https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

أردوغان يخوض معركته الأصعب !

328

روضة فؤاد

اعتقال أوغلو يؤجج الغضب الشعبي..

لم تكن مجرد أزمة سياسية بين النظام الحاكم والمعارضة، تلك التطورات التى حدثت الأسبوع الماضى فى تركيا، وشكلت ما يشبه «زلزالاً سياسيًا» ستكون له تداعياته على المشهد السياسى والاقتصادى، حيث اعتقلت السلطات التركية رئيس بلدية أسطنبول أكرم إمام أوغلو، كما اُعتقل نحو 100 شخص آخرين على صلة به، وشملت قائمة الاتهامات تنظيم وقيادة جماعة إجرامية، والابتزاز، والرشوة، والاحتيال، والتلاعب بالعطاءات.

هذه الاعتقالات المفاجئة جاءت قبل أيام من الانتخابات التمهيدية داخل حزب الشعب الجمهورى، حيث كان يُنظر إلى إمام أوغلو باعتباره المرشح الأبرز لمنافسة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان فى الانتخابات الرئاسية المقبلة.

 

 

وأشعلت هذه الاعتقالات حالة الغضب الشعبى، حيث انتقلت الاحتجاجات من أسطنبول إلى أنقرة وإزمير، وعدد من الولايات التركية، ووقعت صدامات فى إسطنبول وإزمير بين متظاهرين والشرطة، واستخدمت الشرطة الرصاص المطاط فى إسطنبول، أما فى إزمير ثالث أكبر مدينة فى البلاد فقد استخدمت الشرطة مدافع المياه، بحسب لقطات بثتها محطات تلفزيونية محلية.

وفى سياق متصل، أعلنت جامعة إسطنبول إلغاء شهادة أكرم إمام أوغلو الجامعية، وأوضحت- فى بيان لها- أن ذلك جاء بعد مراجعة ملفات عدد من الطلاب الذين حصلوا على انتقال غير قانونى إلى برنامج اللغة الإنجليزية فى كلية إدارة الأعمال عام 1990، وأن 28 شخصا، بينهم إمام أوغلو، فقدوا شهاداتهم بناء على هذا القرار.

وبعيدًا عن توابع اعتقال أوغلو، فإن التساؤل الأهم يتعلق بتوقيت الاعتقال ودوافعه، حيث اعتبره الكثيرون محاولة لإقصاء إمام أوغلو من المشهد السياسى، ومنعه من الترشح للرئاسة، وهو ما ذكرته شبكة «سى إن إن» فى تقرير تحليلى، وأشارت إلى أن موجة الاعتقالات تأتى بعد حملة قمع استمرت أشهر ضد المعارضة فى تركيا، ونقلت عن «مراد سومر»، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة أوزيجين فى إسطنبول، قوله إن اعتقال رئيس بلدية إسطنبول جزء من التحول السياسى الذى تشهده تركيا، مضيفًا أن تركيا فى عهد أردوغان تنتقل من نظام استبدادى مفتوح إلى نظام استبدادى كامل، وهذا يبدو جهدًا مخططًا له ومنظمًا جيدًا بدأ الخريف الماضى.

وذكرت «سى إن إن» أن إمام أوغلو، أحد أكثر الشخصيات السياسية شعبية فى تركيا، يعتبر التهديد الرئيسى لأردوغان.

ومدد أردوغان حكمه لعقد ثالث بعد فوزه فى انتخابات رئاسية حاسمة عام ٢٠٢٣، ليضمن بذلك ولاية ثانية إلا أن حزبه لم يتمكن من السيطرة على مدينة إسطنبول الرئيسية، التى كان رئيسًا لبلديتها قبل أن يصبح رئيسًا للدولة، والتى لا تزال فى أيدى منافسه إمام أوغلو وحزب الشعب الجمهورى المعارض الرئيسى.

وعقب فوزه بولاية ثانية، كان أردوغان عازمًا على استعادة المدينة فى انتخابات البلدية فى مارس ٢٠٢٤، والتى شهدت فوز إمام أوغلو مجددا بنسبة ٥١.١٤٪ من الأصوات، متغلبًا على مرشح حزب العدالة والتنمية الذى يتزعمه أردوغان، وكان أوغلو انتُخب لأول مرة رئيسا لبلدية إسطنبول فى ٢٠١٩.

