https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

يا «ابن الخطاب.. أعزيك» (١ من ٢)

58

بقلم: د. مجدي العفيفي

مهاد…

يا ابن الخطاب… أعزيك، لا أعزيك على موتك، ولا على رحيلك الزمني عن هذه الأرض، بل أعزيك على الأمة التي لم تستطع بعد أن تصنع منك مؤسسة حية، أن تجعل قيمك تتجسد في حياتها اليومية، أن تطبق عدلك، نزاهتك، بساطتك، وحضورك الأخلاقي بين الناس. أعزيك لأننا ما زلنا نرفع صورتك على المنابر، ونردد سيرتك في الكتب والمجالس، وكأن هذا يكفي، بينما العدالة التي علمتنا إياها، المسؤولية التي جسدتها، النزاهة التي عشقتها، لم تتغلغل بعد في مجتمعنا، ولم تتحول إلى ممارسة واقعية يلمسها كل إنسان.

أعزيك لأننا نعيش بين ازدواجية الشخصية: نمد يدًا لحق، ونغض الطرف عن ظلم، نعلن الولاء للقيم، ونتخلى عنها عندما تصطدم بمصالحنا الشخصية، نرتدي شعاراتك، ونترك أفعالنا تُخالف مبادئك. أعزيك لأننا رغم كل الكتب والمحاضرات، لم نصنع نموذجًا حيًا من العدالة والفعل الصادق كما كنت أنت.

وأعزيك… لأنني أدرك أن الرسالة الحقيقية لم تزل حيّة في داخلي، وأن كل درس تعلمته منك لم يكن مجرد حكاية تاريخية، بل خارطة طريق للعيش والقيادة الإنسانية والأخلاقية، وأن كل لحظة من حياتي اليومية هي اختبار لتطبيق مبادئك، وللأسف، غالبًا أجد نفسي مقصرًا أمامها.

أعزيك، يا ابن الخطاب، لكنني في ذات الوقت أشعر بالامتنان العميق، لأنك تركّت لنا مثالًا حيًا، مرآة للنفس، وجسرًا بين الحق والواقع، بين الإنسان ومجتمعه، بين الإرادة الفردية والمسؤولية الجماعية. أعزيك، وأتمنى أن أستطيع أن أكون، ولو جزءًا صغيرًا، امتدادًا لعدلك، نموذجًا لصدقك، حاملاً لبساطتك، حاميًا لمسؤوليتك.

  ١-) الكمال الإنساني)..

علمني  عمر بن الخطاب ..  أن الكمال الإنساني ليس خلو النفس من الخطأ، بل القدرة على السير بثبات، على قدمين صافيتين، متوازنات بين الحق والواجب، بين النفس والمجتمع. رأيتك تتفقد الأسواق بنفسك، تتحقق من الأسعار والمعايير، تتحدث مع الناس من مختلف الطبقات، وتراقب المسؤولين عن المشاريع العامة. شعرت أن الكمال ينبع من الفعل، من الحضور الواقعي في تفاصيل حياة الناس اليومية، لا من مجرد شعارات أو أقوال على المنابر.

 2 – العدل اليومي.. علمني  عمر بن الخطاب ..  أن العدل واجب يومي، وأن أي تقصير فيه ولو لحظة صغيرة هو خيانة للنفس وللمجتمع. رأيتك تستمع لرجل فقير يشكو مسؤولًا ظالمًا، ثم توجه بالتحقيق والتصرف بحزم، دون محاباة لأحد، وعرفت أن العدل الحقيقي هو وجود الحق في كل لحظة، حتى لو لم يره أحد سوى الله.

3-  سؤال الروح..

علمني  عمر بن الخطاب ..  أن أسأل نفسي دائمًا: «ماذا سأقول لربي غدًا إذا أتيته؟»، وأن هذه الكلمات الست تفتح العيون والقلوب وتعيد ترتيب حياتي في كل لحظة. شاهدتك تمشي ليلاً في الأزقة، تسمع شكوى المساكين، تتحقق من الظلم، وتعيد الحق لأصحابه، وعرفت أن المسؤولية لا تتجزأ، وأن كل لحظة حياة هي امتحان أخلاقي.

4-  ضبط النفس والحرية..

علمني  عمر بن الخطاب ..  أن ضبط النفس أساس الحرية، وأن الإنسان الحر هو من يحكم نفسه قبل أن يحكم العالم. رأيت رجلاً يأكل اللحوم يومًا، والحلويات يومًا آخر، وقالت لي روحك: «أكلما اشتهيت اشتريت؟»، فشعرت أن كل رغبة بلا ضبط هي عبء، وأن الإنسان الحر هو من يسيطر على نفسه ورغباته قبل أن يتركها تتحكم فيه.

5-  العظمة في البساطة..

علمني عمر بن الخطاب ..  أن العظمة تكمن في البساطة، وأن السعادة الحقيقية ليست في أن تكون فوق الناس، بل في أن تكون بينهم، تشاركهم لحظاتهم، تفهم حاجاتهم، وتكون قريبًا منهم بصدق ومحبة. رأيتك تجلس على الأرض مع الفقراء، تأكل معهم، تستمع لهم، تحل مشاكلهم، وعرفت أن العظمة الحقيقية تكمن في أن تعيش مع الناس لا فوقهم، وأن تشعر بمعاناتهم قبل أن تقرر مصائرهم.

 6 – المسؤولية الكاملة…

علمني  عمر بن الخطاب ..  أن المسؤولية لا تتجزأ، وأن أي دور أقوم به يجب أن أتحمله بكل عزيمة وقوة، كما يتحمل المرسلون أمانتهم. رأيتك تتخذ قرارات صعبة دون تردد، وتتابع تنفيذها شخصيًا، وعرفت أن القيادة ليست سلطة فحسب، بل امتحان يومي لا ينتهي، ومسؤولية أخلاقية روحية قبل كل شيء.

