https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

تونس..حكاية استرداد وطن مختطَف منذ عشر سنوات

متى تقرأ الإدارة الأمريكية المشهد بشكل صحيح ؟

319

يبدو أن الإدارة الأمريكية لم تستوعب الدرس جيدًا رغم تكراره أكثر من مرة، وثبوت خطأ قراءتها للمشهد المصري أكثر من 6 عقود مضت ولا يزال رجال الإدارة الأمريكية يعتمدون رؤاهم ويبنون استراتيجيتهم وفق معلومات غير مدققة.
تصريحات مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بشأن الوضع فى مصر خلال مقابلة مع الإعلامي الأمريكي اليميني، تاكر كارلسون، المنشورة على منصة «يوتيوب»، بنيت على معلومات مغلوطة لتكشف كيف تعمل الإدارة الأمريكية الجديدة؟! ومن أي اتجاه يستقي مسئولوها بياناتهم؟!
لم يكن حديث المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط رؤية عابرة بل هو جزء من رؤية الإدارة الأمريكية والذي جاء كاشفًا إما لعدم دقة المعلومات لديها، أو معبرًا عن مرحلة جديدة تحاول بها الإدارة الأمريكية التحرك فى منطقة الشرق الأوسط، فإذا كانت الأولى فإن الإدارة الأمريكية الحالية تحتاج إلى إعادة نظر فى أجهزة المعلومات، خاصة أن ما يتحدث عنه ويتكوف تتوافر بياناته للعامة ولدى المؤسسات الدولية لو كلف نفسه بعملية بحث بسيطة لتدقيق المعلومات ومنها صندوق النقد الدولي، عندها لم يكن ليقع فى هذا الخطأ الفادح.

نسبة البطالة التي تحدث عنها برقم “خزعبلي” ليست رقمًا غائبًا إنما هو واقع ملموس، فقد استطاعت مصر تخفيض نسبة البطالة من 13.7 إلى 6.4% بحسب نشرة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والمنشورة على موقعه الرسمي، وتناقلتها وسائل الإعلام المحلية والعالمية، نتيجة المشروعات التي أنجزتها الدولة المصرية فى البنية التحتية والقطاع الزراعي والصناعي خلال الفترة الماضية.
فقطاع البنية التحتية والإسكان من القطاعات التي توفر العديد من فرص العمل نظرًا لكونها من القطاعات كثيفة العمالة وهو ما استهدفته مصر.
في الوقت نفسه حرصت على بناء قدرة الدولة لتنفيذ رؤيتها للتنمية المستدامة 2030.
إن ما تحدّث عنه المبعوث الأمريكي ليس سوى جزءًا من سيناريوهات الكذب لخلق حالة من التوتر داخل الدول، وليس كما يدَّعي أن مصر دوله تعاني من حالة احتقان.


(1)

هناك أحاديث كثيرة للإدارة الأمريكية تمت خلال حقب متعددة تستهدف فى الأساس خلخلة الدول وضرب استقرارها، لكن مثل تلك المسارات لا تصلح مع الدولة المصرية وشعبها الذي يثبت دائمًا أن قراءة واشنطن للمشهد المصري غير صحيحة، وتحتاج لمعلومات موثوقة وتحليل أكثر دقة وقراءة لتجارب التاريخ بشكلٍ أكثر موضوعية وهو ما تفتقد إليه الإدارة الأمريكية وما يتطلب منها إعادة النظر فيما تطلقه من تصريحات أو تقوم به من تصرفات.
لقد جاء رد الشعب المصري على تصريحات ستيف ويتكوف التي تعد من أحاديث الإفك، ردًا قويًا فأكد اصطفافه خلف قيادته فى مواجهة محاولات قوى الشر استهداف الدولة المصرية، وأكد المصريون للعالم أجمع أنهم أكثر وعيًا وإدراكًا لما يحاك لوطنهم من مؤامرة فى محيط مضطرب تعصف به حالة من الفوضى.
فلا المعونة الأمريكية ترهبهم، فكم من السنوات توقفت تلك المعونة، رغم أنها جزء من اتفاقية أبرمت وتم التصديق عليها وينبغي على أطرافها المختلفة الالتزام بها، ولا يجب استخدامها كأحد أوراق الضغط، لكنها لم تكن يومًا ورقة ضغط ناجحة ضد المصريين، وهو ما يجب أن تفطن إليه الإدارة الأمريكية الحالية.
أما الحديث عن الفوضى.. فمصر هي الدولة الوحيدة التي نجت من ذلك المخطط المسموم رغم الظروف التي كانت مواتية لذلك، لأن شعبها أكثر وعيًا، فرغم الدعم الأمريكي الضخم لتنظيم الإخوان الإرهابي إلا أن المصريين استطاعوا استرداد وطنهم المختطف سريعًا، وخابت كل توقعات الإدارة الأمريكية وأخفقت أجهزتها فى قراءة المشهد المصري، كما أخفقت فى 2011، فكان رهانها أن تنطلق مصر باتجاه الفوضى فمارست ضغوطًا قوية لتحقيق ذلك وتحالفت مع الإخوان على أنه فصيل معارض سياسي، (وفق وثيقة صدرت عن السفارة الأمريكية فى 6 مارس عام 2006 ) وهي تعلم تمامًا أنه فصيل لا يعرف معنى الوطن، ولا يكترث به، لكن ذلك الفصيل الإرهابى هو ما سيحقق لها الهدف؛ فتعاونت معهم من اجل صناعة الفوضى وتفكيك الدولة، وفشل المخطط على يد الشعب المصري.
إن قوة الدولة المصرية تكمن فى وعي شعبها وقراءته للمحيط بشكل دقيق للحفاظ على دولته الوطنية فى مواجهة أقوى آلات صناعة الكذب، فالمصريون يتعلمون من دروس التاريخ، ويدركون تفاصيلها لذا كانوا بناة حضارة عظيمة، وهم حجر العثرة الأساسي فى مواجهة المخطط المسموم لإعادة ترسيم حدود دول الشرق الأوسط، والذي لم يبدأ عقب أحداث 2011 إنما سبقه بعقد كامل تقريبًا.

