الرئيسية رئيس التحرير بعد دخوله حيز التنفيذ..اتفاق وقف إطلاق النار فى لبنان ومستقبل القضية الفلسطينية
رئيس التحرير
بعد دخوله حيز التنفيذ..اتفاق وقف إطلاق النار فى لبنان ومستقبل القضية الفلسطينية
By amrديسمبر 01, 2024, 18:09 م
422
تتسارع الأحداث فى المنطقة وترتفع وتيرتها بعد دخول قرار وقف إطلاق النار فى لبنان الأربعاء الماضي حيز التنفيذ، فما بين الترقب الحذِر والتفاؤل الذي يطلق البعض له العنان أملاً فى أن يعود الهدوء للمنطقة، بعد أن ألهبتها نيران حرب الإبادة والعربدة الإسرائيلية على مدى أكثر من 13 شهرًا، لا تزال المنطقة حُبلى بالأحداث خاصة أن مشروع التقسيم لم يغلق بابه بعد، بل إن كل أدواته لا تزال تتحرك بقوة من أجل تحويله إلى واقع.
فباقات الورود والياسمين التي كانت فى استقبال الجيش اللبناني بالجنوب لا شك أنها تُشعرك بحجم الطمأنينة التي ملأت قلوب أبناء الشعب اللبناني الباحث عن الاستقرار والأمن والعودة إلى الديار.
الفرحة التي علت وجوه المواطنين اللبنانيين فى الجنوب وهم مصطفون على جانبي الطريق أمام حاملات الجند والمدرعات، تؤكد أن ارتباط الشعوب بجيوشها الوطنية يأتي من منطلق إيمانها الراسخ بأنها الملاذ الآمن للحفاظ على الأوطان.
جاء القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن عام 2006 بمثابة نقطة الارتكاز التي بنى عليها وقف إطلاق النار فى جنوب لبنان لمدة 60 يومًا، والتي يتوقع البعض أنه قد يكون ممتدًا فى ظل تحقيق إسرائيل لهدفها الاستراتيجي فى تلك الحرب.
فحزب الله لم يعد يمثل تهديدًا لإسرائيل بعد أن فقَد العديد من قياداته خاصة الصف الأول والثاني والثالث، بالإضافة إلى تدمير بنيته التحتية بالكامل والتي كانت إسرائيل تعتبرها تهديدًا مباشرًا لشمالها.
(1)
لكن هل هذا كل ما تحتاج إليه إسرائيل؟! أم أن الأمر لا يزال يحمل أحداثًا أخرى قد نرى آثارها فى القريب؟!
بالتأكيد جميعنا قلق حول مستقبل هدنة وقف إطلاق النار فى لبنان، فالتاريخ يحمل الكثير من الخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار، أو الالتزام بالاتفاقيات، وهو ما جعل حالة الترقب والقلق من حدوث ذلك تسيطر على البعض.
كما أن المنطقة تعيش مزيدًا من التوترات وسط توقعات بمزيد من التوتر عقب العشرين من يناير المقبل.
الأمر الذي دعاني لسؤال الفريق أسامة المندوه خلال لقاء جمعني معه الأسبوع الماضي عن مستقبل قرار وقف إطلاق النار فى لبنان؛ وهل من الممكن أن يكون له أثر إيجابي يجعلنا نشهد وقفًا لإطلاق النار فى الأراضي الفلسطينية؟!
رد قائلاً: كان من المهم لدى إسرائيل ألا يكون هناك تواجد عسكري لحزب الله فى منطقة جنوب نهر الليطاني، ثم صوّر بيديه شكل الخريطة فى المنطقة الحدودية لجنوب لبنان والفاصلة بين جنوب الليطاني وخط الحدود الدولية والتي يبلغ عمقها شمال «أصبع الجليل» 10 كيلو مترات، أما عمقها بعد ذلك فهو 40 كم، وهو ما تحتاج إسرائيل أن تكون تلك المنطقة آمنة بالنسبة لها ومَن يتواجد فيها لا يمثل خطرًا أو تهديدًا عليها، وهو ما قام به حزب الله فى بداية عام 2006 إلا أن الأوضاع سرعان ما تغيرت، وهو ما تم بالفعل بحسب اتفاق الهدنة حيث أعيد انتشار الجيش اللبناني فى جنوب نهر الليطاني مما يحقق الأمن لإسرائيل بمنطقة جنوب نهر الليطاني.
