https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

فلسطين.. الأرض لأهلها

297

30 مارس ذكر ى “يوم الأرض” لتأكيد الهوية وحق العودة..

حسام أبو العلا

تأتى ذكرى “يوم الأرض” فى فلسطين، الذى يوافق  30  من شهر مارس من كل عام فى ظل المجزرة الإسرائيلية فى غزة، التى راح ضحيتها آلاف الشهداء والمصابين، إضافة إلى تحويل القطاع إلى ركام بعد هدم المؤسسات والمنازل والمستشفيات وتدمير كل المرافق والبنية الأساسية.

وفى 30 مارس 1976، أعلن الفلسطينيون داخل إسرائيل “سكان عدة بلدات وقرى فى أراضى 48” إضرابا عاما ونظموا مظاهرات شعبية عديدة، احتجاجاً على مصادرة أراضيهم وتهويدها، واستشهد فى هذه المواجهات 6 فلسطينيين وجرح 49 آخرين واعتقل أكثر من 300، بعدما تدخلت القوات الإسرائيلية لمنع الإضراب، وأطلقت الرصاص الحى على المتظاهرين.

أشعلت شرارة الأحداث بعد إقدام السلطات الإسرائيلية على الاستيلاء على نحو 21  ألف دونم (1 دونم = ألف متر مربع) من أراضى عدد من القرى العربية فى الجليل، ومنها عرابة، سخنين، دير حنا، وعرب السواعد، وغيرها فى عام 1976  وذلك لتخصيصها لإقامة المزيد من المستوطنات، فى نطاق خطة تهويد الجليل، وتفريغه من سكانه العرب، وهو ما أدى إلى إعلان الفلسطينيين فى الداخل، وخصوصا المتضررين المباشرين، عن الإضراب العام فى يوم الثلاثين من مارس.

وفى هذا اليوم أضربت مدن، وقرى الجليل، والمثلث إضرابا عاما، وحاولت السلطات الإسرائيلية كسر الإضراب بالقوة، فأدى ذلك إلى صدام بين المواطنين، والقوات الإسرائيلية، كانت أعنفها فى قرى سخنين، وعرابة، ودير حنا.

وتفيد معطيات لجنة المتابعة العليا ” الهيئة القيادية العليا لفلسطينيى 48″ بأن إسرائيل استولت على  نحو مليون ونصف المليون دونم منذ احتلالها لفلسطين حتى عام 1976، ولم يبق بحوزتهم سوى نحو نصف مليون دونم، عدا ملايين الدونمات من أملاك اللاجئين وأراضى المشاع العامة.

وبذلت إسرائيل جهودا لمنع انطلاق فعاليات نضالية، لكن رؤساء المجالس البلدية العربية أعلنوا الإضراب العام فى اجتماع يوم 25 مارس 1976 فى مدينة شفا عمرو.

وجاء قرار “لجنة الدفاع عن الأراضى العربية”، التى انبثقت عن لجان محلية فى إطار اجتماع عام جرى فى مدينة الناصرة فى 18 أكتوبر 1975، إعلان الإضراب الشامل، ردا مباشرا على الاستيلاء على أراضى “المل” (منطقة رقم 9)، ومنع السكان العرب من دخول المنطقة، فى تاريخ 13-2-1976.

ويشير باحثون إلى أن الاستيلاء على الأراضى بهدف التهويد بلغت ذروتها مطلع 1976 بذرائع مختلفة، تجد لها مسوغات فى “القانون”، و”خدمة الصالح العام”، أو فى تفعيل ما يعرف بـ”قوانين الطوارئ” الانتدابية.

وكانت أرض “المل” التى تبلغ مساحتها 60 ألف دونم، تستخدم فى السنوات 1942-1944 كمنطقة تدريبات عسكرية للجيش البريطانى أثناء الحرب العالمية الثانية، مقابل دفع بدل استئجار لأصحاب الأرض، وبعد عام 1948 أبقت إسرائيل على نفس الوضع الذى كان سائدا فى ذلك العهد، إذ كان يسمح للمواطنين بالوصول إلى أراضيهم لفلاحتها بتصاريح خاصة.