ونقلت الشبكة الأمريكية، عن «سونر كابتاجاى» مدير برنامج الأبحاث التركية فى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى قوله: «يرى أردوغان فى إمام أوغلو منافسًا رئيسيًا».

وينحدر أردوغان وأوغلو من ساحل البحر الأسود، وكما استغل أردوغان رئاسته لبلدية إسطنبول فى التسعينيات لإقناع الناخبين بقدرته على إدارة تركيا بكفاءة، قال كابتاجاى: «لقد خلق إمام أوغلو نفس السمعة»، وأضاف: «كان هذا تهديدًا كبيرًا لأردوغان، فقرر القضاء عليه فى مهده».

فى نفس السياق، نقلت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية عن «دوروثى شميد» الباحثة فى الشئون التركية قولها إن تركيا تتجه نحو نظام سياسى استبدادى وسلطوى، والمحفز لهذا التوجه هو تآكل قاعدة رجب طيب أردوغان الانتخابية، الذى حافظ على سلطته لفترة طويلة من خلال الانتخابات، بالرغم من حدوث بعض التلاعبات.

وأوضحت الباحثة فى الشئون التركية، أن التحذيرين لمستقبل حكم أردوغان هما الانتخابات التشريعية والرئاسية فى عام 2023، حيث تراجعت نتائج الحزب الحاكم، ثم الانتخابات البلدية فى عام 2024، حيث انضمت ثلاث مدن كبرى لحكم المعارضة.

ورأت الباحثة، أن الرئيس التركى بغرض طمأنة نتائجه الانتخابية، كان رد فعله هو من ناحية فتح الباب نحو الأكراد، مع الإعلان المذهل فى نهاية فبراير عن حل الجناح المسلح لحزب العمال الكردستانى، ومن ناحية أخرى القمع ضد المعارضة الليبرالية.

وفى ظل إجماع العديد من التحليلات السابقة على أن قرار الاعتقال جاء لإزاحة أوغلو من السباق الرئاسى القادم، فإن مناقشة تداعيات هذا القرار على المشهد العام فى تركيا سواء سياسيًا أو اقتصاديًا يبقى أمرًا مهمًا.

على الصعيد الاقتصادى، أبرزت وسائل الإعلام العالمية، أن اعتقال أوغلو ألقى بظلال ثقيلة على المشهد الاقتصادى، وزاد من التوترات فى الأسواق المالية، حيث انزلقت الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها التاريخية، وتكبدت بورصة إسطنبول خسائر فادحة، وسط موجة بيع مكثفة للأصول التركية، ما دفع المستثمرين إلى إعادة تقييم مخاطر الاستثمار فى البلاد.

وسياسيًا، استقبلت أحزاب المعارضة فى البلاد قرار اعتقال أوغلو بحالة من الغضب والرفض، وتصاعدت الدعوات إلى توحيد الصفوف لممارسة الضغط التشريعى على السلطة الحاكمة، والفوز بأغلبية البرلمان فى الانتخابات القادمة، ومقاطعة الانتخابات الرئاسية. إذ ندد حزب الشعب الجمهورى بالإجراءات القضائية التى اعتبرها محاولة للانقلاب على الديمقراطية وعلى الرئيس القادم، واصفًا الإجراءات القضائية- سواء تلك المرتبطة بتهم الفساد والإرهاب أو إسقاط الشهادة الجامعية- بأنها ليست قانونية بقدر ما أنها تحمل طابعًا وأهدافًا سياسية.

ولم تتوقف التداعيات عند حدود السياسة الداخلية، فعلى المستوى الدولى، انتقدت دول أوروبية عديدة اعتقال أوغلو، حيث قال المستشار الألمانى أولاف شولتس إن اعتقال أوغلو مؤشر على تراجع الديمقراطية فى تركيا، واعتبر أن اعتقال خصم أردوغان السياسى إمام أوغلو يضر بالعلاقات التركية الأوروبية، كما اعتبرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن اعتقال السلطات التركية لرئيس بلدية إسطنبول أمر مقلق للغاية.

وحتى الآن، لا يزال أوغلو معتقلًا وفى انتظار المحاكمة، وستتضح خلال الأيام المقبلة تأثيرات هذه التطورات بشكل واضح على المشهد السياسى التركى، ومدى تأثر الرئيس أردوغان وحزبه بما حدث، وأسلوب التعامل مع الضغوط الناجمة عن اعتقال أوغلو.