لم يعد فى تلك المنطقة حزب الله ولا أسلحة تهدد إسرائيل بات فيها حارس وهو الجيش اللبناني، وإسرائيل كانت حريصة على ذلك دائمًا أن يكون فى تلك المنطقة موالٍ وليس مهددًا لأمنها، لكن إيران وظفت حزب الله ليخدم استراتيجيتها، عندها تحوّل إلى تهديد.
ويستكمل الفريق أسامة المندوه متسائلاً: هل هذه الحرب حقق فيها نتنياهو انتصارًا مطلقًا؟!.. لا لم يتحقق فيها لنتنياهو انتصار مطلق لأنه ليس هناك انتصار مطلق، لكن حقق كل ما كان يستهدفه بإخراج حزب الله من تلك المنطقة وعدم وجود أسلحة وعناصر تهدده، ووجود رقابة أمريكية فرنسية، كما أن له الحق فى حالة أي خطر التدخل بحسب الاتفاق.
لكن تحقيق هذا كان بثمن خسائر بشرية واقتصادية.. صحيح هذه الخسائر أقل من ٢٠٠٦، لأنه وعى الدرس مما حدث فى حرب ٢٠٠٦ لأنه لم يدخل بالدبابات بل دخل بعناصر وعمليات خاطفة، وضربات جوية.
دمر القرى والأنفاق التي تكلم عنها فى تصريحاته بأنها تمثل خطرًا، وكانت تكلفة خسائره ٢٪ من الناتج القومي الإسرائيلي وهذا رقم كبير.
أما حزب الله فهذه هزيمة شبه مطلقة، قارن بين موقف حزب الله فى أكتوبر 2023 كانت لديه قوات فى الجنوب تستطيع تهديد إسرائيل، كان هو المتحكم فى الخريطة السياسية فى لبنان، كان لديه قيادة متمثلة فى حسن نصر الله.
فى أكتوبر 2023 كان لدى حزب الله حاضنة لبنانية تساعده، أما اليوم فلم يعد يستطيع أن يتحدث عن مقاومة مسلحة وهو ما جاء فى كلمة نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني، الأربعاء، عندما قال “أوجه التحية لشهيد الأمة السيد حسن نصر الله الذي حملني أمانة المقاومة السياسية”؛ وهو ما يعني أن المقاومة المسلحة انتهت ولم يعد حزب الله له سيطرة على شعب لبنان.
ولم يعد للحزب قدرة على التحكم فى المناصب والقيادات السياسية بعد أن قتلت كل الشخصيات الذين كانوا يسيطرون ويخيفون اللبنانيين.
سألت الفريق أسامة، هل ستساعد إيران حزب الله وتقويه مرة أخرى؟! فكان الرد قاطعًا.. هذا صعب لأن عندها ما يكفيها وحزب الله بات تجربة فاشلة.
أما بشأن الاتفاق سيستمر أو لا فهذا متوقف على سلوك الطرفين.
لكن إسرائيل طول ما طلباتها متنفذة تفضل ملتزمة وهو مدى ٦٠ يوم اختبار أعتقد أن لبنان ستنفذ الاتفاق.
وحول إمكانية أن يجد نتنياهو زريعة لعودة الحرب على جنوب لبنان؟!
رد الفريق أسامة قائلاً: هو ما صدق يخلع (يقصد نتنياهو) فهو لديه منهج، وبالتالي سيركز على غزة هو يريد إسكات الجبهة اللبنانية، حتى لا تمثل له خطرًا مرة أخرى ونجح فى ذلك، بعد هذا يركز على فلسطين.
كما نجحت إسرائيل فى فصل حزب الله عن غزة بقي لها جبهتان الحوثيين والعراق والثانية ستكون الخطوة القادمة.
فالعراق لن تكلفه سوى عدة أيام قليلة، فلديه الطيران، ولديه الأسلحة بالإضافة إلى حليفه الاستراتيجي الولايات المتحدة الأمريكية.
فإذا لم تقم الحكومة العراقية بضبط إيقاع الفصائل فستقوم إسرائيل ببعض العمليات باتجاهها.
لكن إسرائيل تترك حاليًا مهمة العراق للأمريكان فهناك اتفاقيات بين الدولتين.
أما بشأن الحوثيين وتوجيه إسرائيل لضربات إليهم فهذه هي الجبهة القادمة بالفعل وسوف تعمل إسرائيل عليها خلال الفترة القادمة.
ثم اختتم الفريق أسامة المندوه رؤيته للأحداث فى المنطقة قائلاً: “الوضع بالنسبة للقضية الفلسطينية صعب والمنطقة باتت تعيش ظروفًا صعبة للغاية”.