(2)

اعود إلى حديث المبعوث الأمريكي والذي يعد جزءًا من سلسلة صناعة الأكاذيب أو إن صح التعبير، أحاديث الإفك الأمريكية، فليست تلك هي المرة الأولى التي تتحدث فيها واشنطن بحديث مكذوب بل هو نموذج يعاد إنتاجه كل فترة مستهدفًا الوصول إلى تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد، كما تسميه الإدارة الأمريكية ودعونا نتذكر بعضًا من تلك المشاهد.
حرصت الإدارة الأمريكية على صناعة الأكاذيب وهندستها من أجل الوصول لأهداف حددتها فى المنطقة، ولنتذكر ما حدث فى الخامس من فبراير عام 2003 عندما قدم وزير الخارجية الأمريكي “‏كولن باول” أكبر سيناريو مكذوب إلى العالم مشفوعًا بصور للأقمار الصناعية، من خلال سيناريو يعد الأكبر عملية تدمير دولة وطنية بالقوة، ونجحت الإدارة الأمريكية (بوش الابن) فى الترويج لهذا الكذب وقامت بغزو العراق فى مارس من نفس العام.
فى أكبر عملية من عمليات صناعة الفوضى على الأرض، وتفكيك مؤسسات الدولة الوطنية متذرعة بمجموعة من الأكاذيب سابقة التجهيز، وبعد أن نجحت واشنطن فى تدمير العراق بدعوى امتلاك النظام فى ذلك الوقت لأسلحة الدمار الشامل وتعاونه مع التنظيمات الإرهابية ومنها أبو مصعب الزرقاوي وتنظيم القاعدة، خرج “كولن باول” بعد عامين (٢٠٠٥) ليعترف بأن المعلومات التي قدمها إلى مجلس الأمن حول امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل كانت كاذبة وغير صحيحة، وأنه لم يكن يعلم ذلك بحسب حديثه إنما قُدم إليه ليعرضه على مجلس الأمن من مكتب نائب الرئيس الأمريكي فى ذلك الوقت، ديك تشيني، ولم تكتبه الاستخبارات الأمريكية كما هو متبع فى مثل تلك التقارير.
لقد دفعت العراق ثمن أكبر كذبة أمريكية فغرقت فى حالة من عدم الاستقرار لأكثر من 22 عامًا جراء حديث إفك قدم للعالم من جانب واشنطن ودعمته حلفاؤها من قوى الشر.
بل كانت ليبيا أيضًا فريسة لأحاديث الإفك الأمريكية عندما قاد حلف الناتو عملية عسكرية لتدمير الدولة الوطنية بدعوى الدفاع عن الديمقراطية وإسقاط النظام (إن ضعف بعض الأنظمة وما شهدته بعض الدول فى المنطقة من ترهل وغياب الوعي لدى الشعوب، كان بمثابة الفرصة المواتية لكي تمارس واشنطن هوايتها وتنفذ استراتيجيتها التي جاءت على لسان وزير الخارجية كونداليزا رايس) وهي فى الحقيقة تستهدف زراعة الفوضى والانقضاض على موارد الدولة الليبية، وحصار الدولة المصرية بحالة من عدم الاستقرار لدول المحيط الإقليمي لها.