فى عام 1956 قامت السلطات الإسرائيلية بإغلاق المنطقة، بهدف إقامة مخططات بناء مستوطنات يهودية، ضمن مشروع “تهويد الجليل”.

كما كان صدور وثيقة (كيننغ) فى أول مارس 1976 من قبل متصرف لواء الشمال فى وزارة الداخلية الإسرائيلية (يسرائيل كيننغ) والتى سمّيت فيما بعد باسمه، التى تستهدف إفراغ الجليل من أهله الفلسطينيين، والاستيلاء على أراضيهم، وتهويدها، واحدة من مسببات الاتجاه نحو الإضراب.

ودعت وثيقة (كيننغ) فى طياتها إلى تقليل نسبة الفلسطينيين فى منطقتى الجليل، والنقب، وذلك بالاستيلاء على ما تبقى لديهم من أراض زراعية، وبمحاصرتهم اقتصاديا، واجتماعيا، وبتوجيه المهاجرين اليهود الجدد للاستيطان فى منطقتى الجليل والنقب.

وركزت على تكثيف الاستيطان اليهودى فى شمال الجليل، وإقامة حزب عربى يعتبر “أخا” لحزب العمل، ويركز على المساواة والسلام، ورفع التنسيق بين الجهات الحكومية فى معالجة الأمور العربية، وإيجاد إجماع قومى يهودى داخل الأحزاب الصهيونية، حول موضوع العرب فى إسرائيل.

وشددت الوثيقة على ضرورة التضييق الاقتصادى على العائلات العربية، عبر ملاحقتها بالضرائب، وإعطاء الأولوية لليهود فى فرص العمل، وكذلك تخفيض نسبة العرب فى التحصيل العلمي، وتشجيع التوجهات المهنية لدى التلاميذ، وتسهيل هجرة الشباب، والطلاب العرب إلى خارج البلاد ومنع عودتهم إليها.

وكان الرد الإسرائيلى عسكريا شديدا على هبة “يوم الأرض”، باعتبارها أول تحدٍ، ولأول مرة بعد احتلال الأرض الفلسطينية عام 1948، حيث دخلت قوات معززة من الجيش الإسرائيلى مدعومة بالدبابات إلى القرى الفلسطينية، وأعادت احتلالها، وأوقعت شهداء، وجرحى بين صفوف المدنيين العزل، فكانت حصيلة الصدامات استشهاد 6 أشخاص، 4 منهم برصاص الجيش، واثنين برصاص الشرطة.

ورغم مطالبة فلسطينيى 48 إسرائيل إقامة لجنة للتحقيق فى قتل الجيش، والشرطة مواطنين عُزَّل يحملون الجنسية الإسرائيلية، إلا أن مطالبهم قوبلت بالرفض التام، بادعاء أن الجيش واجه قوى معادية.

وسعت إسرائيل إلى إفشال الإضراب لما يحمل من دلالات تتعلق بسلوك الأقلية العربية كأقلية قومية حيال قضية وطنية ومدنية من الدرجة الأولى، ألا وهى قضية الأرض حيث عقدت الحكومة اجتماعا استمر أربع ساعات، تقرر فيه تعزيز قوات الشرطة فى القرى والمدن العربية للرد على الإضراب والمظاهرات ، كما قامت قيادة اتحاد العمال الإسرائيلى “الهستدروت” بتحذير العمال وتهديدهم باتخاذ إجراءات انتقامية ضدهم، وقرر أرباب العمل فى اجتماع لهم فى حيفا طرد العمال العرب من عملهم إذا ما شاركوا فى الإضراب العام فى يوم الأرض، كذلك بعث المدير العام لوزارة المعارف تهديدا إلى المدارس العربية لمنعها من المشاركة فى الإضراب.