(2)
إن تطورات الأوضاع رغم التوصل إلى قرار وقف لإطلاق النار فى لبنان وإن كان بداية نقطة ضوء فى محيط مظلم، إلا أن ما تعمل عليه إسرائيل لا يدل على إمكانية اتساع نقطة الضوء تلك باتجاه الوضع فى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فقد أعلنت واشنطن فى ذات اليوم على لسان أحد المسئولين أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تمضي قدمًا فى حزمة مبيعات أسلحة بقيمة 680 مليون دولار لإسرائيل.
وبحسب صحيفة “فايننشيال تايمز البريطانية” فإن مسئولين أمريكيين أبلغوا الكونجرس مؤخرًا بشأن هذه الخطة التي شملت تزويد إسرائيل بآلاف “الذخائر الهجومية” المعروفة باسم Jdams (ذخائر الهجوم المباشر المشترك Joint Direct Attack Munition) والموجهة عبر الأقمار الصناعية، فضلاً عن مئات القنابل الصغيرة.
وذكرت الصحيفة أن هذه الشحنة الجديدة كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد ذكرها كأحد أسباب دعم وقف إطلاق النار مع “حزب الله” فى لبنان.
وأضاف المسئول الأمريكي أن الصفقة تم عرضها لأول مرة على لجان الكونجرس فى سبتمبر الماضي، ثم تم تقديمها للمراجعة فى أكتوبر الماضي.
وتأتي الحزمة الجديدة بعد الموافقة على بيع طائرات مقاتلة ومعدات عسكرية أخرى لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار فى أغسطس.
وكان الكونجرس الأمريكي قد مرر فى أبريل الماضي
26 مليار دولار كمساعدات إضافية لإسرائيل، وهو ما يزيد من المساعدات العسكرية السنوية التي تقدمها الولايات المتحدة لتل أبيب، والبالغة 3.8 مليار دولار.
فى الوقت ذاته واصلت إسرائيل عملها على تثبيت عملية قسم قطاع غزة إلى جزئين، وهو ما يؤكد أن الحديث عن وقف إطلاق النار فى الأراضي المحتلة لن يكون قريبًا، كما أن بن غفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي، ذلك الإرهابي يواصل دعوته لما أسماه “إعادة تشجيع الهجرة الطوعية إلى غزة” جاء ذلك خلال حفل وضع حجر الأساس لمركز شرطة سديروت الجديد.
إنها فصول عملية تفريغ للأراضي الفلسطينية من أبنائها والدفع بالمستوطنين إلى تلك الأرض.
إن مخطط تقسيم القطاع إلى نصفين لن يتوقف عند هذا الحد بل سيتبعه أكبر عملية تغيير ديموجرافى، وهو ما سيدفع بالمنطقة إلى مزيد من التوتر.
إن التوسع الإسرائيلي على حساب الأراضي الفلسطينية واستخدام سياسة الإبادة الجماعية والتجويع ضد الشعب الفلسطيني وسط عجز العالم لن تكون عواقبه تشمل المنطقة فقط بل ستمتد إلى مناطق أخرى.
لقد قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بتمهيد محور” نيتزر”، الذي يقسّم قطاع غزة إلى قسمين ويمنع حركة المرور من جنوب القطاع إلى الشمال، بالإضافة إلى توسعة المحور، فتم بناؤه بحيث يصل عرضه إلى ثمانية كيلومترات لمنع نيران القناصة أو النيران المضادة للدبابات على القوات العاملة فى المحور.
كما بدأ جيش الاحتلال مؤخرًا بإنشاء بنية تحتية فى محور “نيتزر” ويبدو أن إسرائيل تعمل على تواجد طويل الأمد لقوات جيشها فى المحور، فإلى جانب بناء الطريق الرئيسي، أنشأ الجيش الإسرائيلي عددًا من البؤر الاستيطانية، وتم مد خطوط مياه وخطوط وقود إليها، إلى جانب بناء بنية تحتية للطاقة الشمسية.
مستقبل المنطقة بات مرهونًا بأهمية التوصل إلى وقف لإطلاق النار فى الأراضي الفلسطينية المحتلة وإعادة عملية السلام إلى مسارها الصحيح.
لقد آن للمتحدثين عن حقوق الإنسان حول العالم من منظمات ودول، تستخدم من ذلك الملف أداة ضد دول بعينها، أن يبتلعوا ألسنتهم وأن يتواروا خزيًا بعد أن عُميت أبصارهم وعجزت تقاريرهم وألسنتهم عن أكبر عملية إبادة جماعية فى التاريخ الحديث، وأكبر عملية غير مسبوقة لانتهاك حقوق الإنسان تقوم بها دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.