(3)

اصطف الشعب خلف قيادته الوطنية وعمل على تثبيت أركان الدولة وإعادة بناء المؤسسات وتحمل مواجهة كل التحديات والتهديدات، ليثبت للإدارة الأمريكية أنها لم تقرأ المشهد فى مصر بشكلٍ صحيح وعليها أن تراجع مصادر معلوماتها التي فى أحيان كثيرة تعتمد على منظمات حقوقية لا تعبأ بتدقيق المعلومات بقدر حرصها على تقديم الصورة وفق ما يريده دافع الثمن.
لقد فشلت واشنطن فى قراءة المشهد المصري أكثر من مرة ورغم ذلك لم تستوعب الدرس.
عقب يونيو 1967 ظنت أمريكا أنها وفق الرواية الإسرائيلية التي قدمت لها أن مصر قد انهارت ولن تستطيع التحرك أو استرداد الأرض المحتلة من قِبل إسرائيل، وأن الزعيم الخالد جمال عبد الناصر قد قضي عليه، ليفاجئ المصريون واشنطن وتل أبيب بل العالم أجمع ويخرجوا ليطالبوا عبد الناصر بعدم التنحي والاستعداد للحرب، ويصطف الشعب خلفه ويتحمل الصعاب على مدى 6 سنوات من أجل استرداد الأرض.
وعقب وفاة الزعيم جمال عبد الناصر كانت التقارير الأمريكية تشير إلى عدم قدرة الرئيس الشهيد الراحل محمد أنور السادات أن يستكمل المسيرة، ولن يستطيع تحرير أرض سيناء من الاحتلال الإسرائيلي.
وكان ذلك واضحًا فى ردود هنري كيسنجر على الرئيس السادات، عندما طالبه بضرورة تدخل أمريكا لإخراج إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة وتنفيذ قرار مجلس الأمن 242 والذي ينص على ضرورة سحب القوات الاسرائيلية من (الأراضي) التي احتلتها فى النزاع.
وإنهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب واحترام والاعتراف بسيادة وحدة أراضي كل دولة فى المنطقة واستقلالها السياسي، وحقها فى العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها وحرة من التهديد وأعمال القوة.
لكن كيسنجر لم يكن يقرأ المشهد جيدًا وقال للرئيس السادات إنه ليس هناك ما يدعو إسرائيل للتنازل عن الأرض.
وكان الرد على أرض الواقع بعد عدة أيام، بعبور قواتنا المسلحة لخط بارليف وتحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر وتحقيق نصر عظيم فى السادس من أكتوبر 1973 استردت به مصر أرضها وكرامتها وكرامة أمتها العربية، وأعيدت صياغة العديد من النظريات العسكرية على أثره.

(4)

لم تقرأ الإدارة الأمريكية المشهد المصري جيدًا وبشكلٍ دقيق، ولم تستفد من دروس التاريخ فى هذا الشأن، فالمصريون مهما ألمت بهم الشدائد تجدهم صفًا واحدًا خلف قيادتهم للحفاظ على دولتهم الوطنية.
المصريون شعب لا يفرط فى حبة رمل من تراب وطنه هكذا يربون أبناءهم ويقدمونهم لوطنهم للذود عنه، ولتراجع واشنطن مشهد الطلاب المتقدمين للكليات العسكرية والشرطة فى أصعب فترات مرت من عمر الوطن (الحرب على الإرهاب) لكي تقرأ المشهد فى مصر بشكلٍ صحيح.
المصريون هم من قدموا لأشقائهم فى قطاع غزة المحتل أكثر من 80% من حجم المعونات الدولية رغم الظروف الاقتصادية التي يعيشونها، لأنهم يؤمنون بدور ومكانة وطنهم.
مصر دولة عظيمة وقيادتها قيادة رشيدة حكيمة، وشعبها باني حضارة، لا يمكن التعامل معها بمثل تلك التصريحات وهذه الرؤى المغلوطة.
فهل يعتذر المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط عن تلك التصريحات؟! فالسياسة لها قواعدها وتصريحات المسئول توزن بميزان قبل أن ينطق بها، والتعامل مع الدول وإدراك مكانتها وقدرتها وقوة شعبها جزء مهم فى المعادلة.
وعلى السفارة الأمريكية بالقاهرة أن تبلغ مثل أولئك المسئولين الأمريكيين بضرورة قراءة المشهد جيدًا فى الشرق الأوسط وتدقيق البيانات.
وإذا كانت واشنطن تبحث عن إحلال سلام فى المنطقة كما تزعم فالمسار الذي تنتهجه يحتاج إلى مراجعة.
فقد أكدت مصر أنه لا يمكن أن يتحقق سلام دون حل الدولتين وإعلان الدولة الفلسطينية.
كما أن الحفاظ على استقرار الدول هو ما يحقق السلام وليس نشر الفوضى.
ولتدرك واشنطن أن الدولة المصرية لا تحيد عن ثوابتها الراسخة، ولن تتبدل مواقفها فى الدفاع عن الحق الفلسطيني وستظل داعمًا للأشقاء الفلسطينيين حتى إعلان دولتهم وعاصمتها القدس.