سماع الآذان، يذهب الجميع من الرجال والشباب إلى الساحات الخالية التى توجد فى نهاية معظم القرى النوبية لأداء صلاة الفجر، وبعدها تبدأ شعائر صلاة العيد، وبعد الانتهاء من شعائر تلك الصلاة، يبدأ الجميع فى تهنئة بعضهم بعضا بتلك العبارة (كوريج أنجا ناليه) بمعنى عيد سعيد عليكم، ليكون الرد عليها (إيكون آنجا ناليه) بمعنى عيد سعيد عليك وأنت طيب وبخير).
مجموعات التهنئة
وتظل التهانى بالعيد متداولة بين الجميع، رجالًا ونساء، ثم يتجه الجميع على هيئة مجموعات لتهنئة الأهل والأقارب والأصدقاء، اعتبارًا من البيت الأول بعد هذه الساحة حتى آخر بيت فى القرية، وكأنهم أسرة واحدة والجميع أبنائها. أثناء الزيارة، يقدم أهل البيت «واجب الضيافة»، والمتمثل فى البسكويت، والكحك مع الشاى بالحليب الذى يعد عادة أساسية من عادات النوبيين فى النهار، كما تقدم أيضا أطباق ذرة الفشار، والفول السوداني، والبلح، ثم تنتقل كل مجموعة بعد التهنئة من بيت إلى آخر، حتى تصل إلى نهاية القرية التى يقيمون فيها، وبعدها يذهب كل منهم إلى بيته لاستقبال الضيوف، ويقدم لهم ما قدم له واجب الضيافة.
إفطار جماعي
وعندما يحل موعد الإفطار الجماعي، تقدم الموائد وعليها ما لذ وطاب من الأطعمة الشعبية ذات الطابع النوبى المميز، ومن أبرز هذه الأطعمة (الشعرية باللبن، والمديدة، والعصيدة) وغيرها من المأكولات الأخرى.
وفى المساء، تقام جلسات الونسة وحلقات السمر المصاحبة للأغانى والرقصات التقليدية النوبية باستخدام بعض الأدوات الموسيقية (كالطنابير الوترية والدفوف الإيقاعية)، وأبرز تلك الرقصات رقصة «الهوسيت» وتعنى «الاستعداد»، وهى رقصة شعبية يؤديها الرجال وفقًا لقواعد وضوابط محكمة، سواء للحرب أو للقتال أو للمبارزة، على اعتبار أن كلمة الرقص تعنى التعبير عن النشاط الإنسانى من خلال الحركة الجسدية، وهى ضمن رقصات أجمالا تؤدى تعبيرًا عن مشاعر الفرح والسرور التى تسود قلوب العامة فى مثل هذه الأيام المباركة، وتقدم فى هذه الجلسات أطباق الحلويات ومشروب الجبنة المفضل، وتظل هذه المراسم الاحتفالية هكذا طوال أيام العيد.
زيارة المقابر
فى اليوم الثالث والأخير من أيام عيد الفطر المبارك، كما شرح لنا محمد أبو شنب، يتوجه الجميع لزيارة المقابر، وهناك تقرأ الفاتحة وبعض الآيات القرآنية والتسابيح على أرواح الموتى، وقبل الإنصراف يتم توزيع الصدقات، ورش القليل من الماء على القبور، ووضع بعض الحبوب (كبذور القمح والأرز والذرة) للطيور، بالاضافة إلى وضع جريد النخيل الأخضر، وبعدها يتوجه الرجال إلى المضيفة أو الخيمة الموجوده بكل قرية من قرى النوبة.