يذكر أن إسرائيل استولت خلال الأعوام ما بين عام 1948، 1972 على أكثر من مليون دونم، من أراضى القرى العربية فى الجليل، والمثلث، إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى من الأراضى التى استولت عليها بعد سلسلة المجازر المروّعة، وعمليات الإبعاد القسّري، التى مورست بحق الفلسطينيين عام 48.

ويعتبر يوم الأرض نقطة تحول بالعلاقة بين (السلطة الإسرائيلية)، والعرب بالداخل، إذ أن إسرائيل أرادت بردها أن تثبت للجماهير الساخطة من هم “أسياد الأرض”، وكان هذا التحدى العلنى الجماهيرى الأول للكيان المحتل من قبل الجماهير الساخطة، باعتقاد العديد أن “يوم الأرض” ساهم بشكل مباشر بتوحيد وتكاثف وحدة الصف الفلسطينى بالداخل على المستوى الجماهيري، بعد أن كان فى العديد من الأحيان السابقة نضالا فرديا لأشخاص فرادى، أو لمجموعات محدودة، كما كان هذا الرد بمثابة صفعة وجرس إيقاظ لكل فلسطينى قبِل بالاحتلال الإسرائيلى عام 1948.

ويعتقد الفلسطينيون أن إحياء “ذكرى يوم الأرض” ليس مجرد سرد أحداث تاريخية، بل هو معركة جديدة فى حرب متصلة لاستعادة الحقوق الفلسطينية.

ومنذ عام 1976 أصبح يوم الأرض يوماً وطنياً فى حياة الشعب الفلسطيني، داخل فلسطين، وخارجها، ويشكل معلماً بارزاً فى التاريخ النضالى للشعب الفلسطينى باعتباره اليوم الذى أعلن فيه الفلسطينيون تمسكهم بأرض آبائهم وأجدادهم، وتشبثهم بهويتهم الوطنية والقومية وحقهم فى الدفاع عن وجودهم رغم عمليات القتل والإرهاب والتنكيل، التى كانت وما زالت تمارسها السلطات الصهيونية بحق الشعب الفلسطينى بهدف إبعاده عن أرضه ووطنه.

يوم الأرض فى هذه السنة يأتى والعدو الصهيونى يواصل عملياته الإرهابية ضد الفلسطينيين من قتل وقصف وتدمير واعتقال وحصار، خاصة فى قطاع غزة.

وتعتبر الأرض الفلسطينية الركيزة الأولى لإنجاح المشروع الصهيوني، كما أشارت الأدبيات الصهيونية، خاصة الصادرة عن المؤتمر الصهيونى الأول فى بال بسويسرا عام 1897م ، ومنذ نشوئه دأب الكيان العنصرى الصهيونى على ممارسة سياسة تهويد الأرض العربية واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، التى انغرسوا فيها منذ أن وجدت الأرض العربية، وذلك عبر ارتكاب المجازر المروّعة بحق الفلسطينيين، ولم تكتف سلطات الاحتلال الصهيونى بمصادرة أراضى الفلسطينيين الذين أُبعدوا عن أرضهم، بل عملت تباعاً على مصادرة ما تبقى من الأرض التى بقيت بحوزة من ظلوا فى أرضهم.

فى 30 مارس 1976، هبّ الشعب الفلسطينى فى جميع المدن والقرى والتجمعات العربية فى الأراضى المحتلة عام 1948 ضد الاحتلال الصهيوني، واتخذت الهبة شكل إضراب شامل ومظاهرات شعبية عارمة، أعملت خلالها قوات الاحتلال قتلاً وإرهاباً بالفلسطينيين، حيث فتحت النار على المتظاهرين مما أدى إلى استشهاد ستة فلسطينيين هم: الشهيدة خديجة شواهنة والشهيد رجا أبو ريا والشهيد خضر خلايلة من أهالى سخنين، والشهيد خير أحمد ياسين من قرية عرَّابة والشهيد محسن طه من قرية كفركنا والشهيد رأفت على زهدى من قرية نور شمس واستُشهد فى قرية الطيبة، إضافة لعشرات الجرحى والمصابين، وبلغ عدد الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال الصهيونى أكثر من 300 فلسطينيي.