 7 – الزهو والمال….

علمني  عمر بن الخطاب ..  أن الزهو بالمال أو المنصب يخدع الإنسان ويثقل قلبه، وأن البساطة تكشف الحقيقة. رأيتك تتنقل بين المنازل، تحل شكاوى الناس، وتراقب المشاريع العامة بنفسك، دون أي تكلف أو مظهر، وعرفت أن القوة الحقيقية تكمن في الصدق والبساطة، وليس في مظاهر الزهو أو التفاخر بالمكانة.

8-  همسة المظلوم…

علمني  عمر بن الخطاب ..  أن أحس بآهة المظلوم وهمهمة صاحب الحق الضائع، وأن العدالة ليست شعارات تُرفع، بل شعور حيّ يتدفق في القلب ويترجم في الأفعال اليومية. رأيتك تتحقق من صناديق الفقراء، تسأل هل وصل المال لمن يحتاجه، وكيف تُوزع المساعدات على الجميع بعدالة، وعرفت أن غنى الإنسان الحقيقي هو غنى القلب قبل المال.

9-  المؤمن أمير نفسه…

 علمني  عمر بن الخطاب ..  أن المؤمن الحقيقي هو أمير نفسه، قائدًا للحق، خادمًا للعدل، متواضعًا في قلبه، قويًا في عزيمته. رأيتك، يا عمر، في الأسواق بين الناس، تشرف على الصفقات، تسأل عن حقوق الفقراء، تراقب المال العام، وتحقق العدالة بنفسك، وعرفت أن القيادة الحقيقية ليست في المنصب، بل في القلب والضمير والعمل اليومي.

 10 – الالتزام المستمر…

علمني  عمر بن الخطاب ..  أن الإنسان يجب أن يعيش بسلوك مستمر متسق مع القيم، لا مجرد كلمات على الورق، وأن كل ممارسة صغيرة أو كبيرة تعكس من نحن حقًا. رأيتك تتحقق من كل مظلمة، تصغي للصغير قبل الكبير، وتعطي كل فرد حقه دون تمييز، وعرفت أن الكرامة تُصنع بالعمل اليومي الصادق، لا بالمظاهر أو بالظهور على المنابر.

 11 – الشجاعة في اتخاذ القرار…

 علمني  عمر بن الخطاب ..  أن القرارات الصعبة يجب أن تُتخذ بشجاعة، حتى لو خالفت رغبات الناس أو مصالحهم الشخصية، وأن الحزم في الحق هو علامة على قوة النفس، لا قسوة القلب. رأيتك تهدئ النفوس المضطربة بالكلمة العادلة قبل السيف، وعرفت أن القوة الحقيقية تأتي من العدالة والحق، لا من التهديد والسيطرة. في إحدى الليالي، كنت أسمع عن نزاع بين قبيلتين، ووجدت في سيرة الفاروق كيف جلس بينهم حتى منتصف الليل يسمع الشكوى، ويوازن الحق مع الواجب، فاستقر السلام بفضل عدلك فقط، دون حرب أو عنف.

12 – العلم والفعل

 علمني  عمر بن الخطاب ..  أن العلم والمعرفة لا يكفيان إذا لم يترجما إلى فعل، وأن الفكر دون تطبيق هو مجرد فكرة عائمة في الهواء، بلا جذور في الواقع. رأيتك تتحقق من الأسواق والمعايير، وتراقب الأسعار، وتسأل عن حاجة الناس، وعرفت أن التطبيق العملي هو أثمن درجات الفهم، وأن العلم الحقيقي هو معرفة كيف يعيش الناس، وكيف تؤثر القرارات عليهم. في كل سوق، كنت تعلم التجار الصدق قبل الربح، وتزرع في النفوس احترام العدل، وعرفت أن المعرفة إذا لم تلتق بالعمل فهي فارغة.

13 – الكرامة الحقيقية

 علمني  عمر بن الخطاب ..  أن لكل إنسان مكانه، وأن الكرامة الحقيقية لا تُمنح بالقوة أو المال، بل بالعدل والإنصاف. رأيت كيف كنت تُعامل الناس على اختلاف طبقاتهم ومواقعهم، وكيف كنت تُقدّم العدالة للفقير قبل الغني، للصغير قبل الكبير، وعرفت أن الكرامة تُصنع بالعمل اليومي الصادق، لا بالمظاهر أو الثراء الظاهر. شاهدت كيف كنت تصف المعاملة بالمثل، وتحث الناس على احترام حقوق بعضهم البعض، وعرفت أن العدالة تصنع مجتمعًا متينًا أكثر من أي قانون مكتوب.

14-  المسؤولية الفردية والمجتمعية

 علمني  عمر بن الخطاب ..  أن الحياة ليست مجرد نجاح شخصي، بل مسؤولية مستمرة تجاه الآخرين، وأن كل لحظة يمكن أن تكون فرصة لتغيير حياة شخص، لتخفيف ألم، لتقديم حق، أو لنشر عدل. شعرت أن هذه الدروس أصبحت جزءًا من كياني، جزءًا من طريقة تفكيري، وأن كل يوم هو امتحان لي في تطبيقها. في أحد الأيام، رأيتك توجه موظفًا إلى حل نزاع بسيط كان يمكن أن يجر المجتمع كله إلى الخلاف، وعرفت أن العدل اليومي الصغير أهم من الشعارات الكبيرة.

وللسردية بقية،،،،