احتفظت منطقة الجليل رغم كل المؤامرات الصهيونية بأغلبيتها العربية مع أنها المكان الذى أمعن فيه الصهاينة فى تطبيق سياسة التهويد، فأعلنت السلطات الصهيونية فى أوائل عام 1975 عن خطة لتهويد الجليل تحت عنوان: مشروع “تطوير الجليل” ، وهى الخطة التى تعد من أخطر ما خططت له حكومة الكيان الصهيونى ؛ إذ اشتمل على تشييد ثمان مدن صناعية فى الجليل. مما يتطلب مصادرة 20 ألف دونم من الأراضى العربية ذلك أن نظرية الاستيطان والتوسع توصى بألا تُقام مظاهر التطوير فوق الأراضى المطورة، وإنما فوق الأراضى البور والمهملة، وهى التسميات التى تُطلق على الأراضى التى يملكها العرب.

وقد شكّلت عملية تهويد الجليل ـ وما تزال ـ هدفاً من أهداف الحركة الصهيونية وهاجسها، فقد حدد بن غوريون هذا الهدف بقوله: “الاستيطان نفسه هو الذى يُقرر إذا كان علينا أن نُدافع عن الجليل أم لا”.

وتطابقاً مع السياسة الصهيونية، تجاه الأرض، فقد احتل الكيان الصهيونى عام 1948 أقساماً واسعة من الجليل، وأقام فيها العديد من المستوطنات، وبرر الصهاينة عملية الاستيلاء على الأراضي، بأنها أراضٍ للغائبين، ولكن الاستيلاء لم يقتصر على أراضى الغائبين، وإنما وضع يده على “أملاك” حكومة الانتداب البريطانى ، وتقدر هذه الأراضى بحوالى 2-3 مليون دونم ، ولم يكتف الكيان الصهيونى بتلك الأراضى ، وإنما امتدت يده إلى أراضى الفلسطينيين الذين بقوا فى أراضيهم، وكان العرب يملكون حتى عام 1948 حوالى 13 مليون دونم من أصل 27 مليون دونم، بينما لم يكن للكيان الصهيونى سوى 5.1 مليون دونم ، والباقى أراضٍ مشاع.

بدأ العدو الصهيونى منذ عام 1948 بسرقة الأراضى العربية وأخذ يُصدر القوانين المتعددة الأسماء والأشكال لتكون سرقتها “مبررة وشرعية” فمن قانون الأراضى البور إلى المناطق المغلقة إلى قانون أملاك الغائبين إلى مناطق الأمن، إلى استملاك الأراضى إلى إرغام العرب على رهن أراضيهم، حتى تمكنت من تجريد العرب من حوالى مليون دونم من أخصب وأطيب أراضيهم.

ولم يتوقف الكيان الصهيونى عن استصدار “قوانينه”، وممارسة سياساته التى تتماشى وفقا لنظريته القائلة: “ما أصبح فى يدنا هو لنا، وما يزال فى يد العرب هو المطلوب”.

قرار الدعوة إلى إضراب عام لفلسطينيى الـ 48 ، هو أول قرار من نوعه منذ النكبة وبدأت الجماهير تُحضر لذلك اليوم التاريخي، ولم تكن أسلحتهم إلا الحجارة، والعِصى والفؤوس، والمناجل، والسكاكين، وصفائح البنزين المشتعلة، ومحاولة الاستيلاء على أسلحة الجيش، واستجابت كل التجمعات العربية فى الجليل للإضراب، رغم محاولات الكيان الصهيونى إفشال هذا اليوم وبأى ثمن.